كتابات فكرية

ترقية في حفر التجاعيد

ترقية في حفر التجاعيد

د/ عائشة عبدالله المزيجي.

وأنا أقرأ صف معلومات في صفحات وزارة الخدمة المدنية، قطاع تكنولوجيا المعلومات، تشبثت وتعلقت نظراتي ببعض تواريخ التقاعد،قهقهات لا إرادية،امتزجت بتقطعات زفراتي المتطايرة في أفقي المحصور بجدران المكان، أدركت أن يعلى مقربة من تلك القائمة،من سن التقاعد المؤبد، سنون بعدد أصابع اليد، ستمر كشدة الريح.

ما زلت أستظل بفضاء سنتين من قرار أستاذ مساعد،أنتظر مضي ثلاث سنوات بحسب القانون، حتى تشهد بقايا عمري- المتكئة على عكاز التسويف-  ترقية أستاذ مشارك.

أي عقم- يستحيل علاجه- أنجب مثل هذه القوانين، التي تزهق بها الأرواح في سلالم الترقية السفلى، بضياع روح صاحبها، الباحث في شتى العلوم، والباحث – أيضا – عن طريقة يستدعي بها ملك الموت؛ كي يفصل بالحكم في هذا الاحتراق النفسي المزمن، الذي يعايشه الأكاديمي الباحث.

أفقت وليت أني لا أفيق- كما تردد كوكب الشرق أم كلثوم- بعد عملية حسابية جمع وطرح، فوجدت حاجتي في فضاء عمري القصير جدا جداجدا إلى ثمان سنوات تمكنني من لمس الفضاء المكاني لأستاذ دكتور. سنتان أو ثلاث ويتم إضافتي ركاما إلى قائمة المتقاعدين قسرا،وربما قائمة الأموات.

رفعت الأقلام وجفت الصحف، قرارات ثابتة كالجبال تتناقلها أوراق الجامعات، واقع حي مقطوع أمل موته، أو مواراته تحت التراب حيا؛ لتهنأ روح الأكاديمي وحواسه بنسمات تفعيل بحثه في أزهى فترة عمره عاقلا، وراشدا ومنتجا.

 ترى هل نفشي هذا السر للقادمين وراءنا،لكل شاب طموح وعاشق للسير في فضاء أنوار العلم. هل نقدم لهم نصيحة الأب الحكيم والأم الحنون، ونقول: لا تقترب من هذه الأمنية القاسية، أم نتركهم يخوضون بحارا من شاطئها تنطلق أمنياتهم، وفي نهايتها في الجهة المقابلة البعيدة حيث حر اليابسة تصدمنا أصوات العويل على ما مر السنين. أحرف وجمل وعبارات ضبابية كتبت في واقع علم، وعشاق بحث وتعلم، وأنى تجتمع الضبابية وأنوار العلم! هذا لسان حال زمان ومكان يتطلع ويتغنى بمستقبل وطن،ينافس القمم والأمم،أني له ذلك..أنى له ذلك! !. ومسير انتظار الترقية يلحظ يوما بعد يوم تجاعيد على وجه أستاذ، قد غادره كثير سمعه، وممكنات بصره،تجمدت فيه ملامح التعبير والانفعال؛ سوى من تكثيف صمت مصحوب بتأمل إلى حيث لا يدري! ربما إلى حائط أمامه تنفخ الريح من شقوقه، أو إلى تحرك شفاة مخاطب له، لا يسمع من حديثه إلا حروفا متقطعة، تتطاير في الفضاء كتطاير عمره، وهو على منصة انتظار، تسدل عليه ستارة صفراء من بقايا وجوده.

أقرأ أيضا للكاتبة:لوحة عيدية بريشة أديب

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى