اخبار محليةالكل

ناطحات هاوية ..

أتذكر حين نودي بدرجة زميلتي من أجهزة الإعلام بداية الألفينية, بأنها حصلت على الرابع مكرر بنسبة   95 في المائة ,  أن تجمدت ملامحي لعظم الموقف, بدأت أتخيل زميلتي بملامح أسطورية , أظنها جاءت من كوكب آخر , , مرت ساعات ليلتي كأنها عام لشدة شوقي بأن أرى  تقاطيع وجهها , تمنيت حين رأيت هالة وجهها التعبيري, ولفرط حبي للعلم لو كنت فناناً أستطيع أن أمثل لها تمثالاً من الفضة أو المرمر ؛ تخليداً لهذه الذكرى التي لا تنسى , ابتسامتها  التي صنعتها ليال السهر والتعب والجد . .

مازلت أتذكر صوت المذيع الذي أعلن اسمها ودرجتها ..أتذكر تفاصيل بدلته ولون قميصه الأصفر  .

  إنها درجة التسعين .. تلك الأعجوبة ـ آنذاك ـ أمام المناهج المكدسة وعدد الحصص المكتملة دون ملل المعلم ولا الطالب . في أجواء من الاستقرار المعنوي والمادي .

أخذني تيار وعيي إلى ذاااااك الزمن المبهج .. حين رأيت درجة التسعين الآن تدر كالحليب الصناعي , أو أن الحليب الصناعي  الآن أصبح  متعززاًوأغلى منها .أقصد يوم كان الحليب في متناول الأيدي كالماء في  أحواض الحيوانات أيام كانت تكرم الحيوانات فما بالك بالإنسان .

  من أعاجيب الدنيا أن اصبحت درجة التسعين  لجارنا المدعو أحمد المدكوم , منكوش الشعر, حافي القدمين , متلجلج الكلام ,  يبدو تدليك الشمس لوجهه من مسافة , فهو لا يعرف في البيت استقراراً , ولا للورق و القلم طريقاً , تعتقد من مظهره أنه واحداً من مجانيين حارتنا , الكثر ككثرة كحجر الحصى في الطرقات .

  درجة التسعين على مستوى حارتي  ـ فقط ـ أجدها كالأرز المتبقي الذي تدهسه أقدام الصغار بعد رفع مائدة الطعام أيام الرخاء , .. أجدها كعدد المتسولين على الطرقات وأرصفة المعارض بعذر أو بدون عذر كمهنة .

 أراها ـ درجة التسعين ـ معلقة تنسب إلى أي فرد كتعليقة القات على رؤوس عسيب الرجل والصبي اليمني , ومن الرجال من قد كفى أهله قوت يومه ,م  ومنهم من لم ير أولاده وبناته سوى أربع حبات من البطاطا  ممزوجة بلغة المن عليهم , أما السكر فخلي والدتك تدبره يا بنيـــــــــــــــه .

  درجة التسعين أراها ـ الآن ـ رخيصة كرخص الطماطم أيام موسمها , وقد فاحت منها رائحة المبيدات التي ترش عليها كرش الهواء اللازم لتنفس النبات .

  ما يبعث على الضحك موقف أحمد المدكوم حين سمع درجته , يتلقت ليرى درجة من هذه , ولأجل من يحتفلون , يبدو فاغر الوجه  تدل غبرة التراب عليه أن وجهه لا يعرف طريقاً إلى حوض الماء  .

  في هذا المشهد كم يحزنني موقف سليم الطالب المجد المجتهد , الذي ذهب مستقبله بين أرجل الكذب وفترت همته , وخرج من فترة المذاكرة والامتحان والأماني المتراكمة على صفحات الزمن  بأن أصبح شاااااااب في مقتبل العمر ولكنه معقــــــــــد !!!.

  ترى هل لهذه المفارقة في بلادي من فصل وحزم ,  في هذا العام , لن نقول في قادم الأعوام فالأمر لا يحتمل التأخير , الأمر يتوقف عليه مصير وطن أساسه من القش  فكيف نبني عليه آمالاً عظيمة !

  ولماذا التعب يا أحمد المدكوم وأهلك , لابد  من يوم تتعثر فيه , حتى ولو كان سندك المال , ستمر سنتك الأولى  بكلية الهندسة ,  أو الطب , أو الآداب  وستتعثر وتحاول الوقوف , والنهاية لا بد من السقوط ,, لكي ترجع وتحفظ الرموز الكيمائية , ومما يتركب جسم الإنسان  وما  الفرق بين الضاد والظاء …..

  وإن واتتك الظروف وتمكنت على أساس من الغش بالمال أو الوساطة الواهية , ستتعثر وأنت ترسم بناء عمارة ساقطة , أو تقتلع ضرس مريض ما زالت جذوره سليمة .

   نداء ليس لصداه نهاية للقائمين على العملية التعليمية  إلى من يوكل على عاتقهم توفير استقرار المعلم , إلى رؤساء اللجان والمراقبين  والمصحيين, إلى حارس المدرسة  يوم الامتحان إلى كل فرد يمني , كيف لمحب وراجي الوطنالموموق , أن ينادي بالرفعة وهو أعلم بأساسه الواهن . كيف لقائد السفينة أن يجمع الحشود للوصول إلى بر الأمان وشقوق متن سفينته متشققة يتصدر الماء من خلالها إلى أعلى متنهاتسير نحو الغرق , أنّى  لرحلته البحرية  النجاح والوصول ..

  وقفة صدق مع أنفسنا لنعرف أنّ ما غرسنا لوطننا أول من سيناله أبناؤنا  سيذوقون ..حلوه ومره  , متانته ووهنه   ..

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى