كتابات فكرية

 واحدية الثورة اليمنية ٢٦ سبتمبر و١٤ أكتوبر ودورهما في استقلال جنوب الوطن

 *أحمد غالب الرهوي

عضو المجلس السياسي الأعلى

يقول البردوني : من بداية الخمسينات إلى مطلع الستينات – تلاحقت الانتفاضات ضد الانجليز في عدة أشكال بعضها مسلح وبعضها غير مسلح وكانت الإضرابات والاحتجاجات والمظاهرات تجتاح عدن من وقت لآخر، كما كانت الأعمال المسلحة تشب وتخبو. 

حاول الاستعمار جعل المحميات المتعددة سلطة واحدة عاصمتها عدن وحكامها من سلاطين المحميات تحت مبدأ الاتحاد فأصبح السلاطين وزراء في حكومة اتحادية وسلاطين مناطق، ولهذا خلت أرياف الجنوب من منتفعين بسلطة الاستعمار ومن قابلية تشكيلاته في عدن حيث تركزت القوى المقاومة للثورة فتفجرت الثورة من جبل ردفان في شهر أكتوبر 63م.

سبتمبر وأكتوبر ثورتان في ثورة فسبتمبر هي أكتوبر وأكتوبر هي سبتمبر والوطن واحد والشعب واحد

ومن هنا كما يقول البردوني في كتابه “الثقافة الثورية في اليمن”: تكونت السمات الأولى على وجه الثورة الاكتوبرية بأنها ريفية التحرك والأنفاس فأشبهت ثورة ردفان ثورة الصين في الأربعينيات وثورة كوبا في آخر الخمسينيات”.

ويقول السيد ناصر علوي السقاف في حديث مع صحيفة الراية في 14 أكتوبر 93م (من أبرز مناضلي الثورة وفرسانها الأوائل) : 

بعد نجاح الثورة المسلحة فرضت الأمور فرضاً على كل القوى السياسية وأصبحت واقعاً يجب التعامل معه حتى الأصنج (زعيم حزب الشعب الاشتراكي بعد عودته من مؤتمر لندن الدستوري) في عام 1964م ، أعلن قبوله بمبدأ الثورة المسلحة لطرد الاستعمار .

وكان الاستعمار البريطاني يتعامل مع قضية الثورة بأنها قامت صدفة باعتبارها انتفاضة قبلية وأن مصيرها سيكون كغيرها من الانتفاضات القبلية التي سبقتها … لكن عندما لاحظوا أن السلاح الذي تستخدمه قبائل ردفان غير السلاح المعتاد مع القبائل بدأ البريطانيون يشعرون بخطورة الموقف ، ويضيف: في سبتمبر 63م قبائل ردفان كانت ضمن القبائل التي تطوعت من جنوب الوطن في الدفاع عن الثورة في الشمال ، في مقدمهم الشيخ راجح بن غالب لبوزة الذي كان يقود قبائل ردفان حينها ، في ذلك الوقت أصدرت حكومة الاتحاد قانوناً بأن يُعاقب كل شخص أو جماعة تطوع أو تجند مع (ثورة اليمن) بالسجن خمس سنوات وغرامة مالية 5000 شلن ، أو العقوبتين معاً .. في خضم هذه التطورات وصل وفد من القاهرة برئاسة عبد الحكيم عامر وقحطان الشعبي كان حينها متواجداً في القاهرة ، ويتابع السيد السقاف: حينها كنت سكرتير تجمع القبائل في المجلس المركزي للجبهة القومية ، ذهبت على رأس مجموعة لمقابلة عامر ومعنا نسخة من القانون التي أصدرته حكومة الاتحاد ، وطرحنا رؤيتنا بأن هذا القانون يهدف إلى تعميق واقع الانفصال ، ونحن نرفضه ولا نعترف به ، لأننا نرى أن اليمن واحد شماله وجنوبه ، وأننا سنقاومه ، فقال لنا عبد الحكيم عامر: قاوموه ونحن إلى جانبكم ، وبالصدفة عاد راجح بن غالب لبوزة من جبهات الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر ومعه 700 مقاتل ، وكان قد سمع بقانون حكومة الاتحاد ، وبعد التشاور مع القيادة والحكومة من شماليين وجنوبيين أعلن أنه سيعود ويقاوم إذا تطلب الأمر ذلك ، وأخذنا وعد لبوزة بعين الاعتبار .

عاد الرجال إلى ردفان وطالبهم ( المحتل) بتسليم السلاح فرفضوا فنشب القتال يوم 13 أكتوبر 1963م ، ومساء نفس اليوم أعلنت إذاعة عدن بيان عن قيادة جيش الاتحاد  ذكر فيه مقتل الشيخ الشهيد/ راجح بن غالب لبوزه ، يضيف السقاف: قابلنا عامر مرة أخرى أنا وقحطان الشعبي ، وبعد المقابلة أمر بمد قبائل ردفان السلاح والذخيرة . 

وكان يوجد في صنعاء مكتباً لشؤون الجنوب بصنعاء برئاسة الرئيس قحطان الشعبي فتح مجالاً واسعا للاتصال بأبناء الجنوب، وتطور بعد ذلك ليصبح وزارة لشؤون الجنوب بعد تقديم التماس للرئيس السلال الذي وافق عليه ،  مثل المتطوعين في جبهات القتال أو من المتوافدين إلى تعز وصنعاء كهاربين من النظام البريطاني  أو من أولئك الذين تواجدوا في ساحات القتال قبل الثورة في شمال الوطن والملتحقين مسبقاً بحركة القوميين العرب؛ إلى جانب ما شكله مكتب شؤون الجنوب في صنعاء كمركز تجمع واتصال ولقاءات ونقاشات بين الفئات الوطنية حول أهمية توحيد القوى الوطنية وتحرير جنوب اليمن المحتل ولعل ابرز حدث حينها هو عقد ما يشبه المؤتمر العام في صنعاء في دار السعادة تحديداً والذي ضم مئات من أبناء جنوب اليمن كقادة للحركة الوطنية ومن مختلف الشرائح الاجتماعية بما في ذلك ممثلو حزب الشعب الاشتراكي الذي كان قد فتح له مكتبين في صنعاء وتعز فقد وصل إلى مكانة مؤثرة نظرا لتميز واتساع قاعدته الشعبية بحكم سيطرته على المؤتمر العمّالي ؛ حيث خرج عن ذلك الاجتماع لجنة تحضيرية برئاسة قحطان الشعبي وعضوية عدد من مناضلي الحركة الوطنية أمثال ناصر السقاف والمجلعي وعيدروس القاضي والكاظمي والصلاحي ، والشيخ مقبل باعزب الكازمي (من العوالق) ، والشيخ أحمد سالم الحميري ، والشيخ عبد الله المصعبي وغيرهم .. مهمتها إعداد ميثاق وطني لتشكيل جبهة موحدة لتحرير الجنوب اليمني المحتل اقر ذلك الميثاق في مارس 63 وأذيع من إذاعة صنعاء مُدينا الاتحاد العربي المزيف ومحذراً من مخططات الاستعمار الذي يسير نحو استقلال شكلي وقيام دولة ما يدعونه (بالجنوب العربي) كدولة انفصالية متآمرة على وحدة اليمن واستقلاله مؤكداً في نصوصه على ضرورة تحرير الجنوب اليمني المحتل وشن حرب تحرير واسعة ضد الإنجليز وأذنابهم حتى النصر والاستقلال ،والعمل على تحقيق الوحدة اليمنية بعد تحرير الجنوب اليمني ؛ إن كفاح أحرار اليمن ضد المستعمر البريطاني ظل مهمة يومية دون انقطاع، فمنذ عام 1839م وحتى الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م كانت عدن ولحج والضالع وبيحان وحضرموت والعوالق ودثينة وغيرها تتأجج ناراً تصلي المستعمرين، في البداية كانت قبائل الفضلي والعبدلي والعوالق وردفان والضالع والعواذل وبيحان، وتطورت المقاومة لتأخذ أشكالا تنظيمية حديثة 

وارتبط وجود المُحتل البريطاني العدواني، على أرضنا بالمصالح السياسية والعسكرية بالدرجة الأولى، حيث تحولت عدن إلى قاعدة عسكرية لحماية المصالح البريطانية الاقتصادية والسياسية والعسكرية في بلدان الجزيرة والخليج العربي، وفي الشرق الأدنى والأوسط، وكذلك محطة ترانزيت لتزويد الأساطيل التجارية بالوقود، وكقاعدة عسكرية تؤمن حماية الطُّرقات والممرات البحرية إلى مناطق الهند وشرق أفريقيا، كما أن عَدَن قد مثلت بعد الحرب العالمية الثانية نقطة ارتكاز ورأس جسر عسكري لحلف الأطلسي لقيام بأعمال عدوانية ضد حركات التحرر الوطني العربية والأفريقية”.

وهَذهِ الأطماعُ العسكرية السياسية الاقتصادية ما زالت موجودة لدى قوى الاستعمار، التي حالياً تحتل مناطق من الجنوب وتُخضعهُ لسيطرتها وهذه المطامع دافع تدخلها العدواني في اليمن لا شيء آخر، وإن كان في هذا الزمن قد ضَعُفَ الدور البريطاني، لصالح أمريكا، فيما دول الخليج أذيالٌ لهاتين الدولتين الاستعماريتين لا أكثر.

سبتمبر وأكتوبر ثورتان في ثورة فسبتمبر هي أكتوبر وأكتوبرهي سبتمبر وأن الوطن واحد والشعب واحد, وهذه الجدلية حقيقة وطنية لا يمكن إنكارها أو دحضها, وأن الشعب اليمني بكل فئاته في شمال الوطن وجنوبه هو الحاضن والداعم لثوار الجنوب المقاومين للإستعمار واختلطت دماء اليمنيين من الجنوبيين والشماليين دفاعا عن ثورة سبتمبر في كل الجبهات, من نقيل يسلح والمحابشة والحيمة وقعطبة ومكيراس … الخ إلى ملحمة فك الحصار عن صنعاء ، وحين انطلقت ثورة 14 أكتوبر 1963م من جبال ردفان خاض غمارها الثوار اليمنيين الجنوبيين والشماليين فكانت تعز والبيضاء وقعطبة قواعد التدريب والانطلاق, وامتزجت الدماء اليمنية في ربوع الجنوب دفاعا عن ثورة 14 أكتوبر.

تميزت ثورة أكتوبر بأنها ثورة وحدوية بالتأسيس والتكوين والقيادة والحركة والمحتوى, على مستوى وحدة جنوب الوطن, ووحدة شمال الوطن بجنوبه, فمن حيث التأسيس والتكوين كانت الحركة الوطنية في عدن بكل أطيافها ومسمياتها تضم طيفا واسعاً من المؤسسين من كل اليمن شماله وجنوبه ، وبالتالي كانت ثورته 14 أكتوبر هي الترجمة اليمنية الحية لوحدة الشعب اليمني الواحد والمصير الواحد, حيث استلمت هذه الثورة الرائدة جنوب الوطن وهو ممزق بين هويات متعددة تصل لحوالي 23 هوية لكل منها علمها الخاص وجوازها الخاص وجيشها الخاص وحدودها الخاصة يجمعها مسمى هلامي ” اتحاد الجنوب العربي” يرأسه المندوب السامي البريطاني هدفه إسقاط الجانب القانوني والأخلاقي عن بريطانيا نحو مستعمرة عدن, وتم جمع 18 سلطنة وأمارة ومشيخة فيه من ما كان يعرف بالمحمية الغربية لمستعمرة عدن هي (مستعمرة عدن, سلطنة العبدلي, سلطنة العوذلي, سلطنة الفضلي, سلطنة الحواشب, سلطنة يافع السفلى, سلطنة يافع العليا, سلطنة العوالق العليا, سلطنة العوالق السفلى, سلطنة الصبيحي, إمارة بيحان, إمارة الضالع, مشيخة العوالق العليا,, مشيخة القطيبي, مشيخة العقربي, مشيخة دثينة, مشيخة العلوي, مشيخة المفلحي, مشيخة الشعيب) ولم يكن ضمن هذا الكيان البريطاني ما كان يعرف بالمحمية الشرقية والي يحتوي على ما يعرف اليوم حضرموت والمهرة ( السلطنة القعيطية, السلطنة الكثيرية ومعهما ولاية الواحدي) لذلك استلمت ثورة أكتوبر وطنا ممزقا مكون من حوال 23 سلطنة وإمارة ومشيخية فتم توحيد هذه الكيانات تحت مسمى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية يوم الإستقلال المجيد في 30 نوفمبر 1967م ودمجت الجنوب كله في 6 محافظات. فكانت بحق ثورة الوحدة والتوحيد في السبعينيات من هذا القرن, وشارك في هذا النضال كل أبناء الوطن وهدفهم الأسمى التحرر والوحدة, وكانت الوحدة جزء من تكوينهم وعقيدتهم, فكانت الفرق القتالية للفدائيين تتسمى بالوحدة .

واليوم العدوان السعودي الإماراتي على بلادنا يقوم بنفس الدور الذي يخدم مشروعاً استعمارياً جديداً .

وبعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر عانى جنوب وشمال الوطن الأمرين حيث كان الشمال ينزف جراحاً ماضية تحاصره وجنوب وطن يعاني التشظي والانقسام والصراع السياسي الذي كاد يفتك به فكانت الوحدة الملاذ الوحيد لكليهما بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وحالة الضعف الذي وصل منتهاه في كيانهم السياسي والمجتمعي فكانوا اشد اندفاعا نحوها لانهم وجدوا فيها طوق النجاة لمعاناتهم، ومع كل هذا للأسف ، نرى اليوم بعض العملاء والمرتزقة من ذوي المشاريع الضيقة يسعى إلى تمزيق الوطن والعودة به إلى مربع التشطير ، خدمة لأعداء اليمن وتنفيذا لأجندات خارجية إقليمية وعالمية تسعى لإقامة مشروع استعماري جديد للاستيلاء على خيرات اليمن ومواردها.

يتضح هذا من خلال تركيز عدوان التحالف على فصل الجنوب عن الشمال و تقسيم اليمن ما بين السعودية التي تركز على الثروة النفطية في مارب والجوف ، والإمارات التي تركز على ميناء عدن وباب المندب والجزر ، ومن أجل ذلك سفكوا دماء اليمنيين الأحرار مستخدمين كل أنواع الأسلحة وجالبين مختلف الجيوش العربية والأجنبية، ومما يحز في النفس أن تجد من يصفق لهذا المشروع ويتواطأ معهم ويبيع هذه الأرض مقابل حفنة من الدولارات والريالات متناسين أن يوم 14 أكتوبر خلده التاريخ وسيبقى خالدا الى الأبد في نفوس اليمنيين الأحرار ، وفي الضفة الأخرى صمود الشعب وثبات قواه المقاومة على رأسهم حركة أنصار الله وحلفائهم والمؤتمر الشعبي العام وشركائهم ، وكل الشرفاء في الوطن وخارجه .

أننا نأمل اليوم بأن نقوم كنخب سياسية بمعالجات سياسية وطنية بإستراتيجية جدية لها من خلال برامج ثقافية حقيقية مبدعة وخلاقة وان نقلل من الخطاب والمناظرات السياسية وان تتقدم ببرامج ومشاريع عملية  من اجل إعادة بناء الهوية اليمنية والثقة بتاريخ وحضارة اليمن وبمشاركة اجتماعية يتعزز من خلالها قيم الحب والولاء والانتماء للوطن وإعادة بناء اليمن  ، بما ينسجم ويلبي أهداف الثورتين القائم على الإيمان بالله وبالهوية الإيمانية والحرية، والاستقلال، والعدالة، والكرامة الإنسانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى