حوارات

من أجل “نيوم” في السعودية التشبّث بالأرض قد يؤدي إلى الإعدام!!

السعودية تضيق الخناق على مواطنيها، ولا تقتصر على ذلك، بل تصدر بحق المعترضين على مشاريعها حكم الإعدام، وهو ما حدث أخيراً بحق 3 شبّان من قبيلة الحويطات، نتيجة رفضهم التهجير القسري من منازلهم في منطقة تبوك لمصلحة مشروع “نيوم”.

لا يمكن لعاقل أن يتخيّل أن التشبّث بالأرض قد يؤدي إلى الإعدام. لكن، للنظام السعودي اعتبارات أخرى، فمن أجل تمرير مشروع “نيوم”، الذي أطلقه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان، لا شيء مستحيل.

انتقام رسمي من قبيلة الحويطي

في الثاني من أكتوبر الجاري، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية أحكاماً بالإعدام على 3 شبّان من قبيلة الحويطات، هم شادلي وإبراهيم وعطا الله الحويطي، نتيجة رفضهم التهجير القسري من منازلهم في منطقة تبوك لمصلحة مشروع “نيوم”. هذا المشروع كلّف القبيلة حتى اليوم فرداً منها أعدم ميدانياً من جانب قوات الأمن السعودية عام 2020، ونحو 26 معتقلاً، بينهم سيدة لا تزال أخبارها منقطعة حتى الآن، فيما حكم بالسَّجن 50 عاماً على كلّ من عبد الإله وعبد الله دخيل الحويطي.

“أهالي المنطقة لا يرفضون مشروع نيوم كمشروع، وإنما لا يقبلون تشريدهم بالقوة والإكراه من أراضيهم التي توارثها آباؤهم منذ ما يربو على 800 عام”، هذا ما قاله أحد الناشطين السعوديين من داخل السعودية للميادين نت، مؤكداً أن قبيلة الحويطي تتمسك بمبدأ ثابت: “لا تعويضات ولا تهجير ولا تفريط بالأرض”، وأن أفراد هذه القبيلة، والذين يزيد عددهم على 20 ألفاً، يعيشون منذ مئات الأعوام في المنطقة عند الحدود بين السعودية والأردن، ويُعرفون بشجاعتهم، لكنّهم تحوّلوا بفعل مشروع نيوم والسياسات الرسمية إلى ضحايا، وإلى مثال حيّ على انتهاكات حقوق الإنسان. ويؤكد أنهم “صمدوا بقوّة أمام تعرّضهم لقطع الماء والغذاء والاتصالات والخدمات فترةً طويلة، وتحمّلوا القمع الشديد والحصار”.

أمام هذه المعاناة التي يتعرضون لها، رفع أهالي القبيلة، في 23 سبتمبر 2020، شكوى إلى الأمم المتحدة، عبر عدد من المحامين، تضمّنت رسالة عاجلة إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة، المعني بحقوق السكان الأصليين، والمفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بشأن حقوق الإنسان الخاصة بالمهجرين داخلياً.

سياسات التهجير دارجة في السعودية

في مواقع التواصل الاجتماعي، يؤكد ناشطون أن تهجير المواطنين من أراضيهم من منطقة الحويطات يُعَدّ إحدى حلقات مسلسل التهجير المعتمد منذ أعوام، وهذا ما سُجل في مناطق عدة، كالطائف ومكة والجنوب والشرقية والشمال. وشهدت منطقة الشبحة، التابعة لمحافظة أملج الشمالية، إجراءات مماثلة لما تعرّض له أهالي الخريبة التابعة لمحافظة تبوك، كرمى لمشاريع عمرانية عملاقة تستهدف الهويتين الجغرافية والإنسانية للمنطقتين بذريعة الاستثمار والتطوير. وإذ يلفتون إلى أن عمليات التهجير تجري عادة بسبب “طمع أحد الأمراء في أرض تعود إلى قبيلة أو مواطنين، ويستولي عليها لمصلحته ثم يبيعها كما يريد”، ويجزمون بأن الأمر مغاير في حالة “مشروع نيوم”، بحيث يكون ذلك من أجل تحويل المنطقة إلى مكان تتنافى طبيعته مع العادات والتقاليد السعودية، ويسمح بتمكين الصهاينة.

من جهته، يعدّ الباحث والناشط السياسي، فؤاد إبراهيم، في حديث إلى الميادين نت، أن مصادرة الأراضي وهدم البيوت في منطقة الحويطات ضمن مشروع مدينة نيوم غير قانونيَّين، موضحاً أن النظام السعودي “يفسّر هذا النوع من ردود الفعل الشعبية، والصادرة عن أصحاب الأرض، تفسيراً أمنياً، الأمر الذي أضفى طابعاً سياسياً على تمرّد الأهالي ورفضهم تجريف بيوتهم وإزالتها”. ويشير إبراهيم إلى أن السلطات أقدمت، إضافة إلى هدم البيوت، إمّا على إطلاق النار على الذين تصدّوا للجرافات، وإمّا على اعتقالهم، مؤكداً أن “هذه القضية، بالنسبة إلى ولي العهد، محمد بن سلمان، هي قضية شخصية، لأن هذا المشروع لا علاقة له، في الواقع، لا بالتنمية ولا بتطوير البلد، وإنما ينطوي على اعتداءات وانتهاكات كثيرة لحقوق الأهالي”، قائلاً إن “التعويضات، التي يقدّمها النظام إلى العوائل، لا تلبي الحد الأدنى من حاجات الناس بشأن الحصول على بيت أو على أرض وبناء”.

أمّا الأحكام التعسفية والاعتقالات، التي جرت بحق أفراد القبيلة، فيضعها إبراهيم في سياق “المخالفات التي لا تستند إلى قانون أو شرع أو أعراف محلية”، معتبراً أن لها أبعادها السياسية والأمنية والأخلاقية، وخصوصاً أنها تصدر بسبب رفض الناس التخلي عن جذورهم وامتدادهم التاريخي”.

تعويضات غير مجدية

ترجّح صحيفة “دايلي ميل” البريطانية أن “مشروع نيوم، الذي يرعاه محمد بن سلمان، المولع بالخيال العلمي، لن يصبح حقيقة”، واصفة إياه بـ”الكابوس والمشروع الطوباوي البائس والقائم على تهجير الأُسر والإعدامات”. ترجيحات تكاد تكون منطقية مع الوقائع القائمة على الأرض، من عمليات طرد بالإكراه للسكان، والتهديدات الكبرى التي تطال قبيلة كاملة، ما يجعل “المدينة الفاضلة”، التي يُروّجها ضمن رؤية 2030، محاطة بالشكوك. ومن هنا، تؤكد دراسة صادرة عن مركز باحث للدراسات الاستراتيجية أنّ “بناء هذه المدينة سيتم على حساب حقوق أبناء القبائل، إذ تسعى الحكومة السعودية لنقل أكثر من 30 ألف شخص من مسقط رأسهم، وهو ما يُعَدّ في منزلة تقطيع لأوصال مجتمع كامل”.

وبينما تحاول السلطات السعودية الحديث عن تعويضات مجزية تم دفعها إلى الأهالي في مقابل خروجهم من مناطقهم، يؤكد معارضون سعوديون للميادين نت أن كل ما يجري ترويجه حكومياً غير صحيح، في ظل التباين الكبير بين التعويضات التي يجري عرضها على العاملين في إمارة تبوك، على الرغم من عدم إدراجهم ضمن أراضي المشروع، وبين التعويضات غير المجدية التي تفرض على أهالي المنطقة وإجبارهم على قبولها، والتي لا يتجاوز معظمها 15 ألف ريال سعودي، ولا تكفي لشراء شقة، ولا تساوي ثلث قيمة المنزل الذي يملكه كل فرد من أبناء المنطقة.

ما وراء الإصرار على تهجير الأهالي؟

في تقرير صادر في 11 أكتوبر الجاري ، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن شركة “نيوم” تدفع رواتب، تصل إلى 1,1 مليون دولار في العام، إلى المسؤولين التنفيذيين الكبار في المشروع، وفقاً لوثيقة اطّلعت عليها. كشفٌ موازٍ تحدّث عنه تقرير لوكالة “بلومبرغ”، بعنوان “لا يزال حلم الصحراء الذي طرحه محمد بن سلمان بقيمة 500 مليار دولار يزداد غرابة”، أشار إلى أن أكبر المستفيدين من مشروع نيوم هم المستشارون الأجانب، الذين يتقاضون رواتب فاحشة، فضلاً عن الامتيازات والخدمات العالية المستوى، إذ يعيشون، بحسب الوكالة الأميركية، في معسكر كبير في موقع المدينة المنتظرة مع أسرهم، بينما تتولى العمالة المهاجرة خدمتهم، بدءاً بإعداد الطعام، وصولاً إلى غسل الملابس. كل هذه الوقائع أثارت بلبلة في الداخل السعودي، وخصوصاً في أوساط المواطنين المتضررين من المشروع، والذين فقدوا بين ليلة وضحاها أملاكهم بالإكراه، مع اعتبار أن فكرة المشروع من أساسها تأتي “من أجل أن يعرض محمد بن سلمان عضلاته المالية أمام المجتمع الدولي”، وفق تعبيرهم.

لكن الأخطر من ذلك، أن المشروع، الذي يقام على معاناة أهالي المنطقة المستهدفة، وعلى مساحة 26 ألف كلم متر مربع من الأرض الجرداء المطلة على ساحل البحر الأحمر، يبرز كأداة لتثبيت القدم الصهيونية في السعودية، وخصوصاً في ضوء إشارة موقع “جيوبوليتكال فيتشرز” الأميركي إلى أن محمد بن سلمان أطلق مشروع نيوم بمحاذاة الحدود مع فلسطين المحتلة، من أجل تشجيع التعاون الاقتصادي، والتمهيد لإعلان التطبيع الرسمي.

في هذا الإطار، يرى الخبير بالشؤون الإسرائيلية، حسن حجازي، في حديث إلى الميادين نت أن مشروع نيوم هو عنوان لمرحلة التطبيع الاقتصادي المقبلة بين السعودية والكيان الصهيوني، بقيادة محمد بن سلمان، الذي ينظر إلى العلاقات بـ”إسرائيل” كمركّب سياسي في عملية البناء الاقتصادي. ويقول حجازي إن “الإسرائيلي موجود في عصب هذا المشروع، وسيكون حاضراً فيه بصورة كبيرة، ليس كزبون وحسب، وإنما كمشارك في عملية البناء. وهذا دليل على عمق الرهان لدى محمد بن سلمان على تحويل مشروع نيوم إلى نقطة التقاء بين الصهاينة والسعوديين، من أجل رؤية جديدة للمنطقة”.

المصدر: الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى