الكلكتابات فكرية

من ساعات أحمد النهمي الأخيرة

بقلم الأديب والشاعر والفيلسوف أ. عبدالوهاب الحراسي 

عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين



كنا أربعة حين وصلنا متأخرين جداً لتقديم واجب العزاء لأحمد النهمي وإخوته ، في والدهم رحمه الله . عزينا الإخوة ،وسألنا عن أحمد.. قالوا إنه مريض ، لا يقوى على النهوض. فأستأذنا.. وواجه اخوه أمين إصرارنا على الرحيل بأصالة عرفه ومعروفه



وفي طريق العودة اتصل بنا أحمد راجياً رجوعنا ، ومن صوته أدرك الحبيب نجيب الورافي شدة مرضه فعدنا

دخلنا البيت

وبعد دقائق لم نصدق ما يفعله هذا الرجل بنفسه من أجلنا ! لقد حشد كل ما يمتلك في حياته من فتات القوة ليمشي إلينا ، وكان يتنفس بصعوبة بالغة ،وبالكاد يسترد أنفاسه.



قال لنجيب : أنا تعمدت حضوركم (!!!) . 

وبعد أن أتمم ضيافتنا قبّلته ، وقرأت فاتحة الشفاء ولروح والده ،وغادرنا لا ندري هل يحفنا الصَّغار أم يتلفعنا الذهول بعظمة أحمد النهمي



شخصياً شعرت بالصغار والذهول ؛ ومازلت ذاهلاً حتى لحظة تفسيري هذا:



لنا لغة أمام الموت

معلقة بين القيامة والولادة

والموت اسمٌ ونحن الفاعلون ! هو ليس شيئاً أو كائناً فتلمسه اللغة

 أستعصى عليها.. ومن يأسها منه ولد المجاز

هكذا كان المجاز نصف اللغة وكل الموت !



المجاز بكل أشكاله وأدواته وهو تعبير اللغة عن كفرها وإنكارها ورفضها للموت (لكل كائن وفاعل وكينونة وصيرورة وفعل لا مرئي ولا مدرك بالحواس ولو سبقه في الوجود المعنى ومفهوم المعنى



وهو ، في الوقت نفسه ، من جهة ثانية اعتراف ثقيل عصي ومرهق للغة بالموت وبكل أشكاله وصوره وأبعاده وامتداداته. أليس المجاز_عادةً_ أعمق وأقوى من الحقيقة ؟



لقد هُزمت اللغة المؤسَسَة على الحقيقة. في جغرافيتنا العربية

أمام الموت المؤسس على المجاز.



ذلك ما كابده أحمد النهمي ، وتحلل منه بالإيمان ، قبل أن يفارق الحياة.



سحابة فاطمة



قلنا _ وقد شبّت عن الموت الصداقة _ لن تعود.



لكننا عدنا



لكي يغفر لنا



ليقول آخر ما لديه:



أحبكم.



عدنا لكي نبقى شهودَ

 

#

سحابةٍ سَألتْ:



فِيمَ تحدقُ فاطمة ،



حتى أستحالت ، أو تكاد ، لغيمة ؟!



وكي نرى خصمين في رئتيه :



كانا الموت واللغة الفَهود.



سنراك منتصرا” _نعم.



لكنني 

في غفوة منى صحوت

على الركام

على حطام الماء

حطام معركة الحقيقة والمجاز 

رأيت أنقاض اللغات

كانت..وكان الموت ، حين رأيته ، متواضعاً 

 

فوق الرفات.

 

في غفوة مني صحوت على ارتطام 


سحابة سألت..


وحطمها الجواب :


إني أحدق في فراغ أبي المقرفص في الفراغ.*

 

24/ 6/ 2020م


* من كتاب ” أحمد النهمي.

 

موقع فقيد اليمن د. أحمد النهمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى