كتابات فكرية

جوهر المشكلة اليمنية

جوهر المشكلة اليمنية

د. محمد طاهر أنعم

من الأسباب الرئيسية لوقوف قبائل ومناطق كثيرة مع القوى الخارجية ضد قوى محلية وطنية هو الإقصاء والتهميش والاستئثار بالسلطة والثروة.

حدث هذا في بلادنا اليمن على مر التاريخ، وحدث في غيرها، وهي حركة اجتماعية طبيعية.

والحل الوحيد لهذا الأمر هو التقسيم العادل للسلطة والثروة، وهذا لا يمكن أن تقوم به العقلية الجماعية الاستحواذية القبلية والمناطقية، وإنما تقوم به القيادة الاستثنائية الراشدة.

لما جاء المماليك من مصر لليمن وقف معهم بعض الأئمة من آل شرف الدين والقبائل الحليفة معهم ضد السلاطين الطاهريين أصحاب رداع والبيضاء، لأنهم أحسوا بالإقصاء منهم والاستئثار.

ولما دخل الأيوبيون لليمن وقفت معهم قبائل تهامة الشافعية ضد بني مهدي الإباضية حكام زبيد وتعز لأنهم اضطهدوهم مذهبيا.

ولما قام علي بن محمد الصليحي الإسماعيلي المذهب بثورته وأعلن دولته في صنعاء، قامت معه قبائل إب وتعز الشافعية ضد بني نجاح الشوافع لأنهم كانوا عنصريين (أصولهم حبشية ويتعاملون مع القبائل اليمنية بفوقية) فلما انتصروا ضد النجاحيين أصدروا حكمهم بطردهم من اليمن ومن بقي يتم تسميتهم بالأخدام ويسكنون في العشش ولا يحق لهم السكن في بيوت الحجر او الطين الخ تلك القرارات في القرن الهجري السادس، وكلها كانت انتقامية بعد اكثر من قرن من حكم بني نجاح الذي بدأ سنة 410 للهجرة.

ولما جاء العثمانيون (في الدخول الثاني) وقفت معهم قبائل المناطق الوسطى ضد القاسميين، بسبب بعض التعامل الجائر في الأراضي وأخذ العشور منها من بعض الأئمة السابقين ضدهم.

وأعجب من كل هذا أنه في حرب الإمام يحيى مع البريطانيين كانت القبائل الحدودية التي تحت سلطة البريطانيين متعاطفة مع دولة الإمام يحيى ضد السلطة البريطانية بسبب إقصائهم وتهميشهم، بينما كانت القبائل الحدودية في اليمن الشمالي ضد دولة الإمام يحيى لنفس السبب حسب وجهة نظرهم، وكان البريطانيون يستغلون هذا الشيء في منشوراتهم وضرباتهم الجوية.

ولا شك أنه كان هناك تهميش وإقصاء واستئثار بالسلطة والثروة في أيام النظام السابق أيام الرئيس علي صالح، استفادت منه مناطق المركز وتضررت الأطراف (تعز وما حولها، وصعدة وما حولها، وتهامة، والجنوب، ومارب والبيضاء) وكان هذا هو السبب الرئيسي لثورة 2011.

ولكن السعوديين والقيادات الحزبية ومراكز النفوذ التابعة لهم استخدموا هذا الشعور الجماعي بالغضب من الاستحواذ والتهميش ضد ثورة 2014 رغم دعوتها للسلم والشراكة، وتم استخدام مصطلحات خبيثة مدروسة مثل مصطلح الهضبة والمركز المقدس، لتبغيض الناس في تعز ومارب والجنوب في ثورة 2014 وجعلهم يناضلون لصالح عودة علي محسن واولاد الاحمر وسنحان ونفس مراكز نفوذ الاقصاء والاستحواذ السابق، والقتال تحت راية التدخل الخارجي والعدوان بحجة الهروب من الإقصاء والتهميش.

إن تقديم التنازلات الصادقة، وفتح باب المشاركة الحقيقية (غير الشكلية ولا المخادعة مثل التي كانت الأنظمة السابقة تستخدمها) وتقديم النموذج الوطني الاستيعابي الجاذب هو الطريق الوحيد لاستقرار اليمن.

وبدون هذا الطريق فلن يعدم الانتهازيون قوى خارجية طامعة تدعم القبائل والنخب والمناطق اليمنية التي تحس بالإقصاء والتهميش لقتال دام جديد ودورة أخرى لعقود، مثلما كان الحال في بعض القرون السابقة.

وإنني آمل كثيرا في القيادة الثورية أن تدفع لهذا الطريق بخطوات مدروسة واستغلال هذه الفرصة التاريخية في تأسيس الشراكة الحقيقية لكل مناطق اليمن بعد عقود من الشراكة المزيفة والكاذبة في أيام الملكية والجمهورية للأسف الشديد، والتي كانت خميرة حروب وثورات وانقلابات كثيرة طوال عقود.

أقرأ أيضا:صنعاء..تشبيك مع القبائل ويد ممدودة للحوار

 *د.محمد طاهر انعم

مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى