اخبار محليةالكل

وداعا .. وإلى جنة الخلد أيها الرمز

ثمة حزن لا نستطيع تجاوزه ..وثمة وجع لا يبارحنا .. وثمة أشخاص محال أن تطالهم يد النسيان  ..حين تعجز اللغة عن وصف مصابك فهذا يعني أن الوجع قد تجاوز مداه .. حين يكون هذا الكم الهائل من المفردات غير قادر على إخراج ذلك الألم الذي يعتصر فؤادك فهذا يعني أن الألم استنزف الروح ..

 

الدكتور أحمد النهمي كان وسيبقى علم في آخر الطريق ..لا أظن أن هناك من عرفه ولم يحب روحه الجميلة ، وأخلاقه الفاضلة ، ابتسامته المشرقة .. الهدوء والرزانة والحكمة ..

 

عرفته كأستاذ لمادة العروض وموسيقى الشعر، والبلاغة في مرحلة البكالوريوس ..كان المعلم الجليل .. والأخ الحنون .. والشاعر المبدع .. أذكر جيد ذلك  اليوم الذي  ألقى فيه قصيدته ( أنا لست منكم سادتي ) ثم قام بتوزيع نسخ منها  علينا وما زلت أحتفظ بنسختي حتى اليوم وبخط يده الكريمة .. يومها تملكنا الإعجاب بأن نتعلم على يد هذه الشخصية المبدعة ..لم يتوقف تعليمه لنا عند مرحلة البكالوريوس في قاعات الدرس ..بل تعدا الزمان والمكان .. ولم تقتصر دروسه على البلاغة والنقد بل شملت كل أنواع المعرفة ..

 

وقبل كل هذه المعارف غرس فينا  بذرة من أخلاقه الرفيعة وطموحه النبيل .. لطالما شجعني على مواصلة تعليمي وعلى الكتابة ..قال لي مرات عدة ( عندك حس نقدي لازم تنميه  ) بعد عودتنا من نزوحنا إبَّان اقتحام الحوثي لعدن سألني عن أيام الحرب كيف كانت ، بعد أن حدثته عنها قال ( اكتبي هذا يا هند وسأساعدك) وعدته أن أفعل وليتني فعلت ..ما كنت أعلم أن الأيام ستفجعنا به ..وأن يد الموت ستصل إليه بهذه السرعة ..

 

لم يكن مجرد أستاذ ..كان رمز للطموح .. علم على منارة ..

الأستاذ ، والدكتور ، والأديب ، والناقد ، والمثقف الأريب ..  والسياسي الشريف صاحب المواقف المشرفة ..لم يكن للمنصب عليه أدنى سلطة ..وغير سيف الحق لم يسلط عليه سيف .. تواضع لله فرفعه الله بين خلقه .. رغم مكانته السامية لم يدخل قلبه مثقال ذرة من كبر ، أو ترفع علينا نحن طلابه .. بل طالما عرض علينا مساعداته بنفسه .. حين كنت بحاجة لسجل أكاديمي جديد من جامعة ذمار وقف معي بذلك بنفسه وكان أكثر إهتماما بالأمر مني ..تابع الأمر معي وسأل وسأل وسأل حتى حصلت على السجل ..

 

 في عام 2018 وبعد توقف رواتب موظفي المناطق الواقعة تحت سلطة الحوثيين عاملت له راتبه من وزارة المالية حتى وصلنا إلى ضرورة حضور رفض الحضور وقال لي ممازحا ( أجي على ضمانتك ) ..رغم أن الأمر كان سهلا وبمجرد حضوره سيحصل على راتبه كما أخبرني موظفو المالية حينها لكن لم أفهم سبب رفضه للحضور بتلك الشدة

 

لو سطرنا الكتب في الحديث عنه ما وفيناه حقه ..

تسبق الدموع الكلمات عند الدعاء له بالرحمة .. ما أقسى الموت ! وما أشد وجعه !

 

وداعا .. وإلى جنة الخلد أيها الرمز

 

هند العزاني

23/ 6/ 2020

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى