الكلكتابات فكرية

العدوان الهمجي على اليمن … وخروقات دول العاصفة

لم تأل دول تحالف العدوان  جهداً في حشد وتلفيق الأسانيد الواهية والمسوغات المزيفة لشرعنة وتبرير تدخلاتها المقنعة  في الشأن اليمني ، الرامية لتحقيق سياساتها وفرض سيطرتها ونيل أطماعها اللامشروعة  ، حتى وصل بها المطاف حين تلاشت أمالها وتساقطت أدواتها حد استخدام القوة المسلحة  للاعتداء على  سيادة الدولة واستقلالها السياسي وسلامتها الإقليمية ، ناهيك عن بجاحتها وهمجيتها الوحشية  في استخدام القوة المحرمة دولياً لقتل الشعب  بجميع مكوناته وفئاته دون تمييزٍ  ، في سبيل   فرض إرادتها إنفاذ إملاءاتها  وتعزيز تدخلاتها غير المشروعة .

وهي بذلك السلوك الإجرامي لا تكشف فحسب عن حقيقة تدخلاتها السافر ة في الشؤون الداخلية للعديد من البلدان و دعمها للإرهاب وجلبها للمرتزقة و سعيها لإسقاط الحكومات الشرعية  و دعم الشرعيات الملفقة ، كما هو الحال في  العراق وليبا وسوريا واليمن وغيرها من البلدان بذرائع زائفة وحجج مختلقة ،بل إن المملكة  تكرس بذلك  ايضا ، كونها أداة لقوى دولية امتهنت كرامتها وسخرت طاقاتها واستغلت ثرواتها لحماية مصالحها وتحقيق غاياتها وبسط نفوذها، وعلى راس تلك القوى ، الولايات المتحدة الأمريكية التي لم يتردد رأس هرم السلطة فيها  من نعت المملكة و وصفها بالبقرة الحلوب و طالبها بدفع الأموال مقابل الحماية ، ناهيك عن سن التشريعات الأمريكية لإدانة الرياض بدعم الإرهاب الذي يعد في الحقيقة صناعة أمريكية و تمويلاً  سعودي .وليس بمستغربٍ من نظام كهذا ، يحاكي السلوك الأمريكي المتغطرس ويوطئ التطبيع مع  الكيان الصهيوني الغاصب ، أن تتناقض حججه وتتكشف أكاذيبه وتتجلى أطماعه حين يدعي دعم الشرعية في اليمن و يسعى لإسقاطها في سوريا ، و يجرم دعم الكيانات  الوطنية في حين يساند ويبرر دعم التنظيمات الإرهابية ، أمثال النصرة و داعش والقاعدة وغيرها من جماعات الإرهاب  ، فالطيور على أشكالها تقع .

وليس غريباً أيضاً على مملكة كمملكة أل سعود ، أن تتمكن من إخفاء وتقنيع تدخلاتها الهدامة وتجميل قبح نواياها وتسويغ نفوذها البغيض ، حين تلبسها ثوب الراعي أو الوسيط أو تكسوها حلة الدين أو  لباس الطائفية، وقد تمكنت ،بتزييفها طوال قرن من الزمن ، أن تخدع كثيراً من السذج   حتى أضحوا فريسة تضليلها وضحية تحقيق مطامع أسيادها. فيا ترى  هل يعتبر أنصار الوهابية ومن يدور في فلكها بعد تصريحات ابن سلمان وجهره  بحقيقة الدور والوظيفة التي من أجلها تأسست الوهابية و رُوجت أفكارها ، ولو لم يكن سوى أمتهان الدين وصناعة التدين وتنظيم الإرهاب لخدمة السياسة وتشوية الإسلام وأنصاره ،لكفى بذلك دليلاً  تُدحض به  مزاعم العدوان  وذرائعه المزيفة وعبرة لانصار الوهابية وتنظيمات الإرهاب لينتهوا عن غيهم  ، كيف لا و المملكة ومن وراءها أمريكا  قد اتخذت  من الدين مطية ومن الإرهاب وسيلة ومن فبركة الواقع  أسلوباً ومن جماعات الإرهاب حركات تحررية ومعارضات وطنية  ، لإسدال ستار  الزيف والتدليس على حقيقة أهدافها وقبح تدخلاتها وفداحة  دورها الإقليمي كأداةٍ لصالح أمريكا واسرائيل حيث عملت طويلاً على تدجين الشعوب  وإخضاعها وتهيئة الدول العربية وترويضها  ، تمهيداً لجرها نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وبيع القضية الفلسطينية والسير على خطى اسيادها.

إن مزاعم  دعم الشرعية ، وحماية الشعب اليمني الذي تفنن و أوغل تحالف العدوان في قتله وإيلامه ، و  زعم الدفاع  وغيره من الذرائع  التي يسوقها  العدوان  لتبرير  تدخله العسكري  ، لا تعدو  كونها أكاذيب و فبركات ، دأبت أمريكا وأدواتها  على نسج أباطيلٍ كهذه في كل مرة تتدخل فيها في الشؤون الداخلية للبلدان ،  وتعتدى على سيادة الدول التي طالها تدخلها  الهدام ،  والذي بدوره قد اسهم إسهاماً بالغاً  في تقويض أمن واستقرار المنطقة وتمزيق النسيج العربي  واسقاط الأنظمة وإحلال الفوضى لصالح أمريكا والعدو الصهيوني. فمزعوم الشرعية ليس سوى  ذريعة لتسويغ العدوان، كما أن دعوى الدفاع ليست سوى  ستار  لإخفاء حقيقة الأهداف غير المشروعة وتبرير العدوان السافر ضد سيادة وسلامة و وحدة  اراضي الجمهورية اليمنية .

 

وغاية تلك المزاعم، تتجسد في التغطية على واقع الأغراض غير المشروعة من بسط النفوذ والسيطرة وإخضاع ارادة الشعب وتبعية القرار السياسي و ارتهان أنظمة الحكم وغيرها من الأغراض، عبر تدخلاتها  السافرة  بشكل مباشر  و غير مباشر  من خلال  أدواتها ومرتزقتها الذين باعوا سيادة واستقلال البلد، في انتهاكٍ مارق لقواعد ومبادئ اساسية في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة نبينها في التالي:

يمثل العرف والتعاهد الدولي وقواعده ذات الطبيعة الشارعة أهم مصادر القانون الدولي العام المنصوص عليها في المادة (38) لنظام محكمة العدل الدولية . ويحظى  ميثاق الأمم المتحدة بأهمية ومكانة خاصة تحتل ذروة هرم مصادر القاعدة القانونية ،على اعتبار  أن قواعد الميثاق تسمو على غيرها من القواعد من حيث التطبيق عند تعارض التزامات الدول على النحو المشار اليه في المادة (103) من الميثاق . وهو ما يعزز من صوابية الاتجاه القائل بالطبيعة الدستورية لقواعد ميثاق الأمم المتحدة .

لهذا يعد الميثاق حجر الزاوية ونقطة البداية للحديث عن قواعد القانون الدولي  .وقد تضمن الميثاق مجموعة من المبادئ والقواعد الكفيلة  – إذا ما تم احترامها – بضمان تحقيق الأمن والسلم الدوليين ، كأهم وظيفة رئيسية  من أجل  تحقيقها نشأت المنظمة الأممية .

ففي ديباجته والمادتين التالية لها (1،2 ) نص الميثاق على  الأهداف والمبادئ الأساسية التي من أجلها تأسست منظمة الأمم المتحدة ، للارتكاز عليها عند القيام بمهامها  بغية تحقيق أغراضها كمؤسسة عالمية أنيط بها مسؤولية حفظ وضمان استتباب الأمن والسلم الدوليين وتجنيب الشعوب ويلات ومآسي الحروب والنزعات كأهم مصلحة عليا للجماعة الدولية.

و يعد مبدأ السيادة من المبادئ الأساسية التي نص عليها ميثاق الامم المتحدة ويتوجب على الدول  ضرورة الالتزام  بعدم المساس بها  أو الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال ،و يُعد التعدي المسلح عليها بمثابة عدوان يُوجب على مجلس الأمن ضرورة التحرك لصده ،إعمالاً لسلطاته وفق الفصل السابع من الميثاق ،وضماناً لصون سيادة الدول التي تمثل  أساس بنيان النظام الدولي ،فضلاً عن حق الدولة في ممارسة  الدفاع الشرعي عن النفس المكفول لها في إطار ميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية التي استقرت عليها ممارسات الدول، لمواجهة أي اعتداء يطال سيادتها واستقلالها السياسي ، وفق شروط محددة تمثل مبادئ قانونية ضرورية لممارسة حق الدفاع عن النفس . كما يعد الاحترام المتبادل والسيادة المتساوية من حيث التمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات أحد الركائز  المهمة والدعائم الأساسية لتنمية العلاقات الودية بين الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة وهو ما اكدته المادة (2) الفقرة الأولى من الميثاق حيث نصت على : تقوم الهيئة على مبدأ المساوة في السيادة بين جميع أعضائها.

وإن من أهم مظاهر السيادة وتجلياتها، سلطان الدولة واختصاصها في تسيير شؤونها الداخلية بعيداً عن التدخل أو الوصاية ضماناً وتأكيدً لحريتها واستقلالها السياسي. ويعد الاختصاص الداخلي للدولة حق مكفول ومبدأ جوهري لا يجوز انتهاكه إلا في مجال محدود وضيق يتمثل في التدابير القسرية التي يتخذها مجلس الأمن بغرض حفظ الأمن والسلم الدوليين على النحو المشار اليه في المادة (2) الفقرة السابعة من الميثاق التي تنص على :   

ليس في هذا الميثاق ما يسوغ لـــ  الأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، و ليس ما يقتضي الأعضاء ان يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع.

 

ويعتبر المجال المحجوز لسلطان الدولة  بمثابة السياج الحامي لحدود اختصاصها ،ولا يجوز لغيرها من الدول أن تتعداه. ويتوجب على جميع الدول عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير بأي شكل من أشكال التدخل، ويعد التدخل انتهاكا صارخا لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية طبقاً للميثاق وقرارات الأمم المتحدة. وهو ما أكده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2131) بشأن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

كما أن  شعب الدولة هو صاحب الحق الأصيل واساس السيادة ومصدر شرعية السلطة السياسية وأهم عناصر قيام الدولة وله الحق دون غيره في تحديد مصيره واختيار شكل دولته ونظامه السياسي ،وفق رغبته التواقة لنيل حريته وتحقيق استقلاله ، بما يملي عليه عقله السياسي ومصلحته الوطنية .و من واجب الدول بمقتضى الميثاق و قرارات الأمم المتحدة عدم استعمال القوة المسلحة لحرمان الشعوب من حقها في تقرير مصيرها ونيل حريتها واستقلالها دون التدخل في شؤونها .وقد أكد ميثاق الأمم المتحدة على حق الشعوب في تقرير المصير في مادته الأولى.

ويتوجب على الدول لحل نزاعاتها الدولية أن تلجئ لتحقيق ذلك من خلال الطرق والوسائل السلمية ولا يجوز اللجوء لحسم النزاعات بالقوة العسكرية أو كأداة لتحقيق السياسة الخارجة وانتهاك سيادة الدول واستقلالها السياسي إلا في حالات محددة تمثل استثناءات مُقَيدة لعموم تحريم استخدام القوة في علاقات الدول وتفاعلاتها .وقد عمل واضعي الميثاق على النص على هذا المبدأ في المادة ( 2) الفقرة الثالثة ،لضمان أن تحقق المنظمة الهدف الرئيسي لنشأتها حيث نصت على :

يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم و الامن و العدل الدولي عرضُة للخطر.

كما أن إضمار السوء و قبح النوايا وعدم التزام الدول في الإيفاء بجميع التزاماتها الدولية – طبقاً للميثاق – بحسن نية ، يعد انتهاكاً لأحد المبادئ الأساسية التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة، والتي تمثل في مجملها  ركيزة محورية لضمان نمو واستقرار العلاقات الودية بين الدول عند تفاعلها مع غيرها من أعضاء المجتمع الدولي .وقد نصت المادة (2) الفقرة الثانية من الميثاق عل ما يلي :

&لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعا الحقوق و المزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حُسن نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق&.

ويقع على عاتق الدول التزامات قانونية تعد بمثابة مبادئ أساسية في علاقاتها الدولية، طبقاً للميثاق وقرارات الأمم المتحدة وتتمثل فيما يلي:

الامتناع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو  استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على أي نحو أخر يتنافى مع مقاصد الأمم المتحدة. ويشكل مثل هذا التهديد باستخدام القوة أو  الاستعمال لها انتهاكاً للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة وتترتب عليه مسؤولية دولية .

مبدأ الامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها في العلاقات الدولية مبدأ ذو طابع عالمي ومبدأ ملزم ، و لا يجوز التذرع بأي اعتبار ، أياً كانت طبيعته ، لتبرير اللجوء الي التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ويعد ذلك خرقاً للميثاق .

عدم حث الدول الأخرى أو تشجيعها أو مساعدتها على اللجوء الى التهديد باستخدام القوة أو  استعمالها انتهاكا للميثاق.

استنادا الى مبدأ المساواة في الحقوق و تقرير المصير المنصوص عليه في الميثاق، فأن لجميع الشعوب الحق في أن تحدد بحرية ودون تدخل خارجي مركزها السياسي، و أن تسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وعلى كل دولة واجب احترام هذا الحق وفقاً لأحكام الميثاق.

على الدول واجب الامتناع عن التدخل المسلح وجميع اشكال التدخل أو محاولة التهديد الأخرى التي تستهدف شخصية الدولة أو عناصرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

على الدول ،وفقاً لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها ، واجب الامتناع عن الدعوة الى الحروب العدوانية .

طبقاً للميثاق ،ووفقاً للفقرات ذات الصلة من إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ، تفي الدول، بحسن النية ، بجميع التزاماتها الدولية.

على الدول أن تتقيد بالتزامها بمبدأ تسوية المنازعات بالوسائل السلمية الذي لا يمكن فصله عن مبدأ الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استعمالها في علاقاتها الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى