اقتصاد دوليكتابات فكرية

البريكس ليس جنة والجزائر ليست جهنم !

البريكس ليس جنة والجزائر ليست جهنم !

حفيظ دراجي

 قرار منظمة بريكس بتوجيه دعوات إلى ست دول من أصل أربعين دولة من بينها الجزائر للانضمام إلى التكتل بشكل رسمي وهي مصر وإثيوبيا والإمارات والسعودية وإيران والأرجنتين أثار ردود فعل متباينة في الأوساط الشعبية والإعلامية في الجزائر، وتساؤلات حول أسباب رفض الطلب الجزائري مقابل قبول ملفات دول لا تقل شأنا عن الجزائر، ولا تخلو من تناقضات اقتصادية واجتماعية وسياسية، مما دفع بالكثير من الملاحظين إلى الحديث عن إخفاق و دعوة السلطات لحفظ الدرس وتركيز جهودها وقدراتها على بناء اقتصاد قوي ومتفتح، و القيام بإصلاح عميق في النظام البنكي والمالي ، وتنويع الصادرات وتحرير المبادرات من التسيير الإداري للمال والأعمال في ظل توفر مقومات لا تملكها الكثير من الدول ، في حين راح البعض الأخر يقلل من شأن قرار لا يستند إلى معايير واضحة.

كل المؤشرات كانت توحي برفض انضمام الجزائر في الوقت الراهن خاصة وأن تقديرات السلطات الجزائرية كانت منذ البداية تتوقع الدخول كعضو ملاحظ حتى تستكمل إصلاحاتها الاقتصادية وتبلغ نسبة نمو تفوق خمسة بالمائة تسمح لها بأن تصبح عضوا كامل الحقوق ، لكن التضليل والتطبيل الذي مارسته بعض وسائل الإعلام ، ومن يحسبون على أهل الاختصاص طيلة أشهر مضت هو الذي زاد من وقع الصدمة، يضاف إليها التعليقات السلبية لجزائريين آخرين في وسائط التواصل الاجتماعي، يترصدون أي إخفاق أو فشل أو تعثر للإساءة إلى الجزائر والتأثير على معنويات شعبها الذي تحكمه العواطف في مثل هذه المواقف فعمت الحسرة و الأسف والإحباط مشاعر الكثير.

بعض المحللين والملاحظين راحوا من جهتهم يهونون من وقع الحدث ويذكرون أن مجموعة البريكس لم تعرض الانضمام لها على دول متطورة كثيرة على غرار نيجيريا وتركيا وقطر وإندونيسيا والمكسيك، ويذكرون أن المعايير لم تكن سياسية ولا حتى اقتصادية وتجارية ، بل تقوم على حسابات يصعب فهمها، تتم بالتوافق وليس بنظام الأغلبية، حتى أن بعض الدول مثل السعودية لم تطلب الانضمام للمنظمة ، لكنها تلقت الدعوة ولم ترد عليها لحد الآن، في حين لم يشكل الانضمام من عدمه حدثا بالنسبة لعديد الدول التي تملك مقومات الانضمام إلى أكبر التجمعات الاقتصادية والتجارية في العالم بما في ذلك منظمة البريكس، التي ستنضم إليها الجزائر دون أدنى شك بعد أن تم قبولها كعضو ملاحظ رفقة اندونيسيا.

أوساط جزائرية أخرى سياسية ومختصة في المجال الاقتصادي رفعت شعار “رب ضارة نافعة”، واعتبرت إرجاء قبول العضوية فرصة سانحة لمراجعة سياساتنا الاقتصادية ومواقفنا السياسية التي يجب أن تقوم على المصلحة، و تجاوز كل التعاليق التي لا تقوم على تحاليل واقعية، والتفكير في بعث اقتصاد جزائري قوي يفوق دخله السنوي 200 مليار دولار ، لن يتحقق إلا بمزيد من الإصلاحات والتسهيلات في مجال التبادل التجاري وعلى مستوى النظام البنكي ، وفي مجال الاستيراد والتصدير والاستثمار المنتج للثروة بعيدا عن كل التعقيدات الإدارية والبيروقراطية التي تلازم اقتصادنا منذ الاستقلال ، وكل الذهنيات التي تقاوم التغيير على كل المستويات، وتلك التي تعتقد أن الصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا تطورت بعد انضمامها إلى منظمة البريكس.

عندما نقول أن البريكس ليس جنة والجزائر ليست جهنم فهذا لا يعني أن الجزائر صارت جنة في ظرف وجيز بعد سنوات من الاختطاف والتدمير لمقوماتنا، بل بإمكانها أن تكون أفضل ، وتصبح مطلوبة بقوة للانضمام الى البريكس و مختلف التنظيمات والتجمعات الاقتصادية ، من خلال السعي سياسيا الى بناء تحالفات تأخذ بعين الاعتبار مصالحنا، واستكمال الإصلاح الاقتصادي والمصرفي بعيدا عن كل تهريج وتهييج وتحريض، وكل خطاب شعبوي لا يأخذ بعين الاعتبار التحولات الفكرية والتكنولوجية في كل المجالات ذات الصلة بالأمن والفكر والتربية والتعليم والصحة وكل مجالات الحياة الاقتصادية والخدمات والمال والأعمال.

تأجيل انضمام الجزائر إلى منظمة البريكس كانت انتكاسة في نظر بعض وسائل الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يجب أن يكون دافعا و سببا في استفاقة رسمية وشعبية يقوم فيها الإعلام بدوره من خلال تنظيم نقاشات تقنية مع مختصين فعليين يحللون الواقع كما هو ويقترحون الحلول، وتتجاوب معها السلطة المطالبة بدورها بفتح المجال أمام المبادرات وإشراك كل الكفاءات في كل المجالات لأن الجزائر لم تعد قضية سلطة لوحدها أو شعب بمعزل عن عوامل ومقومات أخرى تقوم عليها الأمة ومستقبلها .

 الجزائر الآن

أقرأ أيضا:ما الذي تستفيده مصر من انضمامها لـ البريكس؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى