إبراهيم بن على الوزيرالكل

حاجة اليمن والأمة لفكر القائد المؤسس إبراهيم بن علي الوزير

حين تحاصر الحياة كوارثُ الطبيعة فتشتد عواصف الرياح، وتغرق الأرض بأمطار السماء أو تضربها تسونامي المحيطات والبحار تلوذ كائنات الأرض على اختلافها إلى الأشجار السامقة والجبال العالية تعتصم بها من الهلاك، وتدفع بها الموت والضرر، وحين تشتد بالمجتمعات الإنسانية الأزمات الخانقة، والنكبات الحادة، فتنسد آفاق الحياة وتظلم المسالك والدروب في وجوه العابرين، تلوذ المجتمعات بتلك القمم الإنسانية المؤمنة التي استطاعت أن تصنع لها في الوجدان الجمعي ــ بما امتلكته من نضج في الفكر، وثبات في الموقف، وشجاعة في الطرح وعظمة في التضحية ـــ النموذج الإنساني النبيل الذي تشكل مواقفه وأفكاره مصابيح هداية وسفن نجاة في الخروج من ظلمات الأمواج المتلاطمة إلى سبل الحياة الآمنة…

على أن من أهم ما تمتاز به هذه القلة القليلة من المصلحين الصادقين هو أن الموت الذي يطوي صفحة البشر، فيغيب الأحياء في أفلاكه، وتتلاشى ذكرياتهم في صيرورته يقف عاجزا أمام خلود حياة هذه القلة التي لا يزيدها الموت إلا حضورا في عالم المعنى، ونورا في مدارج الخلود، وانتشارا في جغرافيا الزمن، وسموقا في نفوس المريدين واكتمالا في ذاكرة الحياة.

إبراهيم بن علي الوزير …واحد من هؤلاء الأفذاذ المعاصرين، تخلقت شخصيته من رحم المآسي العظيمة، والنكبات الأليمة، وعاش حياته في حركة دائبة، من أجل الآخرين ،كالسحب التي تعصر نفسها لتمنح الحياة للأرض، والخير للأوطان ، والجمال للأودية والخضرة للصحارى القاحلة، ولا أكاد أجد شخصا يتفق المختلفون فكرا وأيديولوجيا حول عظمة شخصيته ونبل أفكاره، وثبات مبادئه وشجاعة طرحه كما يتفقون حول شخصية المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير، فهو واحد من أعاظم مفكري هذه الأمة، ومن أعظم علماء ومجتهدي العصر ومن فحول اليمن وأقطابه، فقيه علامة مجتهد في شئون الدين والفكر السياسي والاجتماعي كما يصفه المفكر المصري حسين مؤنس، وهو مفكر  عالمي الانتشار،  لا يمكن أن يحسب على جماعة أو أمة لأن فكره، صالح للاسترشاد به في أي زمان كما نظر إليه الأستاذ صبحي غندور،  وهو “قصيدة عربية لو كان للكعبة اليوم معلقات لأخذت مكانها في الصدارة منها” كما يقول المفكر الكبير خالد محمد خالد، وهو واحد من أولي العزم من الرجال كما وصفه صديقه الأستاذ محمد الفسيل، وقال عنه كثيرون كلاما أشبه بهذا الكلام لا مجال في هذه المساحة لرصده وتدوينه، ولله در الدكتور عبد العزيز المقالح في قصيدته “الوداع المهيب” وهو يصور بخياله الشعري في كلمات موجزة رجاء أحرار اليمن الثائرين بالأستاذ إبراهيم الوزير، في اشتداد البلوى وتفاقم الأزمات ومصدر إلهام الأمة وأفقها الزاخر بالآمال والحياة في قوله:

كنا نرجيه في البلوى إذا عظمت

فمن نرجي وقد أودى بنا السقم

وكان مصدر إلهام لأمتنا

تهفو إلى أفقه الآمال والهمم

ماذا أقول وقد حل الشتات بنا

وأطبقت حولنا الأخطار والظلم

قرن من الزمن الماضي مضى وقضى

وشعبنا في قيود الذل يلتطم

يسير من نفق دام إلى نفق

دام، تطارده الخيبات والندم

وإذا كانت الأبيات الثلاثة لشاعرنا المقالح من القصيدة التي كتبها في رحيل الأستاذ إبراهيم  قبل حوالي ثلاث سنوات تشكو حال الوطن وقد حل به الشتات وأطبقت من حوله الأخطار والخيبات، فإن حال الوطن اليوم أشد بؤسا وأكثر شتاتا في ظل عدوان خارجي تجاوزت جرائمه كل الأعراف والقوانين والشرائع تباركه قوى النفوذ العالمي وفي ظل حصار خانق لا يرقب إلا ولا ذمة في حاجة الناس إلى دواء أو غذاء، وقد أدى عدوان الخارج إلى فتح معارك اقتتال اليمنيين في الداخل، وكل هذا أدى إلى تمزق النسيج الاجتماعي وتعالي أصوات المناطقية والطائفية والمذهبية.

وعلى مرارة حاضر الوضع اليمني وشدة بؤسه وشقائه فإنه من جهة أخرى يكشف لماذا رفض الأستاذ إبراهيم الوزير أنصاف الحلول المتمثلة في استبدال النظام الفردي الأمامي بأنظمة فردية ذات طلاء جمهوري، ورفض المناصب المغرية التي عرضت عليه في ظلالها بما في ذلك منصب رئاسة الجمهورية، وظل حتى آخر حياته رافضا لهذه الأنظمة كاشفا عوراتها وخطورتها على كيان المجتمع في كتبه ومؤلفاته ومحاضراته داعيا إلى إقامة دولة الشورى التي تقف في وجه الاستبداد والطغيان وتحول دون المنهج الفرعوني “ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”.

ولو تحقق هذا النظام الجمهوري الشوروي الذي نادى به إبراهيم الوزير وظل مصرا عليه لكان اليمن اليوم ليس في منأى عن حاضره البائس فحسب، بل كان من أكثر بلدان الأرض تحضرا وتقدما وازدهارا.وعليه فإن أفكاره وطروحاته في بناء النظام الجمهوري الشوروي شرط لا بد منه لخروج اليمن من ظلمات الحاضر إلى آفاق المستقبل.

إن أمتنا الإسلامية اليوم وهي تعاني من انتشار الجماعات المتطرفة وأفكارها المدمرة من جهة وانتشار موجات التغريب والإلحاد والذوبان في فكر الأخر هي في أشد الحاجة إلى طروحات الفكر الإسلامي المستنير العميقة في الفكر الديني والسياسي والاجتماعي الذي يمثل الأستاذ إبراهيم الوزير أحد أقطابه المعاصرين بتنظيراته المجددة في قضايا الحرية والعدالة ومسائل التعايش الإنساني التي تشكل في مجملها مشروعا فكريا حضاريا مستنيرا، يجمع بوعي بين الأصالة والتجديد، ويحول دون الوقوع في مهاوي الاستلاب للتراث أو مزالق الاغتراب في ثقافة الآخر/الغربي، ويمتاز في الوقت نفسه باستيعاب الإجراءات المنهجية في البحث، فهو يرتكز على الدقة الموضوعية في العرض، ويبتعد عن آفات التعصب المذهبي والميل مع هوى الأحكام المسبقة في التحليل والاستنتاج، فينتصر للحقيقة التي تدعمها البراهين وتؤكدها الأدلة، ويراها أحق بالاتباع من سواها، يقول الدكتور عبد العزيز المقالح عن المنهجية الموضوعية في طروحات الأستاذ إبراهيم الوزير “أعترف أنني توقفت بإعجاب تجاه هذا الجهد الفكري المنهجي الملتزم، وأدركت في أثناء متابعتي أنني حقاً إزاء مفكر من الوزن الرفيع، وأنه أبعد ما يكون عن التعصب والميل مع الهوى. وقد نجح في تحليلاته ومناقشة القضايا المحلية والعربية والإسلامية والإنسانية باقتدار وتمكُن”

“لقد كانت حياته ـ كما يصفها بحق الأستاذ زيد الوزير ــ أنقى من البلور صفاء وصدقا ووضوحا، بحيث أنك لا تقدر أن تقول فيها ما ليس منها، تعرف سرائر نفسه من خلال كلماته، ليس فيها عوج ولا أمت، نفس شفافة نعكسها لسان صادقة، سواء أكنت أخا له أم باحثا عنه ، فنفسه وفكره تتحدثان بصوت جهير، وبكلمات صريحة واضحة لا تحتاج إلى توضيح فهي ناطقة بما يكن ضميره بشفافية مطلقة”

 

“رحمك الله أيها المفكر والإنسان وإننا على دربك ماضون، وعلى رسالتك حافظون، ولن يخذلنا تنكر الأقرب والقريب أو الأبعد والبعيد فإنا على دربك الصعب سائرون”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى