اخبار محليةالكل

تقرير: السعودية تواجه معضلات تحول دون تحقيق أجندتها وأطماعها بالمهرة

كشف تقرير استراتيجي يمني حديث، أن السعودية تعيش في مأزق بتواجدها العسكري في محافظة المهرة شرق اليمن، مؤكدا أنها تواجه معضلات تحول دون تحقيق أجندتها وأطماعها هناك.

وقال تقرير أعده مركز “هنا عدن” للدراسات الاستراتيجية نهاية عام 2020، إن التواجد العسكري السعودي أدخل محافظة المهرة، التي ظلت آمنة ومعزولة عن الحرب والصراعات ، في حالة فوضى واضطراب لم تشهده من قبل.

وأكد التقرير الذي يناقش “الأجندة الاستراتيجية للسعودية في محافظة المهرة”، وحصلت “عربي21” على نسخة حصرية منه، أن الأطماع السعودية في المهرة ليست مجرد خيالات متوجسة وناتجة عن خذلانها المتكرر للشرعية، وفي أكثر من مكان.

وأشار إلى أن هناك مؤشرات تاريخية تدعمها وقائع سياسية ووثائق مسربة من هنا وهناك، تؤكد أن المخطط السعودي في المهرة يتعلق بفكرة مركزية معروفة، وهي “حاجة الرياض لمد أنبوب نفطي خاص بها، يكون بمثابة منفذ بديل وآمن يمكنها من تأمين عملية تصدير نفطها للخارج عن طريق بحر العرب، وذلك تفاديا لأي مشكلات تهدد طريق النقل الحالي التي تمر عبر مضيق هرمز”.

وعزز هذه الفرضية بوثيقة رسمية موجهة من العاهل السعودي الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، إلى ولي عهده، تكشف عن “حاجة المملكة الماسة لإيجاد منفذ بحري لها على بحر مفتوح (بحر العرب)، عن طريق سلطنة عمان أو الجمهورية اليمنية؛ نظرا لوضعها الجغرافي المقتصر على الخليج العربي والبحر الأحمر اللذين لا يتصلان بالبحار المفتوحة”.

ووجه الملك السعودي الراحل، ولي عهده وزير الداخلية، نائف بن عبدالعزيز، بتشكيل لجنة على مستوى رفيع من وزارات “الداخلية والدفاع والخارجية والمالية والبترول والثروة المعدنية والنقل والاقتصاد والتخطيط”، بالإضافة إلى رئاسة الاستخبارات العامة؛ لدراسة هذا الموضوع من جميع جوانبه، وذلك بشكل سري وسريع، والرفع بما يتم التوصل إليه.

وأضاف التقرير أن السلوك السعودي في المهرة يكشف أن مخططاتها تتجاوز المبرر الذي أعلنوا القدوم بسببه “مكافحة تهريب الأسلحة للحوثيين”.

وتابع: رغم أن الأهداف المعلنة للتواجد العسكري السعودي “وقف تهريب الأسلحة للحوثيين”، التي أثيرت عام 2013، غير أن المهرة خارج سيطرة الجماعة، وأعلنت ولاءها للشرعية، وهو ما يجعل هذه المبرر فاقدا لأي أدلة عملية.

كما أن مكافحة التهريب، وفقا لمركز “هنا عدن”، تظل مهمة أمنية للجهاز التابع للسلطات المحلية، ولا تستدعي تواجدا عسكريا أجنبيا يتجاوز السلطات الشرعية ويعمل بشكل مصادم للمجتمع.

وبحسب التقرير، فإنه من الواضح أن تماسك المجتمع المهري كان له الدور الأكبر في عرقلة المساعي السعودية لتمرير مخططها في محافظة المهرة بهدوء.

واستدرك بالقول: صحيح، أن الحراك الشعبي لم يتمكن من إزاحة الوجود العسكري السعودي بشكل عملي، لكنه كشف المخطط، ووضع الرياض تحت حصار شعبي فاعل ومحرج، وبالتالي صارت السعودية في وضع صدامي دائم مع أبناء المهرة، ولم تتمكن من تحقيق وجود مؤمن فيها.

وبحسب تقرير مركز “هنا عدن” اليمني، فإنه منذ دخول الرياض إلى المهرة ظلت تعيش قلق المشروعية والشعور الدائم بأن تواجدها صار باعثا للمشكلة، وتركها مكشوفة طوال الخط.

يأتي ذلك، رغم استخدام نفوذها السياسي واستلابها للشرعية، بهدف شرعنة وجودها هناك، والضغط على الرئيس والحكومة لإقالة كل الرموز السياسية والاجتماعية المناوئة لوجودها من مناصبهم.

واستطرد: شكل الاحتشاد الجماهيري الشعبي حائط صد لمقاومة النفوذ السعودي غير المشروع، معتبرا أنه مثّل مظلة شعبية عززت المقاومة المجتمعية لكل المخططات العابرة للسيادة اليمنية، بعدما أدركوا أن السلطة الشرعية تقف عاجزة عن منع السعوديين من اللعب على الأراضي اليمنية.

وتساءل التقرير: لماذا تسعى الرياض لتحقيق مصالحها في اليمن بطرق غير رسمية؟، موضحا أن السعودية لم تضع اعتبارا كبيرا لمفهوم السيادة في تعاملها مع اليمن منذ تأسست الدولة السعودية.

ووضع التقرير، الذي تحتفظ “عربي21” بنسخة منه، مقاربات تجيب عن تساؤله، أهمها أن “المملكة لا تريد ترسيخ عرف سياسي يراكم حالة من التعامل الندي بينها وبين اليمن”، مشيرا إلى أن هذا هو انعكاس طبيعي لنظرتها التاريخية الدونية لليمن، الذي جعلها تسلك طرقا مشبوهة، وتتجاوز الأطر الدبلوماسية والأعراف الدولية في تعاطيها مع النظام السياسي، ومساعيها لانتزاع مصالحها بطريقة عبثية وخارقة للثوابت الوطنية والدستورية للجمهورية اليمنية.

وأوضح أن الحكومة السعودية تعتقد أن سلوكها طرقا غير رسمية هو أقل تكلفة لها وأيسر وصولا، كونه سلوك لا يترتب عليه أي التزامات قانونية رسمية ولا تبعات مالية كبيرة.

ومن المقاربات أيضا، يؤكد التقرير أن الرياض تشعر بأن الظرف السياسي العام في اليمن، وحالة الشتات وتمزق النخبة الحاكمة، يوفر لها فرصة للنفاذ، ووضع المداميك الأولى لطموحها الكبير والقديم والمتجدد في المهرة.

 

ثلاث معضلات

 

وتحدث تقرير مركز “هنا عدن” للدراسات الاستراتيجية، بأن السعودية تعيش في مأزق حقيقي في محافظة المهرة، موردا ثلاث معضلات رئيسية يواجهها تواجدها العسكري هناك.

الأولى تكمن في “انكشاف أطماعها بشكل جلي وواضح، وبما أفقدها أي مبرر سياسي ممكن، بعدما حولت محافظة آمنة ومستقرة معزولة عن ظروف الحرب في باقي المحافظات الأخرى، إلى منطقة تشهد أكبر عملية توتر داخلي بسبب تواجدها العسكري هناك”.

أمام المعضلة الثانية، فتشير التقرير إلى “دخولها في مواجهة شعبية مفتوحة مع أبناء المجتمع المهري، وتمزيق النسيج الاجتماعي المترابط للمحافظة، من خلال محاولة شراء واستقطاب بعض رموز القبائل، بالإضافة إلى حوادث الاشتباك مع المتظاهرين الرافضين لوجودها العسكري، وهو ما خلق حالة غليان واحتقان شعبي واسع لم يحدث من قبل”.

فيما لخص المعضلة الثالثة التي تواجه السعودية في المهرة في “تجاوزها الصارخ للحكومة الشرعية، وتأسيس وجودها العسكري هناك بمعزل عن أي تنسيق رسمي يحترم سلطات الدولة”، مؤكدا أنه بهذا تكون المملكة قد أسقطت الغطاء القانوني لهذا التواجد”.

 

سيناريوهات

 

وكشف المركز اليمني في تقريره عن ثلاثة سيناريوهات للأزمة بين السعودية والمهريين، الأول يشير إلى “توقف السعودية عن مضاعفة تواجدها العسكري في المحافظة، وتجنب التصعيد عن طريق مراجعة مسارها الحالي”.

وذلك يمكن تحقيقه إما “بسحب قواتها أو الدفع باتجاه حوار مباشر مع أبناء المحافظة ومجلسها العام، وبالشكل الذي يفضي إلى تجنب احتمالات المواجهة العسكرية مع المجتمع الرافض لتواجدها، وإزالة الاستحداثات غير المبررة، خاصة في المناطق الحيوية والمنافذ ومناطق الساحل وكل الثكنات العسكرية التي تشكل مصدر توتر دائم، مع الإبقاء على جزء من تواجدها العسكري هناك”.

فيما استبعد نجاح هذا السيناريو، بالنظر السلوك السعودي طيلة سنتين، مبينا أنه لم يلاحظ أي مؤشر على وجود قابلية لدى السعوديين لإدارة الملف بطريقة سلمية تتجاوز الصدامات، بل قوبلت الاحتجاجات الشعبية بتصلب سعودي غير مكترث بالمآلات التي ستفضي إليها قادم الأيام.

أما السيناريو الثاني، فيكمن في “مواصلة السعودية تصعيد حضورها العسكري، والمضي في سلوكها الحالي، لجانب توسيع مناطق سيطرتها، وعسكرة الحياة في المهرة”.

وذكر أن هناك ما يدعم هذا السيناريو، الذي قال إنه “الأقرب للتحقق”، وهو عدم التزامها بأي تعهدات لها بخفض التواجد العسكري، واحتواء الغضب الشعبي وتنفيذ مقترحات الرموز الوطنية بضرورة وقف عبثها في المحافظة.

فيما ذهب التقرير في السيناريو الثالث إلى “بقاء الأمور تراوح مكانها ما بين تواجد عسكري سعودي غير مقبول، واحتجاجات شعبية في مدارات سلمية، دون حدوث تطورات في مسار الصراع من الجانبين، وهو ما يعني -بحسب التقرير- إطالة زمن الأزمة وإدارتها في مستوى معين دون أن تترجح كفة طرف على حساب الآخر أو ينزلقا نحو مواجهة عسكرية محتملة.

 

تغيير ديمغرافي

 

كما اتهم مركز “هنا عدن” للدراسات، في تقريره، الرياض بالعمل على إجراء تغيير ديمغرافي في محافظة المهرة، من خلال استقدام العشرات من العناصر السلفية من خارجها، حيث تمركزوا في منطقة “ٌقشن” العاصمة التاريخية لسلطنة المهرة سابقا.

ويلفت التقرير إلى أنه قبل وصول هذه العناصر السلفية عام 2018، كان هناك أعداد محدودة من التيار السلفي تقطن المنطقة، وبشكل متناغم مع المجتمع المهري.

لكنه قال إن التدفق المفاجئ للسلفيين نحو منطقة بعينها في المهرة، وما أعقبه من إنشاء مركز سلفي في قشن، الواقعة على الساحل الجنوبي من المهرة، وهذا الظرف تحديدا، لا يعدو عن كونه محاولة سعودية لتعزيز الكتلة الاجتماعية المؤيدة لها، وبما يمنحها ظهيرا شعبيا مناصرا لها مستقبلا.

ومنذ العام 2017، تنشط حركة احتجاجات سلمية في محافظة المهرة، التي توصف بأنها بوابة اليمن الشرقية، عبر لجنة تسمى” الاعتصام السلمي”، ضد التواجد العسكري السعودي، وهيمنتها على منفذي شحن صرفيت وميناء نشطون ومطار الغيضة الدولي.

وتشترك هذه المدينة بمنفذين بريين مع سلطنة عُمان، فيما تمتلك أطول شريط ساحلي في اليمن يقدر بـ560 كلم على بحر العرب.

ونهاية تموز/ يوليو 2020، أغلق مقاتلون قبليون مداخل محافظة المهرة مع محافظات أخرى، لمنع مهرجان دعا لإقامته ما يسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم إماراتيا، في مدينة الغيظة، عاصمة المحافظة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى