أخبار عربي ودوليالكل

الشارع السوداني يطالب البشير بالتنحي

بعد الهدوء النسبي الذي شهده الشارع السوداني على مدار اليومين السابقين في أعقاب مسيرة القصر الثلاثاء الماضي، عاودت الاحتجاجاتالشعبية حضورها المكثف مرة أخرى، أمس الجمعة الـ28 من ديسمبر الحاليّ، بموجة من التظاهرات استجابة لدعوة أطلقتها أحزاب ونقاباتمعارضة تحت عنوان “جمعة الشهداء”.

تصعيد الاحتجاجات في يومها العاشر جاء في سياق الحراك الشعبي الذي شهدته عدد من المدن السودانية للمطالبة بإسقاط النظام بعدسلسلة من الإخفاقات المتتالية على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهو ما يفند تصريحات الحكومة التي لا تزال على موقفهابأن التدني المعيشي السبب الوحيد لحالة الغضب الجارفة.

حالة من الترقب تنتاب الشارع السوداني مع إطلاق الدعوات لتعزيز موجات الاحتجاج ليلة رأس السنة الجديدة، وهي المناسبة التي يوجهفيها الرئيس عمر البشير “خطاباً للأمة”، كما تتجه الغالبية خاصة الخرطوم والمدن الكبيرة إلى الميادين العامة للاحتفال، وهو مايزيد التخوف بشأن التداعيات المحتملة للمواجهة بين تلك الأعداد في الشارع وقوات الأمن.

                                جمعة الشهداء

منذ الانتهاء من مسيرة القصر الثلاثاء الماضي، وتقديم عريضة تطالب البشير بالتنحي استجابة لرغبات الشارع، سادت حالة من الهدوءشوارع السودان ومدنها المنتفضة منذ أكثر من أسبوع، اللهم إلا بعض التظاهرات الخفيفة في عدد من المناطق، وهو ما دفع بالبعضللقول بأن الأمور قد استقرت في أعقاب الوعود التي أطلقها الرئيس بإجراء عدد من الإصلاحات الاقتصادية.

لكن يبدو أن الأمور لم تكن كذلك، فبالأمس عاود المحتجون فعالياتهم مرة أخرى بشكل مكثف، عقب صلاة الجمعة، وهو الحشد الذي دعت إليهأحزاب سياسية معارضة ونقابات محسوبة على التيار المعارض، ونجح في ضم عدد من المدن الجديدة لهذا الحراك آخرها مدينة شبشة بولايةالنيل الأبيض.

البداية كانت من حي ودنوباوي، المعقل التاريخي لطائفة الأنصار الدينية، حيث خرجت تظاهرات تضم المئات تطالب بسقوط النظام، غيرأن الشرطة التي تمركزت أمام مسجد السيد عبدالرحمن المهدي الذي انطلقت منه التظاهرة قبيل الجمعة نجحت في تفريق المحتجينمستخدمة في ذلك القنابل المسيلة للدموع.

وفي حي المنشية وبري شرق الخرطوم خرجت عدد من التظاهرات أيضاً، مرددين بعض الهتافات التي تؤكد سلمية حراكهم على شاكلة “سلميةسلمية ضد الحرامية، والشعب يريد إسقاط النظام” واستمرت لعدة ساعات بعد صلاة الجمعة قبل أن تفرقهم هراوات الشرطة وقنابل الغاز.

حملة اعتقالات ومداهمات

شنت السلطات السودانية منذ انطلاق الاحتجاجات موجة من الاعتقالات والمداهمات شملت عددًا من القيادات والرموز في “قوى الإجماعالوطني” و”نداء السودان”، على رأسهم القيادي في الحزب الشيوعي صديق يوسف، ورئيس حزب البعث التجاني مصطفى، والمتحدث الرسميباسم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد سيد أحمد.

وفي تمام الساعة السادسة مساءً أمس الجمعة، اعتقلت قوة من جهاز أمن النظام رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير من منزله فيإطار حملة أمنية تشنها سلطات النظام لصد المد الجماهيري المتصاعد الذي لن يتوقف إلا بإسقاط النظام، بحسب البيان الصادر عنالحزب أمس.

البيان المنشور على صفحة الحزب الرسمية على “فيسبوك” أشار إلى أن “النظام يظن وهماً بأن الاعتقالات والقمع ستحمي عرشه المتهاوي،وهو ظنٌ كذوب يشبه أوهام من سبقهم من شموليين ظنوا بأن أجهزة أمنهم ستعصمهم من غضب الجماهير”، مضيفاً “فليسأل البشير ونظامه منسبقوه وليقرأ كتب التاريخ، نظامه زائل بإرادة الشعب وإن هي إلا مسألة وقت سنثبت فيه في خندق المقاومة، فمعركتنا معهم لا تحتملغير خيار واحد هو كنس نظامهم وإرجاع السلطة إلى يد الشعب”.

واختتم الحزب بيانه بتأكيد وصية رئيس الحزب المعتقل عمر الدقير “بأن لا نعود من منتصف الطريق ستكون في قلوب وعقول كل منا ونحننخوض معركتنا هذه مع نظام الإنقاذ البائد، سنواصل العمل كتفاً بكتف مع جموع الشعب الثائرة والنصر حليف شعبنا وقواه الوطنيةوموعدنا وطن يسع الجميع، تزال فيه شمولية الإنقاذ وتحل عوضاً عنها دولة السلام والحرية والعدالة الإجتماعية لكل أبناء وبناتالسودان دون تمييز أو إقصاء”.

تظاهرات ليلة رأس السنة

بعد النجاح النسبي لدعوته الأولى لمسيرة القصر، الثلاثاء 25 من ديسمبر 2018، التي لاقت ترحيباً كبيراً من الكثير من طوائفالمعارضة، وشارك فيها عدد هائل من الشعب السوداني بمختلف أطيافه، دعا تجمع المهنيين، لحشد شعبي جديد في قلب الخرطوم، يومالإثنين المقبل، ليلة رأس السنة الجديدة، التي تصادف عشية احتفال البلاد بذكرى استقلالها الـ63، على أن يتجه الموكب للقصرالجمهوري مرة أخرى، لتسليم مذكرة ثانية تطالب الرئيس بالتنحي، ثم معاودة التظاهر مساء اليوم ذاته.

التجمع في بيان له أشار إلى أنه “وبعد أكثر من أسبوع على الاحتجاجات الشعبية، تلقى النظام ضربات متتالية بعد معارك باسلة خاضها الشعب السوداني في المدن المختلفة”، مشيراً إلى أن “الشعب اقترب خطوات من هدف إسقاط النظام والترتيب لتحول ديمقراطي تنعم فيهاالبلاد بالحرية والحقوق”.

وأضاف أن تلك المسيرة “هي جولة أخرى نؤكد فيها على مطلبنا الآني الذي لا يقبل التراجع، بتنحي البشير وزوال نظامه الغاصب، كماندعو المواطنين جميًًا إلى جعل هذا اليوم الخاص بالاستقلال ورأس السنة الميلادية يوماً وليلة خالصة للتظاهر والاحتجاج وحتى صباحالسنة الميلادية الجديدة، في مدن الخرطوم الثلاثة وفي ربوع السودان المختلفة”، محملاً النظام مسؤولية سلامة موكب الإثنين والتظاهراتالأخرى، مؤكداً تمسكه بسلمية الحراك الشعبي.

يذكر أن التجمع كان قد دعا قبل ذلك إلى إضراب وعصيان مدني شامل في محاولة للضغط على الحكومة، ورغم استجابة بعض الطوائف علىرأسهم الأطباء والصيادلة غير أنه لم يؤثر بالشكل المطلوب ما دعاه للعودة إلى حشود الشارع مرة أخرى، بالأمس في جمعة الشهداءوالإثنين المقبل في ذكرى عيد الاستقلال.

نظرية المؤامرة والتخريب

يبدو أن العقلية التي تحكم أنظمة الحكم العسكرية واحدة مهما تغيرت الملامح وتبدلت الأسماء، فمنذ الوهلة الأولى لاشتعال الاحتجاجاتكان الاتهام الأبرز من النظام للمحتجين “المؤامرة والخيانة ومحاولة إسقاط الدولة” وهي ذات التهم التي واجهت المعارضين في مختلفدول الربيع العربي.

البشير وخلال زيارته لولاية الجزيرة في الـ25 من الشهر الحاليّ اتهم من أسماهم “بعض الخونة والعملاء والمرتزقة والمندسين” باستغلالالضائقة المعيشية للتخريب لخدمة “أعداء السودان”، مضيفاً أن حكومته ماضية في إنفاذ مشروعات التنمية والإعمار لصالح المواطنينوإصلاح أحوالهم، معتبراً أن هناك حرباً تُشن على السودان لتمسكه بدينه وعزته التي لا يبيعها بالقمح أو الدولار.

تصريحات البشير قوبلت وقتها بموجة عارمة من الغضب، حيث أكد المحتجون على دستورية مطالبهم وسلمية حراكهم، محملين السلطاتالأمنية محاولة زعزعة الاستقرار بالدخول في صدامات عنيفة مع المتظاهرين أسفرت عن سقوط 37 قتيلاً بحسب منظمة العفو الدولية فيما لميسقط قتيل واحد من بين صفوف الأمن.

وبالأمس عزف رئيس الوزراء السوداني معتز موسى على نفس وتر رئيسه، فرغم غياب الرجل عن منصات التواصل الاجتماعي قرابة عشرين يوماً،فإن الشارع السوداني فوجئ به عبر حسابه على “فيسبوك” يقول “تابعنا في الأيام الماضية العديد من الأحداث التي وقعت في بلادنانتيجة لعمليات عنف سقط على إثرها مجموعة من أبناء الوطن، ربنا يرحمهم ويغفر لهم ويصبر ذويهم، وهذا أمر نتأسف عليه ونرجو ألايتكرر”.

وأضاف بعد تأكيده على كفالة الدستور لحق التظاهر السلمي “نحن ندين عمليات التخريب والتدمير، والقانون سوف يأخذ مجراه كما وضحأمس وزير الإعلام، في مقبل الأيام سوف تتلاشى جميع الأزمات كما وعد الأخ رئيس الجمهورية في خطابه الأخير”، ليواجه بدوره عاصفة أخرىمن الانتقادات دفعته للقول بأن حسابه قد تم اختراقه.

هذا علاوة على ما لوح به رئيس جهاز المخابرات صلاح جوش بحق المحتجين الذي اتهمهم بأنهم يتحركون وفق أجندة إسرائيلية يحركهاجهاز الموساد الصهيوني، في تصريح واجه انتقادات لاذعة كونها تنفي عن الغاضبين دوافع حراكهم الحقيقي من تدني المستوى المعيشيوانسداد الأفق السياسي وتراجع القدرات الأمنية.

وفي هذا السياق أعلنت السلطات السودانية أمس ضبط خلية وصفتها بـ”التخريبية” تتبع لحركة تحرير السودان/جناح عبد الواحد نور،بمنطقة دروشاب، أسفرت عن إصابة أحد أفراد القوات الأمنية، ومقتل أحد أفراد الخلية، بحسب ما قاله وزير الدولة بوزارة الإعلاموالاتصالات والتقانة، مأمون حسن، في مؤتمر صحفي له.

الوزير أوضح أن القوات الأمنية داهمت منزلاً بحي “الدروشاب”، وجدت فيه الخلية المسلحة التابعة لحركة عبدالواحد نور، البالغعددها 10 أفراد، كانت مهمتها تنفيذ عملية اغتيال وسط المتظاهرين، للتخريب والنهب، مدعياً ضبط أسلحة وجوازات سفر وأجهزةحاسوب فيها مخطط كامل لعمليات التخريب.

ورغم أن الانفجار الشعبي الذي جرى مؤخراً لم يكن مفاجئاً للمراقبين للشأن السوداني، ذلك أن عمر الاحتقانات السياسية في السودانكبير، كما أن عدم الاستقرار الأمني في كل من دارفور وجنوب كردفان له أثره السلبي على حالة استقرار الدولة، هذا بخلاف تردي الأوضاعالاقتصادية كونها القشة التي قصمت ظهر البعير، غير أن توقع ما يمكن أن تسفر عنه من نتائج مسألة تحسمها فلسفة الحراك وقدرته علىتنويع مساراته وتعزيز محدداته في مواجهة وعود حكومية غير مرضية واستماتة نظام لن يغادر المشهد بسهولة.

(عن “وكالة الصحافة اليمنية”)

م.م

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى