إبراهيم بن على الوزيراخبار محليةنافذة على كتاب

الهجرة ودورها في التعليم والبناء في فكر المهاجر المهجر إبراهيم بن علي الوزير

بين يدي المأساة.. حديث إلى اليمنيين النازحين

الأستاذ والمفكر الإسلامي الكبير ابراهيم بن علي الوزير

بين يدي المأساة.. حديث إلى اليمنيين النازحين

 أحمل في نفسي عقيدة قوية ثابتة أن الظلم في بلادي يجب أن يزول وينمحي

على كل يماني يريد إنقاذ بلاده من الفناء أن يؤمن أن أمر اليمن ملقى على عاتقه وأن عليه واجباً يجب أن يؤديه

المهاجرون من البشر كانت دوافعهم واحداً.. فسائر وراء لقمة وخائف مذعور من هول ما يرى من صور الإرهاب العديدة وحر مفكر رأى أن بقاءه في بلاده معناه القضاء على حياته

تحت عنوان “صحية النذير” أكد إبراهيم الوزير أن الاستبداد ترك كثيراً من أبناء الشعب صرعى لوبائه المبيد فإذا بهم أشباه رجال لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً

تحت عنوان “داؤهم ودواؤهم” شخص المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير عثرات اليمنيين وسبل الخروج منها

قراءة :محمد المطاع

الأحد18فبراير2024_ لأنه أحد أقطاب التنوير الثوري المستنير.. ونتيجة اعتمالات ومآس وأهوال وأحداث عاشها في بداية ريعان شبابه.. أدت الى هجرته/تهجيره خارج وطنه بحثا عن الأمن والأمان.. حاملا هم وطن وشعب وأمة.. باحثا عن الخلاص له ولهم.

ولأنه واحدا ممن نذروا أنفسهم لخدمة الأمة وأبنائها وتبصيرهم بما هو واجب عليهم القيام به خدمة للوطن والأجيال القادمة ومن أجل تعريفهم بالهدف الذي خلقوا من اجله..

ولأنه نذر حياته للبحث عن أسباب تعثر هذه الأمة وإيجاد الحلول التي فيها السبيل لإخراجها مما هي فيه من تيه وضياع وخنوع..

ولأنه كرس حياته لخدمة الأمة وتبصيرها بما يخرجها مما وقعت وأوقعت فيه من مآس جعلت الطغاة المستكبرين والعالين في الأرض من طلاب السلطة يسيطرون على مقدرات وخيرات أراض هذه الشعوب.. ولم يكتفوا بذلك.. بل عملوا على يجهيلها وتغييبها ليتسنى لهم تحقيق مآربهم على حساب الأوطان والشعوب..

ولأن المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – عاش حياته مهاجرا مهجرا بفعل السياسة وتسلط أربابها وبفعل تغييب الشعب وحصاره ومحاصرته في وطنه من قبل حكومات كان آخر اهتماماتها تحسين مستوى حياة شعبها العلمية والعملية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.. فقد نذر المفكر إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – حياته للبحث عن مكامن الخلل الذي يعانيه الشعب والأمة والذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من تيه وضياع وتشرد وخلاف ذلك..

فهاهو المفكر ابراهيم بن علي الوزير من واقع خبرة وتجربة ومعاناة ومعايشة وبطريقة ومنهج علمي يشخص لنا مواطن الداء ويدلنا على مواطن الدواء في كتابه ((بين يدي المآساة)) في حديث وجهه لليمنيين.. وعلى وجه الخصوص الذين دفعتهم ظروف البلاد للهجرة أو هجروا من بلادهم لأسباب عديدة.. في هذه التناولة سنستقرئ مقتطفات مما شخص به إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – دور المهاجر في بناء وطنه وتوعية أبناء مجتمعه ودعمهم في كتاب ((بين يدي المآساة)).

“بين يدي المأساة.. حديث إلى اليمنيين النازحين” هو أحد المؤلفات الفكرية والتنويرية للفقيد – الراحل جسداً – المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير، الذي كرس حياته وفكره وعلمه لمناقشة قضايا أمته الإسلامية جمعاء عامة، وقضايا أبناء وطنه اليمن بصفة خاصة.. ومن مؤلفاته:

“لكي لا نمضي في الظلام”، وقد صدر منه طبعتين، الطبعة الأولى عام 1382هـ 1962م.. والطبعة الثانية عام 1404هـ 1984م..

“حصاد التجربة”، وصدر عام 1389هـ 1970م.

“بدلاً من التيه” وصدر عام 1385هـ 1965م.

“الحصاد المر” صدر عام 1391هـ 1971م.

“في اليمن كما في كل مكان: (واإسلامه) لم يذكر تاريخ الصدور.

“الشرق الأوسط: إلى العروبة أم الإسلام؟” صدرت الطبعة الأولى عام 1394هـ 1974م، والطبعة الثانية عام 1406هـ 1986م.

“العبرة” صدرت الطبعة الأولى عام 1397هـ 1977م، والطبعة الثانية عام 1406هـ 1986م.

“رسالة إلى الأمة”، الطبعة الأولى عام 1384هـ 1964م، والثانية 1401هـ 1981م.

“رسالة إلى مجتهد”، صدرت الطبعة الثانية عام 1406هـ 1986م.

“على مشارف القرن الخامس عشر الهجري”، وقد صدر في أربع طبعات في الأعوام: 1399هـ 1979م، 1401هـ 1981م، 1402هـ 1982م، 1409هـ 1989م.

“القمة وأمانة المسؤولية” صدرت الطبعة الأولى ام 1394هـ 1974م، والثانية عام 1406هـ 1986م.

“إمكانية تطبيق النظام التعاوني في اليمن”، دراسة نال به دبلوم أخصائي اجتماعي عام 1956م (لم تطبع).

“نظرة على الشعر في اليمن”، دراسة نال بها دبلوم دراسات عليا من معهد الدراسات العليا – القاهرة (لم تطبع).

“خيانة الانتهازية لليمن”، لم يذكر عام صدوره.

“الميثاق في سبيل الله والمستضعفين”، صدر عام 1398هـ 1978م.

“زيد بن علي، جهاز حق دائم”، صدر عام 1390هـ 1970م.

“الطائفية، آخر ورقة للعالين في الأرض”، لم يذكر عام صدوره.

وللمفكر الراحل إبراهيم بن علي الوزير عدة مؤلفات منها ما هو تحت الطبع ومنها ما لم يعد للطبع بعد.

في كتاب “بين يدي المأساة.. حديث إلى اليمنيين النازحين”.. جاء في مقدمة الطبعة الثانية: “… وفي البحر فوجئت بقضية الغرباء عن أهلهم وديارهم، حيث الأمواج عارمة لا يتخللها إلا غناء الغرباء الحمين كحشرجات آتية من بعيد، وهناك كتبت عن الغرباء لا عن قصتهم ومآسيهم وإنما عن:

1-           أسباب الغربة.

2-           غايات الغرباء المختلفة.

3-           واجبات الغرباء.

وقسم إبراهيم بن علي الوزير عن أسباب الغربة، وغايات الغرباء المختلفة، وواجبات الغرباء، إلى ثلاثة أقسام: “هجرة في سبيل فكرة أو مبدأ أو عقيدة.. و”مهاجرون في سبيل طلب العلم”.. و”نازحون يطلبون لقمة العيش”.

وخلص المؤلف إلى ذكر واجبات كل فئة منهم.. محدداً ان الذين في سبيل الله لهم في درس الهجرة النبوية المنهج المفصل، والصراط المستقيم، وذلك بإقامة دولة القرآن التي تقوم على: الشورى في الأمر.. العدل في الأمر والحكم والمال.. والخير في الأرض والتعاون في الحياة.. والسلم في العالم.

وتطرق أن واجبات طلاب العلم هي تهيئة أنفسهم بمختلف فنون المعرفة وسائر ما يُمكنهم من التخصصات العلمية.

كما خلص إلى أن الفئة الثالثة وهي المهاجرة في سبيل الرزق، فقد استمرت وتكاثفت واتجهت نحو بلدان الجزيرة العربية النفطية (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، والبحرين) بكثافة أكبر.

وأكد المفكر الراحل إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – في مقدمة  الطبعة الثانية أيضاً، القول لعبدة طاغوت الماضي وسدنة الكهنوت، لا وجه للمقارنة بين الشرور والآثام، فهناك سيء وهناك أسوأ، وهناك ظالم وهناك أظلم..

وتساءل المؤلف عن ذلك بالقول: لماذا تحاولون ستر الحقائق؟

وأجاب على تساؤله: إن مسؤولية الأمة هي في تصفية كل ظلم، وإنهاء كل شر، وتمكين العدل، والحق والخير، من سيادة الحياة والأحياء.. مؤكداً أنه: حينذاك فقط تستحق الحياة أن تُعاش.. ويمضي الناس أحراراً تتألق في ضمائرهم شهادتان: لا إله إلا الله… محمد رسول الله.

وأكد المؤلف: أن على طلائع اليمنيين الواعين في المهجر أن ينتهجوا طريق الخلاص، ويعملوا بأسبابه مهتدين بسنن الله، وان يظل الهدف واضحاً في عقولهم، حياً في ضمائرهم، مجسداً في أعمالهم.

واعتبر المفكر إبراهيم بن علي الوزير أن ما اسماه الهجرة المتحركة هي المبادئ المتحركة، من خلال جهد وعمل يومي، حتى توصلها الى غاياتها وتحققها في عالم الواقع.

وشدد على أن مهمة المهاجرين المغتربين اليمنيين والعرب والمسلمين عامة هي مهمة سهلة وميسرة وإنسانية وشرعية يدعو إليها الحق ويرسم طريقها الشرع الإلهي الذي كله عدل ورحمة وإنسانية، متمثل في إقامة مبادئ العدل على الأرض وتحت السماء لتحقيق الخروج من ظلمات الشر إلى نور الخير والعدل.

وتساءل المفكر الإسلامي الراحل إبراهيم بن علي الوزير في مقدمة الطبعة الثانية: ما بال المهاجر المسلم سلبي في أرض الغربة، سلبي نحو نصرة العدل في بلده، ومن أجل أمته؟! أين هو من الإيجابية في بلدان حرة يحكمها القانون الذي يستطيع هو بايجابياته أن يوجهها إلى شرع الله في نصرة المستضعفين في الأرض وحماية حقوق الإنسان وحماية الحرية داخل الأمة التي هاجر إليها وذلك بحماية الثوابت التي تثبت كل يوم أنها وحدها تجسد الحق والفطرة ومنسجمة معهما؟!.

وخصص المرحوم المفكر إبراهيم بن علي الوزير في الكتاب مساحة اسماها “تنبيه هام” جاء فيه: “….على كل يماني يريد إنقاذ بلاده من الفناء، أن يؤمن أن أمر اليمن ملقى على عاتقه وأن عليه واجباً يجب أن يؤديه، فليعتمد على نفسه قبل كل شيء، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وليتفهم الحقيقة، حقيقة الحياة التي  يعيشها الشعب اليوم، وحقيقة الحياة التي يجب أن يعيشها في عصر غزو الفضاء، والسبل المؤدية إلى تلك الحياة التي تليق به كبشر، ثم ثانياً ليعمل على توضيح الحقيقة بالنسبة إلى الشعب ليشعر بها ويتجه في كرب الحياة الحقة…”.

وأورد المؤلف تحت عنوان “فاتحة الكتاب” الآتي: “… كان قلبي حزيناً وأنا استمع إلى أحدهم يقص عليَّ حديث الغربة الشجي، وأنا المتجه إلى العالم الجديد فرحاً جذلان بأنني اقتحمت ذلك السور الترابي المظلم الذي يقف حاجزاً بين شعبنا وبين الحياة!”.

مؤكداً: “إنها بداية طريق شاق وعر!”.

وتحت عنوان “حديث ذو شجون” وصّف المفكر الراحل إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – بالقول: “كلمات وحديث ذو شجون، وتطلع نحو مستقبل أفضل لشعبنا المكافح الذي عاق تطوره حفنة من المجرمين الدجالين المستغلين، مصاصي الدماء من مستبدين قتلة ومستعمرين لصوص، لقد أجرموا في حق التاريخ وحق الإنسان ككائن مكرم.

حديث عن تشردنا وراء الحدود، من بلادنا اليمن السعيدة، مهد العروبة الأول.. وموطن التوحيد العتيد. وقد حاولت جهد طاقتي إبراز هذه المشكلة الكبرى في هذه الصفحات من هذا الكتاب لأضع ما فيه من حقائق أمام شعبنا والشعوب الإسلامية والعربية والإنسانية وكل من يهمه الأمر، وأخيراً للأجيال القادمة من أبناء الشعب وللحقيقة والتاريخ”.

وقد وزع إبراهيم ابن علي الوزير – رحمه الله – مؤلفه إلى أربعة فصول، جاءت على النحو الآتي:

الفصل الأول: بين يدي المأساة.. وقد وزعه في عدة عناوين فرعية..

الفصل الثاني: خصصه لأسباب الهجرة..

الفصل الثالث: في سبيل العلم..

الفصل الرابع: في سبيل لقمة العيش..

فيما يلي سنحاول قراءة واستقراء ما جاء في هذه الفصول بالتتابع:

افتتح المفكر الراحل إبراهيم بن علي الوزير الفصل الأول المعنون: “بين يدي المأساة” بعنوان فرعي “قضية” والتي عرفها بالقول: “إننا في حاجة إلى كل ثانية يطويها الزمن لنفكر في القضية الدامية وذلك الجرح الغائر العميق، الذي لا يزال ينزف دون أن يجد من يستل منه خناجر الظلم، ويرأم صدوعه!!”.

وبعد هذا التعريف طلب الكاتب بالإطالة في التفكير لتشخيص ما اسماه الداء القاتل المبيد، مهيئين العلاج النافع. مشيراً الى أن الحديث عن هذه القضية متشعب النواحي، متعدد الأطراف، مختلف الألوان!..

وفي سياق تشخيصه طالب المفكر إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – أن تبدأ الرحلة مع من أسماهم المشردين السائرين من ديارهم وأوطانهم، التاركين وراءهم كل حبيب إلى قلوبهم، قريب من نفوسهم، أثير عندهم من آبائهم وأمهاتهم وعشيرتهم، متناسين، ليبقى في أجسادهم ضوء الحياة الخافت، تربة بلادهم المقدسة، ومسارح طفولتهم البريئة الهانئة وذكرياتهم العزيزة!..

وأضاف: لنبدأ رحلتنا مع حقيقة أن من شردهم عاصف الاستبداد الكئيب الأعمى تحت كل أفق وكوكب من هذه الأرض!.

مؤكداً أن تلك الحقيقة الرهيبة، هي هذه الهجرة المستمرة التي تركنا بها بلادنا العزيزة علينا وأُخرجنا بها من ديارنا وأموالنا بغير حق وتهنا بها في مجاهل الأرض حائرين.

وتساءل المفكر التنويري إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله –عل في التساؤل يجد جواب: ما سر هذه الهجرة، التي شردنا بها في كل أرض وتحت كل سماء..

وهنا يضع ثلاثة استفهامات تعجبية جوهرية قائلاً:

أبدلت الأرض من بلادنا غير الأرض؟

أتحول موقعها الطبيعي الخالد؟!

أسقطت السماء عليها كسفاً؟!

ليرد على هذه التساؤلات نافياً: ((لا))..

مؤكداً: “إن من هذه الرقعة من الأرض بزغت شمس حضارة ومدنية كان لها مكانتها في العالم السحيق الغابر”..

ولكن المؤلف يستطرد بالقول: إن مجموع ما في هذه الأرض يبعث على الفرار منها كأنها دنيا الظلام، والقبور والموتى.

ومن واقع التجربة الشخصية التي مر بها المفكر إبراهيم بن علي الوزير وعاشها مع أهله بصفة خاصة وشعبه بصفة عامة رأى أن الأسباب المخيفة لتخلف شعب عن العالم أجمع سببه: “… آهات أمة مقتولة الإرادة، مؤودة التفكير، مظلومة الضمير، مسلوبة الحرية!.

ليصل في سياق تشخيصه لحال الأمة إلى التساؤل: أعمي نحن عن كل ذلك فلا نبصر ولا عقول لنا فلا ندرك؟!

ليجيب عن هذا التساؤل بالنفي، مؤكداً: “إننا نبصر وندرك، ولكنه إبصار المريض وإدراك العليل…. ولا يهم المريض آنئذٍ إلا أن يترك مكان مرضه ظناً منه انه سيترك المرض في مكان المرض، وما يدري انه يسري في دمه ويجري في عروقه وأنه يحتاج منه إلى صراع طويل حتى يقضي على جرثومته الوبيئة الخبيثة… ذلك المرض هو الاستبداد المزمن بداء العبودية الوبيل!”.

ويعرف المفكر إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – المتسببين بهذا المرض: “إنهم كل شيء في الحياة، ويجب أن يتلاشى كل شيء في كيان مصالحهم ويكون جسراً يعبرون عليه. إن كل شيء وسيلة وهم غاية”.

واعتبر المؤلف أن البلاد أصابها إعصار فيه نار فاحترقت، فإذا أمنها وسلامها وحضارتها ومدنيتها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف..

معتبراً أن ذلك الإعصار الناري هو “ما منيت به الأمة من حكم مطلق تجسد في طاغية إثر طاغية، ومستبد بعد مستبد، ودجال وراء دجال منذ انهيار سد مأرب العظيم الرمز المخيف لأفول حضارتنا…” مشيراً إلى وجود استثناءات مضيئة من التاريخ، ولكن كلما لاح نور الحق حتى تهب زوابع قوى الشر لتطفئ نور العدل بوحشية.

واعتبر المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – أن المهاجرين من البشر من وطنهم كانت دوافعهم في مجموعها واحداً.. فسائر وراء لقمة العيش ليبقي على حياته وحياة من وراءه، ومن خائف مذعور من هول ما يرى من صور الإرهاب العديدة انطلق بنفسه لئلاً يجرفه تيار الطغيان المرعب المخيف، ومن حر مفكر رأي أن بقاءه في بلاده معناه القضاء على حياته فينطفئ، فهاجر حاملاً مصباحه المضيء ليضيء السبيل ويمزق الظلام الحالك الكئيب.. معتبراً ان المهاجر الأخير هاجر من بلاده ليعود إليها لا ليفر منها إلى الأبد، مؤكداً أن هذه الهجرة هي هجرة عمل وجهاد في طريق العزة ولها ما بعدها.. تنتشر من خلال هذه الهجرة فكرة الخلاص وتثبت في القلوب والأفئدة ليزحف عائداً إلى بلاده للبناء والإنشاء….

ونأتي في سياق قراءتنا إلى الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان: “أسباب الهجرة”.. والتي فرعها المؤلف إلى هجرة في سبيل فكرة.. معتبراً أن هجرة بعض المطالبين بحقوق الشعب كانت لأسباب قوية وإن لم تكن قهرية في بعض الأحيان.

واعتبر الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله –أن هجرة مثل هؤلاء تأتي تلبية لنداء الفطرة ونداء الله، وهم يعلمون حق العلم ما معنى الهجرة.. يعلمون أنها تضحية وعمل وجهاد.

وأشار المؤلف في هذا السياق أنه لو لم يهاجر الأحرار لما ارتفع لهم صوت، ولما سمعت لهم ركزاً، فقبل هجرتهم إلى خارج الحدود التي يحكمها الحديد والدم والنزوات والأهواء، كانت هجرتهم إلى القبور والسجون!.

وعرج المؤلف إلى عشرات الشواهد في تاريخ كفاح طلائع جهاد الشعب المسلم في اليمن، مؤكداً ان ذلك ليس خيالاً ولا رواية، لأن أكثر هؤلاء هم من علماء الأمة وأهل الحل والعقد فيها، وقصصهم معروفة مشهورة لا تخفى.

مؤكداً أنه في وضح الشمس وعلى مشهد من العالم العربي والإسلامي والإنسانية قضي على عدد من العلماء المعدود على أصابع اليد بعد فشل ثورة عام 1948م/1367هـ، وكانت هجرة تحت ظروف دموية قاسية وكانت ضرورة لازمة لابد منها.. لتفادي الغرق مع الغارقين ومن أجل مد أسباب الخلاص للغير.

واعتبر المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير – عليه رحمة الله – أنه لا بقاء لكائن حي يفكر فيعتقد بأن لأمته حقاً في الحياة الحرة الكريمة، ثم يراها تؤمر وتطيع وتظلم فتصبر، ويعتدى على كل حق يقرر آدميتها بما يخالف أبسط قواعد الإنسانية فترضخ وتستكين وتخضع وتتذلل.

مشيراً إلى ان الأدهى والأمر ان يحكم الشعب بعقلية ان الشعب ملك لها ولا تعترف بآدميته وفق آلية ابتكرتها عقلية الشر المظلمة.

وكرر المؤلف مؤكداً أنه لا بقاء لكائن مفكر مبصر يرى دموع الطفولة البرية المعذبة في السكك والأكواخ والسجون الإرهابية القاتلة، دموع اليتامى من أبناء هذا الشعب الذي تحصده قوى الشر حصداً، وتشرده تشريداً.. وفي المقابل يرى أموال الأمة وقد نهبت وأُكلت ظلماً وعدواناً..

وأشار المؤلف إلى أن هناك من هؤلاء الأطفال الآلاف، أيتام منهوبين ومسلوبين أو مختطفين جبرياً بدلاً من أن يوجهوا إلى المدارس ككائنات إنسانية.

وفي هذا السياق يوجه المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – سؤال للمبصرين: ماذا ترون؟ مشيراً إلى أنهم إن رأوا فلا يرون غير أسراب الضحايا الكادحين تتردد أصواتهم تطلب القوت الذي يسكت صراخ معداتهم الخاوية، وخرقة كساء تستر أجسادهم

 الهزيلة،وتقيهم البرد. قائلاً: ان ذلك يجري تحت سمع وبصر هؤلاء المبصرين، بينما الحاكم المطلق وأذنابه وخدمه يعربدون على عرش الذهب المتجمد من دماء الملايين وكدهم وعرق جبينهم.

وقال الوزير: أتخيل هؤلاء ويخيل إليّ أني كنت في اليمن غير مسلم، بل يخيل إليّ أن لم أكن هنالك إنساناً من بني الإنسان، وان الناس هناك يحملون قلوب وعقلية الوحوش ويدينون بشريعة الوحوش، وإلا كيف ساغ لهم أن يجمعوا على سلب أولئك الجياع الذين يتساقطون في الطرقات، دون أن يتناهو عن منكر أو يأمروا بمعروف.

واعتبر المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير أن المفكر في الهجرة يشعر بالحياة، ويحس بمعنى الإنسانية، ويفهم الإسلام على حقيقته، على عكس ما هو حاصل في الوطن المستعبد.

وقال الوزير: أحمل في نفسي عقيدة قوية ثابتة، أن الظلم في بلادي يجب أن يزول ويجب أن ينمحي، ويجب أن لا اصرف نفساً من أنفاس حياتي إلا وأنا احمل المعاول لتحطيمه.

معتبراً أن ذلك هو الايمان اللذيذ الذي يسيطر على حياته، وانه ما عرف العبادة وما ذاق حلاوتها إلا بعد ان اتقدت هذه النار المقدسة في جوانحه، واضاءت مسالك روحه، وطهرت ينابيع دمه.. وهنا يعرف الاحرار كيف يضحون بأرواحهم ويريقون حياتهم في دمائهم ليكتب لحرية أمتهم البقاء والخلود.

ووصل المفكر إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – إلى استنتاج إن قصة الحرية واحدة في كل زمان ومكان، انها قصة روح الإنسانية كلها قبل ان تكون قصة أمة من الأمم بعينها، أو شعب من الشعوب لذاته، ولذلك اجتمع العالم كله من اجل حقوق الإنسان سواءً أطبق عملياً أم لم يطبق، فقد اقرت هذه الحقوق لكل انسان تحت الشمس، بعد جهاد وكفاح ونضال مجيد ومرير.

واختتم الفصل الثاني بالقول: “الأحرار لا ينشدون غير الحق والعدل والحرية والدستور، ولا يرضون بأي شائبة باطل أو جور أو أي لون من ألوان الفردية البغيضة”.

أفرد المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير– رحمه الله – الفصل الثالث من كتابه موضوع القراءة المعنون “بين يدي المأساة”للحديث عن الهجرة في سبيل العلم.. وجاء في التمهيد للفصل ما يأتي:

“نحن الآن أمام صنف جديد، وأمام بواعث شتى نحاول، ما سمحت لنا ظروف الزمان والمكان، إبراز صورة مكتملة عن هذا الصنف الجديد من المشردين في سبيل العلم وعن بواعث ذلك وأسبابه.

وسنتناول مشكلة الشبيبة اليمنية بشيءٍ من الشرح والبيان، ولنمجد أولاً هذا الشعب اليمني الذي تجري في عروقه دماء حضارة عتيدة ترهف منه العقل والحس، وتولد فيهما طاقة هائلة متطلعة دائماً إلى أداء عملها الخطير”…….

وأفاض المؤلف في التعريف بعدد من الأعلام من علماء اليمن في مجالات العلوم  المختلفة، وأورد في تمهيد الفصل الثالث لمحات قصيرة بعض مما أنجزه هؤلاء العلماء الأفذاذ في حياتهم العلمية والعملية والفكرية.

وتحت عنوان “اختفاء الحياة العلمية” أكد المؤلف الوزير أن اليمن فقدت كثيراً من علمائها وشبابها في تاريخ طويل من نضال الاستقلال ضد الأتراك، وخرجت من هذه المعركة مهيضة الجناح مجهدة العقل والفكر؛ وسلمت قيادها إلى إمامها في أمور الدنيا والدين الذي قادها في حركة الاستقلال وتجمعت له كل أسباب الحكم المطلق الذي تهدمت أمام الأسوار كنتيجة للحرب الطاحنة الضروس.

وأضاف المفكر الوزير – رحمه الله – في هذا الجانب انه ما زال هناك بقية من علم.. مشيراً أن الحاكم سارع إلى إلصاق تهم موالاة أعداء الله بكثير ممن تبقى من العلماء الذين اختفوا ولم يعثر لهم على أثر.

وعن الدور الذي أنيط بالمساجد لنشر العلم قال الوزير: “هذه المساجد التي كان يجب أن تشجع أغلقت أبوابها عن طالب العلم وصودرت الأموال التي ينفق منها على طلاب العلم وكانت آخر الرواية أن أسدل الستار عليها وعلى دورها.

وتحدث المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير عن الخلافة والملك قائلاً: منذ النصر الحاسم على الغزاة الأتراك، بدأ همس وظهرت دلائل وارتسمت علامات استفهام واستنكار.

وتحت ما تبقى من ظلال العلم كان الهمس: إنه الملك، لا الخلافة، قال ذلك من كان يحلم بالخلافة الراشدة وهمس به في حسرة وخيبة أمل وألم من جاهد بماله ونفسه في هذا السبيل.

….. الأمة يراودها حلمها الجميل وأملها الباسم المشرق، فهي مسحورة أعظم ما يكون السحر، مأخوذة، فلا عقل لها ولا تفكير، محال ان تحطم آمالها على صخرة الواقع العاتية وحلها المنشود في عالم الحقيقة….

وقال الوزير: مهما حاولت فليس إلى مرد من سبيل وليس إلا قوة الزمن الكاشفة للحقيقة على أن تصقل هذا الكشف بحياتك ودمك وجهادك ونضالك!.

تلك قصة النصر والسراب والعلم والزمن، إنه الملك، لا الخلافة، ولكن مع ذلك ها هي دلائل ظاهرة تستعلن لكل مفكر رشيد.

واستشهد المفكر الوزير بقول الإمام زيد عليه السلام حين سُئل: ما علامة الجائر؟

قال: أن يستأثر…!

وبين الوزير أن الحاكم: ترك الشورى، وإنه الاستبداد، وإنه الفردية البغيضة، وإنه دعوى الإلوهية في الأرض.. وكانت النتيجة الأبدية: فساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل، حتى تعرف الأمة طريقها فيثيبها الفتح والنصر والحياة.

وعن مصير العلم في الوطن، أشار إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – إلى أنه لم يكن في البلاد سوى أربع مدارس ثانوية ليس فيها نظام الابتدائية، وان اليمني الذي كان يصل إلى مصر لطلب العلم من الذين ثقفوا أنفسهم وتسنت لهم القراءة والكتابة في مدارس الحكومة، يضطر عندها إلى إعداد نفسه حتى يتسنى له الالتحاق بالمدارس الإعدادية أو الثانوية في سن توازي سن المتخرج من الجامعة إذا قيس إلى زميله المصري.

وأشار الوزير إلى أن الحكومة قدمت الدليل الحي على إقفار البلاد من المدارس الابتدائية ذات المنهج المتكامل. وان أبناء الحكام كانوا يرسلوا للدراسة في مصر وهم في سن الملتحقين بالجامعة وهم لا يعرفون أبسط ما يعرفه التلميذ في المدارس الابتدائية المصرية، فدرسهم أساتذة خصوصيون حتى يلتحقوا بالمدارس الإعدادية والثانوية.

وعن تقابل العلم والجهل وجهاً لوجه، قال إبراهيم الوزير: للشباب اليمني نزعة ملحة ورغبة جامحة وظمأ محرق للورود على مناهل العلم الصافية والارتواء منها. ومنذ ابتلي اليمن بالحكم الاستبدادي المتوحش.

وعن قصة الشباب المتعلم أكد الوزير أن الحكم في اليمن حارب العلوم على اختلافها، ومهما كانت ومهما كان لونها وضرب نطاقاً حديدياً على البلاد حتى لا تتسرب إليها الكتب والرسائل والصحف والمجلات. حتى لا يتسرب أي شيء يحمل طابع الفكر مهما كان، وكانت اليمن بمعزل عن النهضة الثقافية والفكرية في الأقطار الشقيقة.

وأشار الوزير إلى أن أول بعثة طلابية يمنية تم ابتعاثها تحت إلحاح حكومة العراق وعلى نفقتها أرسلت ولم تمهل حتى تستكمل دراستها وحيل بينها وبين ذلك وأعيدت إلى اليمن. وفوجئ الطلاب واستنكر علماء اليمن وزعماؤه هذا التصرف!!.

…. عادت البعثة وقطعت عليها الطريق قبل أن تفهم– حسب ظن الحاكم – أن عليها رسالة وفي عنقها أمانة وعلى عاتقها واجب…. وعاد الشباب في خلايا دمه أنوار حضارة وفي عنقه تألق هداية يحملون في حنايا صدورهم أفكاراً مستنيرة وآراء ثاقبة وقلوباً واعية وأفئدة تطلب المزيد من العلم والثقافة وعيوناً متفتحة على كل شيء يجري في بلادهم.

… وكانت العراق حينذاك أرض التطلع والثورة.. طبعت الشباب بطابع ثوري في طياته الهدم ثم البناء، وفي أنفاسه التحرر من القيود والأغلال.. وقد حملت هذه البعثة معها كتباً قيمة تصور النشاط الفكري والثقافي من جميع نواحيه ومختلف ألوانه وخاصة أفكار المصلح العظيم الإمام جمال الدين الأفغاني وتلميذه الأستاذ الإمام محمد عبده، فغزة اليقظة نفوس الشباب وعقولهم فبعثتها من مراقدها لتتطلع إلى النور والحياة والإشراق، واشتد أوار ظمأهم للارتواء من مناهل العلم المختلفة.

وعن المصير النهائي للبعثة قال المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله-: “….. ونحن نسجل قصد اضطهاد العلم وتشريد أبنائه، بل ونحن في سبيل الكتابة عن مأساة العلم والمتعلمين في الحكم المتوكلي الناصري المتوحش، لا ننسى أن نذكر هنا في خشوع وإجلال والأسى يحز في نفوسنا والدموع تملأ مآقينا والذكرى تشجينا وتستثير من الحزن والألم، أن تلك البعثة التي عادت من العراق كان مصيرها ساحات الإعدام في حجة، حيث أريقت دماء أكثرهم بتلك الصورة المتوحشة التي عُرف بها الحكم المستبد – حكم الإمام أحمد – وحيث أُلقي بالباقي منهم في سواء السجون…… وخاتمة المطاف لهذه البعثة انه لم يبق منهم إلا نحو ثلاثة تلقتهم السجون فكانوا ضيوفاً دائمين!.

وعن ما اسماه المؤلف (حرب سافرة) قال: “… بيان الإمام يحيى قبل الثورة يعطينا الصور الكاملة عن سياسته إزاء العلم والمتعلمين، فقد حرر بخط يده وختم هذا الأمر الإمامي بخاتمه الأحمر، وكان الأمر موجهاً إلى ما يسمى بالمدرسة العلمية بأن يمنع الشباب من مطالعة الكتب المطبوعة بحجة “أنها عصرية” ومعنى ذلك عنده الفساد والكفر وأن من تكلم يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر هكذا فيودع السجن بحج انه يوقظ الفتنة النائمة “ولعن الله من أيقظها”..!!.

وتحت عنوان “سياسة الكهانة”، أشار إبراهيم بن علي الوزير إلى أن تاريخ العلم في اليمن لا ينسى ولن ينسى حين قبض على كثير من الشباب كانوا يبشرون بمبادئ الحرية والحق وعبادة الله وحده، فطلبهم الإمام يحيى وتعمد أن يصلوا إليه في ملإ من عامة الناس وسفهائهم وصرخ في المجتمعين: ما رأيكم في هؤلاء الذي يطالعون الكتب العصرية المطبوعة ليختصروا القرآن!!.. ولجهل هؤلاء وغباوتهم جازت على عقولهم هذه الخدعة الساذجة فهاجوا على هذه الطليعة المؤمنة من الشباب وضربوهم ضرباً مبرحاً قاتلاً وسيقوا إلى السجن في موكب حافل باللعنات والركلات والموتات…..

وأورد المؤلف ما اسماه (بث سموم التفرقة) قائلاً: … ولا تزال الحكومة تستخدم المال في شراء بعض من يلبس ثوب الوطنية من سماسرة المبادئ لبث سموم التفرقة بين أبناء الشعب الواحد لئلا تجتمع الكلمة، ويتحد الرأي، وينتظم الصف، …. فإذا بك في مجتمع يتراشق بالخصومة ويكيل الاتهامات دون تثبت أو حمل على السلامة أو هدى أو كتاب منير، ولكننا نأمل في المبادئ الدينية والقيم والمُثل التي يحملها الشباب اليمني الذي يعرف قضية بلاده ومأساتها الكبرى، …. ونكتفي بهذه الصورة لتنبيه من في قلبه ذرة من إخلاص ومن ينظر إلى هذه الأمة ومستقبلها فيعمل على تصفية الخلافات الواهية الأسباب وتألف القلوب وربطها برباط الحب المقدس،…

وعن آمال الشباب الذين يمموا وجوههم شطر البلاد العربية وكلهم أمل وكلهم ثقة بها لاعتقادهم أن قضية بلادهم يشعر بها إخوانهم العرب في كل مكان وأنهم سيلقون لتشردهم مستقراً وانه لولا مشاكل داخلية لساهم إخوانهم العرب في تحرير بلادهم وتحطيم ما ترسف فيه من أغلال وقيود!

…. وهكذا كانت نظرتهم مثالية إلى أبعد الحدود، ثم أليس المعلم الأول قد وضع للمؤمنين ذلك المبدأ السامي الحكيم: “المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتضامنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له الجسد بالسهر والحمى”، و”المسلم للمسلم كالبنان أو كالبنيان يشد بعضه بعضاً”، وعلى هذا الاعتقاد الراسخ يهاجر الشباب اليمني واثقين أن أصواتهم ستجد لها أثراً وصدى،….

واختتم المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير هذا الفصل بقصة أحد الشباب الذين تشردوا في سبيل طلب العلم، وقال:

“…ولنختم هذا الفصل بقصة شاب يمني تشرد في سبيل العلم، وجعل منه العلم بطلاً جاهد في سبيل إنقاذ أمته، وسجل اسمه في صفحة الشهداء!.. إنها قصة الشاب محمد صالح المسمري؛ فبالأمس القريب قدم المسمري إلى ساحة الإعدام حيث فاز بشرف الاستشهاد، وكان هذا الشاب أحد الذين خرجوا من بلادهم في سن مبكرة، حيث درس في مصر عدة سنوات ونال الشهادة العالية من الأزهر وشرح قضية بلاده وكتب عنها. ولما حدثت الثورة في اليمن سافر مسرعاً على الطائرة إلى صنعاء ليؤدي واجبه كشاب آمن بالله وبحق أمته في الحياة الحرة الكريمة، وإثر وصوله العاصمة صنعاء سقط في أيدي دعاة النهب والسلب وسيق مع إخوانه الأحرار يُسحبون في السلاسل والأغلال والقيود إلى حفر السجون، وفي حجة عاصمة الإرهاب أمر الطاغية بقطع رأسه بتلك الطريقة المتوحشة الخاصة…”.

ونأتي هنا إلى الفصل الرابع والأخير من كتاب “بين يدي المأساة” للمفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – الذي افتتحه بإيراد بيت من الشعر، مشيراً إلى أن الشاعر العربي قصد به الشعب العربي في اليمن:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ

والماء فوق ظهورها محمول

وتحدث المؤلف عن اليمن قائلاً: “…. كانت اليمن في أحلك العصور ظلاماً، تصدر المنتجات الزراعية إلى البلدان المجاورة، ولم تبلغ الحالة الرهيبة التي بلغتها إلا في القرن العشرين!! بفضل الحكم الفردي القبوري المتعفن الذي لا ينتج عن كيانه المتفسخ سوى الموت والدمار والجوع والمرض والفقر والخوف والتأخر المهين”.

وتساءل الوزير في سياق حديثه عن اليمن قائلاً: “هذه اليمن بما وهبها الله من إمكانيات وخصائص.. لماذا يشقى بنوها في بلد السعادة؟ وتقتلهم المجاعات فوق أرضها الخضراء وتحت سمائها المدرار..؟!”.

وتحت عنوان “مليون من اليمنيين خارج وطنهم” قال إبراهيم بن علي الوزير: “اتجه فريق كبير، بل الأكثرية الساحقة التي تعد بعشرات الألوف ومئات الألوف من أبناء اليمن إلى العالم الفسيح المترامي الأطراف ليس لهم من غاية ولا قصد غير البحث عن الرزق بعد أن ضاقت بهم سبل المعيشة وأصبحوا لا يرون إلا شبح الموت جوعاً يتراءى أمامهم صباح مساء ولم تتوصل عقولهم إلى أي حل غير خروجهم من أوطانهم، مع أن الحل بأيديهم لو كانوا يعقلون، وعلى كل، فقد فر هؤلاء بأنفسهم التي تنازعهم البقاء ورحمة بما تبقى وراءهم من عائلات منكوبة علهم يجدون في بلاد الله العريضة رزقاً يقتاتون به، ويبعثون ما فاض لهم من رزق إلى تلك الأسر التي تركوها تحت رحمة الوحوش!!”.

…. ومع أن هذا المشرد ليس حديث عهد بالتشرد حتى يلتزم سمت العبودية دون تبديل أو تحوير، فله في دنيا التشرد نحو ثلاثين عاماً، وهو فوق ذلك لا ينوي أن يعود إلى بلاده بعد أن تتغير أوضاعها المقلوبة مهما كان الأمر، وبالجملة فإنه قد قطع كل صلة له ببلاده، ومع ذلك فلم يفلت من سلسلة الحكم المتوكلي.

….. فإنه من أجل أناس من البشر تربطهم به روابط وثيقة اضطر أن يلطف من موقفه وأن يخرج صامتاً واجماً.. وهكذا يرزح كل يمني في الداخل وفي الخارج تحت هذا الحكم المتوحش البغيض المبيد للإنسانية بمثل هذه السياسة القاتلة، يساندها أو يجعلها تنجح الجهل العام،….

وتحت عنوان “صحية النذير” أكد إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – إن الاستبداد ترك كثيراً من أبناء هذا الشعب اليمني صرعى لوبائه المبيد فإذا بهم أشباه رجال لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.

وقال الوزير شارحاً حالة اليمنيين في المهجر وفي الداخل: “إن هذه المخاوف البعيدة المدى في نفوس هؤلاء الضحايا لهي أخطر داء يجب أن يُعنى بمحاربته كل من يريد لليمن الحياة. إن الضعف والجبن والاستسلام وحتى عدم البحث في هذا الشقاء الذي يتخبط فيه اليمني المسكين سواء أكان في بلاده أم خارج حدودها لهو وليد هذه المخاوف. فيخاف حتى من البحث في أسباب شقائه وتعاسته، لشعوره أن الأسباب في مجموعها ترجع إلى ذلك الغول الرهيب الذي لا يملك أمامه إلا الاستسلام والخضوع، فيقبل أحناك الضواري وهي ملوثة بدمه ويحفر القبور بيده لحياته وتاريخه. ولا عجب في ذلك فهذا الداء يصيب العقل بالشلل ويقضي على الإرادة ويصنع الأعاجيب،….”.

وفي سياق توصيفه وتفنيده لحالة اليمنيين في الداخل والخارج، يخاطبهم إبراهيم الوزير بالقول: “أيها اليمنيون، تحرروا من هذا الصنف وأبيدوا هذا التفكير العبودي ولتستيقظوا على صوت النذير، فقد آن لكم أن تصحوا من موتٍ دام خمسين عاماً وإلا فأغمضوا عيونكم إلى الأبد مستسلمين للرقاد عبيداً أذلاء.

عثرات اليمنيين وسبل الخروج

وتحت عنوان “داؤهم ودواؤهم” شخص المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير – رحمه الله –عثرات اليمنيين وسبل الخروج منها بالقول:

“نستطيع بعد أن قرأنا شيئاً عن قصة هؤلاء المشردين في سبيل لقمة العيش أن نجعل خلاصة ما تقدم في سطور، بعد أن عرفنا داءهم القاتل، ولنحاول أن نشرح لهم وجهة نظرنا عما عساه أن يكون العلاج الناجع، فلعل ذلك ينقذ به مريض مدنف، ولنكون قد قمنا بواجبنا في هذه الناحية، فإن هذه الرقعة من العالم تعيش في خلاياها الأمراض المختلفة، وتنهشها قوى الشر ن كل مكان، ولا ندري مع كل هذا أنتفاءل أم نتشاءم؟. أنتفاءل بهذه الموجة من الشعور الجديد الذي يستعلن اليوم في كل قلب من هذه الأمة في داخل البلاد وخارجها، شعورهم بأن لهم حقوقاً وأن عليهم واجبات مقدسة لا تكمل آدميتهم إلا بها، وأن من الواجب أن ينالوا حقوقهم وأن يحققوها وأن يؤدوا واجباتهم كاملة غير منقوصة، أم نتشاءم لأن هذا الجسم لامرهق قد تغلغل فيه الداء وكاد يفتك به طول المرض فتكبله هذه عن النهوض بما يشعر به ويتطلع إليه”.

…. “إن المشرد اليمني لا يدخل هذه الناحية الرئيسية في حسابه، إنه يتشرد حتى إذا حصل على شيء من المال عاد مسرعاً إلى بلاده حيث عائلته وأفراد أسرته، وهناك في طريقه إلى كوخه يسلب الكثير مما حصله بطرق مختلفة من ضرائب وجمارك وجند وحكام ومخمن وكشاف وقباض وغيرهم كثيرون من هذه الدواهي التي ذقتم حلاوتها أيها المشردون!! أما إخوانكم في العروبة والإسلام وإخوانكم في الإنسانية – إن كان هنالك إنسانية غير محلية – فلا يعرفون من هذه الدواهي شيئاً، لذلك عقدنا لها فصلاً كاملاً…”.

….. “وهكذا يظل اليمني سواء أكان مشرداً خارج بلاده أو مشرداً فيها يعيش في جو واحد من الذهول والغفلة عما هو فيه، لأنه لم يدخل في حسابه أسباب تشرده وشقائه ولو أدخلها فيحسابه لعرف أن شقاءه ناتج عن تلك الأوضاع فيعمل ويتلمس أسباب الخلاص من جحيمها ليل نهار.

هذه واحدة، وتتلخص في الأوضاع الشاذة في جانب، وعدم الفهم لها للعمل على الخلاص منها، في جانب آخر.

وثانية، إن المشرد اليمني يخرج من بلاده جاهلاً بدائياً، هذا صحيح، إذ إنه داخل بلاده لا تتوفر له وسائل تثقيف نفسه، لأن سياسة الجهل المتبعة في بلاده أرادت له ذلك، ولكنه حين يغادر بلاده يجر نفسه بين أمم تبني حياتها على العلم والمعرفة وتولي هذه الناحية جل اهتمامها، فلماذا لا يفكر وهو يشهد بعينيه معالم الحياة، يشهد أبناء الأمة التي هو بين ظهرانيها وهم يروحون جيئة وذهاباً إلى المدارس والمعاهد لتحصيل العلم! لماذا لا يهتدي إلى أن من أسباب شقائه –جهله-. وبذلك سهل للطغاة مهمتهم في تخديره وسلبه أعظم مقومات الإنسان، وهو التمييز بين الضار والنافع والحق والباطل والخير والشر، سهل عليهم أن ينزلوا به كل ضرباتهم المدمرة لكيانه وهو حائر ضال لا يدري من أين توجه إليه هذه الضربات القاتلة، وهنا قد يعترض أن الجاهل قد لا يدري أنه ينقصه شيء كبير، ولكننا نجيب أن صرخات إخوانه من الأحرار الذين يصيحون به صباح مساء بوجوب التعليم لكافٍ بلفت نظره إلى هذه الحقيقة الساطعة. لقد كان يجدر به وهو يعيش في وسط بيئة كلها تتطلع إلى العلم والمعرفة، أن يفهم أن من العلاج أن يعل على نشر التعليم فيعلم أبناءه وذويه ويُساهم في تعليم إخوانه، حتى يخطو بهم درجة نحو الخلاص. هذا الأمر الخطير يتلخص في الجهل في داخل البلاد من جانب، وعدم العمل على محاربة هذا الجهل من جانب آخر.

ومن ضمن تشخيصه للداء والدواء، يورد إبراهيم بن علي الوزير إلى جانب النقطتين الأولتين نقطة ثالثة:

“وثالثة: إن التعليم وحده غير كافٍ فإن أمراض الاستبداد وسمومه وأدواءه ومخلفاته عميقة، وهو من هذه الناحية يتطلب إيجاد الوعي السياسي الناضج وهو أكثر أهمية من التعليم، فقد يكون في المتعلمين الكثير من الأميين – إن صح هذا التعبير- ذلك أن مخلفات الظلام وتركاته القاتلة، من خرافات وأساطير وخوف وجبن وأنانية وكذب وتردٍ أخلاقي… إلخ هذه السلسلة السامة تشد العقول إليها وتلفها في غلاف خبيث لا تنظر إلا من خلاله ولا تفكر إلا في نطاقه البغيض؛ ومن السهل على المستبد شراء ضمير المتعلم الذي ينوء تحت هذه التركة، ولكن المستنير بالوعي الناضج والمفاهيم الصحيحة للحياة لا يمكن تضليله أو شراء ضميره؛ إنه اللبنة الأولى النظيفة في بناء الحياة الحرة الكريمة.. ويتلخص ذلك في تركة فاسدة من المفاهيم والتفكير الخاطئ والسلوك المنحرف في جانب، وعدم تطهير مقاييس الإدراك والفهم والتفكير والسلوك بالوعي السياسي والمفاهيم الصحيحة في جانب آخر”.

ويصل إبراهيم الوزير إلى نقطة رابعة، فيقول فيها:

“من الدواهي البارزة، سياسة الحكومة على إفساد الثقة في صفوف اليمنيين وبث سموم التفرقة بينهم، وتمزيق صفوفهم شر ممزق، فتجد كل يمني أمة لوحده في عدم إدراكه أنه يعيش في مجتمع، فحياته كلها فردية بعيدة كل البعد عن الجماعية والوحدة، ومنذ أن يتشرد اليمني وجراثيم هذا المرض السام في دمه. تجده في خارج بلاده وفي داخلها انطوائياً. وبهذا يأمن الطاغية جانب المشردين البالغ عددهم المليون، يأمن هذه القوة الكبرى لأنها مفرقة مشتتة فيضربها بسوطه وسيفه كيف شاء وينتهك حرمتها وكرامتها كما يريد؛ وقد رأينا في هذا الفصل ما صور لنا مدى استهتار هذا الطاغية المستبد بهؤلاء المشردين، ولو اتحد هؤلاء لكانوا قوة مرهوبة تستطيع أن تقول للطاغية بملء فيها: (لا!..)، قف فهلاكك في أي خطوة تخطوها، في أي إجراء قد يكون في ظلم علينا، وهنا سيعرف هذا المستبد أنه مكبل اليدين مكبل القدمين فلا يستطيع أن يتخذ إزاءهم أي إجراءات….”.

ويورد إبراهيم الوزير نقطة خامسة، ويؤكد فيها أن:

“هناك من المشردين اليمنيين من يسعدهم الحظ وتواتيهم الفرص فإذا بهم أثرياء، بل إن فيهم من يكون ثراؤه واسعاً كبيراً، ولكن هؤلاء في الغالب ينسون بلادهم، وإذا ذُكروا بها، ملكهم الخبث سوء التفكير فلا يذكرون أن بلادهم خير وأبقى.. إن الدنيا مهما رحبت ليست لهم بوطن، إن بلادهم بأمجادها التالدة، وكنوزها الخالدة، وتربتها الطيبة، وذكرياتها الباقية، وتاريخها العظيم، كل هذا كان يجب أن يحتل نطاق تفكيرهم ويملك عليهم مشاعرهم، إنها مستقبلهم ومستقبل أبنائهم من بعدهم، إنهم أحق الناس جميعاً بإنماء حركة الجهاد والتحرير بالمال والتشجيع على الأقل، لكنهم كما نظن، ونرجو أن يكون هذا الظن خاطئاً، على العكس إذا شاموا مخائل نصر، وحياة تدب في كيان بلادهم صرخوا نحن يمنيون، وإذا اختفت هذه المخائل هربوا من كل واجب وتبعة. وحركة التحرير في اليمن طبعاً بين مد وجزر، سنة الكفاح والنضال وهي لابد وأن تصل إلى الغاية،….”.

وتحت عناوين “مأساتنا في المهجر” و”من مآسي الأحرار” و”مأساة الأحرار الكبرى”، يسوق المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير بعض من الدروس والعبر على النحو الآتي:

“للأحرار مآسٍ تفيض بالعبر والدروس، وللشباب المشرد قصص دامية مريرة، وللفريق الثالث الذي تشرد ينشد لقمة العيش آلاف المآسي والنكبات، ولا مبالغة إذا قلنا إن كل يمني مشرد خارج بلاده أو داخلها عبارة عن مأساة متحركة….”.

“… لقد لاقى الأحرار، ولا سيما بعد فشل ثورة ربيع الثاني عام 1367 (فبراير 1948) الأهوال الفاجعة التي لحمتها الدم وسداها النهب والحديد، ولم يفلت من ساحة الموت إلا من يعد على الأصابع، فلقد أفناهم الطغيان على حين غفلة من الزمن، وهجعة من الحياة، فإذا بالفرص العمياء تتيح للحقد وروح الشر والفساد أن يستولي على زمام أمر هذه الأمة، فيصرف الأمور صغيرها وكبيرها كيف شاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فدارت رحاه الخبيثة وطحنت كل شيء تمكنت منه دون وعي أو تفكير إلا تفكير الأفاعي ووعي الوحوش”.

وفي سياق الدروس والعبر التي استنتجها المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير، يورد قصة ثلاثة من الزعماء هم: عبدالله بن علي الوزير، والفضيل الورتلاني (الجزائري)، ومحمد محمود الزبيري، الذين كانوا في مهمة خارج البلاد للقاء بوفد الجامعة العربية الذي كان وجهته صنعاء، إلا أنه توجه إلى الرياض والتقى به وفد ثورة العلماء..

“لقد تمثلت في قصة الزعماء الثلاثة الذين افلتوا من أنياب الموت بمحض المصادفة خيانة تلك الحكومات (يقصد الحكومات العربية) للشعب الواحد بأقفال أبواب البلاد العربية أمام أي يمني حر، حتى لا يأمل اليمنيون في العروبة والعرب، فيظل الكفاح غير موحد فلا يثمر ثمرته، فتشرد أولئك المناضلون تحت أسماء مستعارة في الهند وباكستان، وهناك لقي الزعيم الكبير حتفه غريباً شريداً لا يعرفه أحد ولا يدري عنه أحد شيئاًً (المقصود هنا عبدالله بن علي الوزير)، وكُتبت النجاة والحياة لرفيقيه حيث شاهدا أغلب تلك الحكومات من ملكية أو جمهورية تسقط الواحدة تلو الأخرى،….”.

ويواصل إبراهيم الوزير استنتاج الدروس والعبر قائلاً: “إن مأساة الأحرار اليمنيين اليوم هي أنهم لم يفيقوا بعد من هول الصدمة فينظموا صفوفهم ويوضحوا غايتهم وأهدافهم حتى تتبلور في كل قلب وتستعلن لكل عين، إنهم في أمس الحاجة لأن يشرحوا لإخوانهم المكافحين في البلاد العربية والإسلامية والإنسانية كلها كل ظروف وملابسات قضيتهم الكبرى، وليشركوهم في العمل من أجل تحرير ذلك الجزء الهام من بلادهم. فلم يعد اليوم هنا بفضل الوعي المتفتح في دنيا الإسلام والعروبة قضايا مجزأة مقطعة.. إنما هي القضية الواحدة، قضية العروبة الكبرى لذوي القربى في كل مكان يسكنه العرب والمسلمون على مستوى أمة الإسلام وأخوة الإيمان والعقيدة، عقيدة التحرر التي عنوانها العظيم لا إله إلا الله محمد رسول الله…..”.

ويمضي الوزير في استنتاج الدروس والعبر قائلاً:

“إن العقبات الكأداء التي تعترض هؤلاء والأشواك المثوثة في الطريق الموصلة إلى غاياتهم النبيلة لتعوق سير هذا الشباب عن غايته تلك، بلقمة العيش تارة، وبلوازم الدراسة من مكان يأوي إليه وكتب يدرس فيها وبإقامته ومشكلة بقاءه تاريخ أخرى.

إن في مصر اليوم، وحتى كتابة هذه السطور، أكثر من مائة يمني، وصلوا إليها في هذه الفترة بين طفل وشاب لا تعترف بهم حكومتهم ولا تمد إليهم يد معونة، بل تركتهم فريسة للبؤس والجوع والحرمان والمرض….”.

“.. إن صوتاً واحداً ينبعث في خفوت يطالب هذه الحكومات أن تنقذ هذا الشباب وهذه الطفولة، وتسهل لهم أسباب العلم، ذلك الصوت هو صوت هؤلاء أنفسهم.. ولقد أجاب أحد – السيوف – الحاكمين على بعض شكاوى هؤلاء الطلبة اليمنيين “إنهم أبناء اليمن غير الشرعيين”،  ذلك لأنهم خرجوا على سياسة الحكومة– الإسلامية – التي عممت الجهل في بلادهم، حتى شمل بفضلها الغني والفقير والصغير والكبير، وما بعد هذه من نعمة. وقد طبقت المساواة هذه على شعبها أدق تطبيق، فما بال هذا الشباب يخرج على هذه السياسة العادلة ليتعلم، فيشذ عن سياسة الحكومة التي حمت الجهل، وإذاً فمن العدل أن يحرم هذا الشباب من شرعية يمنيته لعدم إيمانه بالمساواة – في الجهل – هذا هو القانون الوحيد الذي طبقته حكومة – المتوكل والناصر – أعدل تطبيق!!”.

وعن تخاذل الجامعة العربية للشباب اليمنيين يقول إبراهيم بن علي الوزير:

“… فالمشكلة ليست مشكلة هذا الشباب فحسب، بل مشكلة إيجاد العلم في اليمن الذي خلت منه حتى المدارس الابتدائية والإعدادية، وإلى إدارة الثقافة فيما يسمى – بالجامعة العربية-:

ماذا تعرف عن الثقافة في اليمن؟

وأي مذكرة أو رجاء قد قُدم إلى حكومة اليمن من أجل هذا الشباب؟ وذلك أقل واجب توجبه الأمانة الثقافية الكائنة بأمانة الجامعة العربية”.

……..

“إن منطق الواقع كان يحتم على أقل تقدير أن توصي اللجنة الثقافية الدائمة بجامعة الدول العربية بصفة استثنائية حكومة اليمن المتوكلية بفتح المدارس الابتدائية، ونشر التعليم وإنقاذ عشرات الشباب الموجودين في مصر وتعليمه من أمواله التي جُمعت من عرقه ودمه. فإن له حقاً في المال الذي يطير بأجنحته حاملاً بكل سيف من السيوف الحاكمة إلى باريس ونيويورك وروما فيعيدون إلى الأذهان أيام المترفين ويقومون بأدوار الرشيد وألف ليلة وليلة”.

ومن استنتاج المؤلف للدروس والعبر من مآسي المشردين في سبيل لقمة العيش، يقول:

“… لقد ذكرنا، في الفصل الخاص بهذا الجمهور من الناس، بعض ما يلاقونه في محنتهم، وأومأنا إلى وسائل الخلاص، ولكننا نحب أن نختم ذلك الفصل، وان نعقب على ما ذكرناه فيه بقصة حية تمثل اليوم تحت سمع العالم العربي وبصره، وتحت سمع عالمنا الإسلامي الذي لم يعد له من الإسلام إلا الاسم، والإنسانية كلها، والإنسانية هي نفسها تغني عن أي شرح أو دليل على هذه المآسي الجسيمة التي تصنها عصابة الحاكمين، وتحاول بوسائلها الحمقى أن تسترها عن أنظار العرب والمسلمين، وبدلاً من أن تصل إلى غايتها تلك، تثير في النفوس السخرية والاحتقار.

تلك القصة تعرفها حكومة اليمن جيداً، حيث وقعت حوادثها المثيرة على أرض يمنية، ولكنها لا تملك أن تتستر على جريتها هذه في حق هذا الشعب، ولا تستطيع أن تهيل على حوادثها تراب النسيان كما تهيل على العديد من جرائمها في المقبرة المتوكلية الكبرى – الجزء الواقع تحت نفوذها من اليمن – ذلك لأنها خارجة عن نفوذها، فهي تمثل في “عدن” التي اقتطعها الاستعمار، ونحن حين نذكر الاستعمار في جنوب بلادنا – عدن وما يُسمى بالمحميات – والعمر المديد الذي تمتع به، نذكر جريمة الحكم المتوكلي الذي مهد بكل طاقته وإمكانياته للاستعمار أن يبقى دون خوف أو تثريب، وجعل من الجزء المستقل شبه مستعمر للانجليز، ولم يكتف بهذا بل حكم على هذه الأمة بالموت والفناء، وأخذ في تنفيذ هذا الحكم الرهيب”.

….. هي مأساة الآلاف من السناء والأطفال والأيتام المهاجرين من المملكة المتوكلية لا يجد أكثرهم مأوى في هذا العالم يأوي إليه إلا شوارع عدن؛ وإنها لتضيق بهؤلاء المشردين والمشردات، فينامون في طرقاتها ويستيقظون، وفيها مغداهم ومراحهم، وإني لأذكر والأسى يفري مني الكبد، أنني بينما كنت مع أحد أصدقائي عائدين من أحد الاجتماعات في الاتحاد اليمني بعدن في ساعة متأخرة من الليل، لم نستطع أن نجتاز أحد الشوارع فقد ملأه النائمون وضاقت بهم الأرصفة وأبواب المحلات فصحت به مندهشاً: من هؤلاء؟ فأجابني محشرجاً وفي صوته أنين وألم: هؤلاء إخوانك! هؤلاء هم المشردون اليمنيون، فما أمره من واقع أليم!…..

ويخاطب المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير اليمنيين في المهجر بالقول:

“واجبكم:

واجب اليمني الحر في ميدان الكفاح.

وواجب اليمني في دنيا التشرد.

وواجب المهاجر ينشد العلم والمعرفة.

واجب هؤلاء أن يعرفوا جميعاً أنهم في معركة حياة أو موت، فعلى فريق الأحرار العاملين أن يتجردوا من كل غرض سوى غايتهم المقدسة فليكن شعارهم دائماً:

الإخلاص في العمل وإنكار الذات، وإننا لنشير هنا على بعض الخطوط العامة كمثل نقدمه في هذه الصفحات التي حرصنا أن تكون دراسة لقضيتنا الكبرى في جزء هام منها وهو مشكلة الهجرة، لا قصة تصور مأساتنا وكفى، وكل أملنا أن نخرج من هذه الدراسة بتفكير عملي يخدم قضيتنا الكبرى، ويلفت نظرنا إلى أنه ليس المهم أن نقرأ هنا قصة وإنما المهم أن نجد هنا عبرة تضيء لنا الطريق إلى الخلاص ويوم الخلاص.

أولاً: دراسة القضية اليمنية دراسة وافية لنتمكن من إرساء قواعد أهدافنا واتجاهاتنا على أسس ثابتة عميقة.

ثانياً: وضع منهج عملي محدد شامل يسير عليه العاملون حتى يتم تحقيقه مع معرفة تنفيذ مدى خطواته فيكل فترة من الزمن المقدر له.

ثالثاً: العمل على توحيد القوى الوطنية في جبهة ديمقراطية متحدة والبحث دائماً عن نقاط الالتقاء المجمع عليها.

…..

أما جماهير اليمنيين في المهجر فعليهم:

1 – واجب الولاء لوطنهم ومساندة الحركة التحررية التي تخوضها طلائع الشعب الحر المناضلة.

2 – رفع مستواهم بنشر التعليم والثقافة في صفوفهم عن طريق المدرسة والنادي والكتاب.

3 – توحيد صفوفهم في منظمات اجتماعية ورياضية وثقافية.

وعلى الشباب المغترب في سبيل التعليم:

1 – واجب تفهم قضية الشعب المقدسة ورفع لوائها والمساهمة الدائمة في التوعية العامة والبحوث والدراسات في كل ما من شأنه إضاءة الدروب نحو مستقبل الإنسان في بلادهم.

2 – تكوين المنظمات الطلابية لخدمة مصالحهم وتذليل العقبات التي تعترضهم والمحافظة على وحدتهم والسير بهم نحو العمل الجماعي المثمر.

3 – تكوين اتحاد طلابي عام يكون جبهة علمية تخدم نفس الأهداف المقدسة لهم كشباب وكمتعلمين تتطلع إليهم جماهير الشعب التواقة إلى حياة أكرم وأفضل”.

واختتم المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير –رحمة الله عليه- الفصل الرابع والأخير بالتعريف بالأعداء الثلاثة، قائلاً:

“والآن وبعد رحلتنا الحافلة مع أبناء الشعب الغريب تحت كل أفق وكوكب، وبعد أن حاولت هذه السطور بإخلاص إشعال بعض الإشارات في الطريق الطويل – طريق التحرر والخلاص، والبناء والتقدم، أود أن أُجيب على سؤالٍ خطير وهو: من هم أعداء الشعب الذين يعيقون تطوره ويحرسون أسباب تعاسته وشقائه من خوف وجهل وفقر، ومرض، ودماء لا تجف. إنني استطيع أن أشير إلى الأفاعي السامة القاتلة بأنها الثالوث البغيض:

1 – الاستبداد وركيزته رجعية مستغلة.

2 –الاستعمار وركيزته عملاء خائنون.

3 – والانتهازية عميلة كل أعداء الشعب وركيزتها وصولية فاجرة ومتاجرة بكل مآسي الشعب مع تفنن في الكذب والخداع لا ينتهي. (يمثلها اليوم مثقفون وتجار ومرتزقة باعوا ضمائرهم وكرامتهم في سبيل مال أو مركز أو جاه).

اقرأ أيضا:البحر الأحمر يدق الشاطئ بعنف ..كتاب للأستاذ المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير

اقرأ أيضا:رسالة من على سرير الموت

اقرأ أيضا:ندوة “القضية الفلسطينية في فكر وأدبيات اتحاد القوى الشعبية” صوت الشورى ينشر أوراق العمل كاملة

اقرأ أيضا:اتحاد القوى الشعبية اليمنية ينظم ندوة بصنعاء حول القضية الفلسطينية في فكر وأدبيات الاتحاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى