الكلمجتمع مدني

كلمة القائم بأعمال رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية إلى اللقاء التنظيمي لعدد من الفروع

ألقى الأستاذ القاسم بن علي الوزير القائم بأعمال رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية كلمة مسجلة عبر الانترنت في اللقاء التنظيمي لعدد من فروع الاتحاد في المحافظات الذي عقد في مقر الاتحاد الرئيسي بالعاصمة صنعاء يوم الاثنين الموافق 25 / 9 / 2017 م ..

نص الكلمة :

بسم الله الواحد العدل، نستمد من وحدانيته سبحانه وتعالى وحدة القلوب، ووحدة الصفوف، ووحدة الأمة، وننطلق من عدله عز وجل لتحقيق العدل على كل مستوياته لعباده الذين كرمهم بخلافته على الأرض..

وبالصلاة والسلام على نبي الرحمة والعدل، ورسول الحرية والكرامة والمساواة، صلى الله عليه وآله..

يسعدني أيها الأحبة أن أتحدث إليكم اليوم وفي لقائكم هذا في فترة هامة من تاريخ الاتحاد، وعلى مفترق طريق شائك من مسيرته، وفي فترة هامة  كذلك من تاريخ الأمة وجهادها المجيد والمرير والطويل من أجل سيادتها على نفسها وامتلاكها لمصيرها وتحقيقها لأهدافها حتى تأخذ مكانها اللائق بها وبتضحياتها.. ولقد قطع طريقها إلى ذلك عدوان ظالم واقتتال داخلي متوحش أصاب الحاضر، كما أصاب المستقبل، بجروح عميقة وتشوهات شتى على كل مستوى، يتطلب علاجها وحدة في الصفوف وائتلافا في القوى على أساس وطن للجميع تنتفي فيه نزعة الإقصاء ورغبة الاستحواذ على السلطة والثروة، ويسلم الجميع للجميع بالحقوق المتساوية، والواجبات المتساوية، والمواطنة المتساوية، في وطن حر لمواطنين أحرار.

أما الأهمية الخاصة بالاتحاد فتأتي من طبيعة هذه المرحلة ذاتها وما تفرضه من أعباء وتتطلبه من جهد وتضحية وعمل دؤوب لتحقيق السلام العادل على تلك الأسس، لتتمكن جميع القوى من بناء الوطن الحر السعيد لمواطنين أحرار وسعداء.

وعلى الصعيد ذاته فإن الأهمية الخاصة أيضاً تأتي من ضرورة تطوير وسائل العمل، وتطوير بناء الذات الاتحادية فكراً وأسلوبا، بناءً يرتفع إلى مستوى المسؤولية تجاه واقع الأمة.

إن حزباً لا يجدد وسائله بمقتضى حاجته على نحو دائم يتجمد ويتخشب ويفقد فاعليته.. إن الأهداف تبقى ثابتة وتتطور الوسائل.. وإن القيم العليا تبقى حاكمة وتتجدد الأساليب بما يحققها على مستوى الذات وعلى مستوى المجتمع.

تعرفون جميعاً أن الاتحاد قد أعلن عن نفسه  بصيغته الحاضرة في مدينة عدن الحبيبة في عام 1961، ولكنه كان من الناحية الموضوعية والتاريخية استمراراً لتنظيمات متواصلة متجددة منذ ثورة 1948م، حتى إذا اجتمعت القوى المتقاربة في الرؤى المتفقة على الأهداف، بصرف النظر عن الميول الذاتية، عام 1961 أعلن اتحاد القوى الشعبية عن ميلاده في بيان تاريخي ما يزال وقع صداه ينداح في سمع الزمن.

وانطلاقاً من مبدأ الحرية العميق والعريض حدد الاتحاد أهدافه في:

1 – التحرر من الاستبداد الداخلي والاستعمار.

2 – إقامة نظام جمهوري ديمقراطي شعبي عادل.

3 – تحقيق العدالة الاجتماعية الكاملة.

4 –  تحقيق الوحدة اليمنية وصولاً للوحدة العربية  ضمن أو في سياق الأمة الشامل إن شاء الله.

وقد ظل الاتحاد يناضل من ذلك الحين من أجل أهدافه تلك بشكل مستمر وبدون انقطاع دون أن يتوقف أو يهادن على هول ما نزل به من فداحة  وما حاق به من خطوب وابتلاء على تعاقب الأنظمة والحكومات، معلناً بذلك كله أن الحق يعلو ولا يعلى عليه وان طال الزمن، وإن الثبات على المبادئ هو وسيلة انتصارها، وأن المساومة عليها هو طريق هزيمتها، ومن حق كل عضو من أعضاء الاتحاد أن يرفع رأسه عالياً في شمم وكرامة بما حققه اتحاده وبما أنجزه،  وأن يجدد العزم على المزيد من الجهد والمزيد من الثبات والمزيد من التضحية، من أجل المبادئ التي يقوم عليها حزبه، ويجاهد من أجل تحقيقها، لأن المرحلة القادمة تتطلب ذلك، وأن عليه اليوم أن يواصل طريقه كما على كل القوى الوطنية كافة مهمة النضال من أجل السلام وصولاً إلى تحقيق الهدف المستمر، ونعني به العدل السياسي والعدل الاجتماعي والعدل المالي والعدل القضائي الذي يشكل قوام النظام المنشود والمجتمع المأمول.

إن الاتحاد كما تعلمون هو أعرق الأحزاب الموجودة وأعمقها جذوراً، ومنذ أول يوم أعلن فيه مبادئه ورفع شعاراته في الحرية والجمهورية والوحدة والعدالة الاجتماعية وهو ماضٍ في طريقه، رافعاً أعلامها مردداً أناشيدها مقدماً على ساحاتها التضحيات الجسيمة.

واليوم حين ننظر وراءنا لأكثر من ستين عاماً لابد أن نشعر بالاعتزاز الكبير لذلك التراث الضخم من الجهاد والتضحيات والمواقف والأعمال والمواجهات الشجاعة لكل ضروب العسف والتأمر والتنكيل والاضطهاد التي صبته عليه مختلف العهود، فلم يضعف ولم يهن ولم يساوم مرة ولم يفرط  ولم يتخل قط عن مبدأ أو يتأخر عن واجب أو يحجم عن تضحية.. لقد مضى أبدا على طريق الولاء لمبادئه والجهاد من أجل انتصارها تحقيقاً لكرامة الإنسان وحقوقه، غير ناظر إلى مصلحة إلا مصلحة الأمة ولا متحيزاً لجهة إلا جهة الشعب ولا طالب لمكسب إلا حرية الإنسان وكرامته وحقوقه التي لا تتحقق بغير الشورى في الأمر، والعدل في المال، والخير في الأرض.

إنني بهذه المناسبة أود أن أركز على أمرين اثنين:

أولهما: أن الأحزاب والحركات التاريخية عامة إنما تقاس بأفكارها وبرسالاتها، لأن عظمة الرسالة إنما تنبثق من طبيعة الأفكار، ولأن قوة الأفكار هي التي مع الزمن تشكل الحقيقة الكبرى التي تصنع التاريخ.

وثانيهما: أن الزمن هو المختبر الحقيقي لا لصحة الأفكار فقط، وإنما لفعاليتها كذلك، وإنه على هذا الأساس لا ينظر إلى العمل السياسي من خلال ظرف عابر وإنما من موقعه في صميم حركة التاريخ.. إن حركة التاريخ تتجه دائماً إلى الأمام والأفكار التي تنسجم مع هذه الوجهة هي الأفكار المستقبلية التي يتقدم بها التاريخ إلى الأمام.

في ضوء ذلك آثر اتحادكم منذ البداية أن يكون حزب فكر مستقبلي – إذا صح التعبير – بمعنى أنه آثر منذ البداية أن يقيم بناءه على الأفكار باعتبار ذلك هو الأساس لتغيير ما في أنفس الناس، ومن ثم تغيير الإنسان الذي يتغير به المجتمع، ولأن تغيير المجتمع إلى الأفضل هو الهدف النهائي للجهد السياسي، فإن التنوير الفكري كان وما يزال هو العمل اليومي للاتحاد.

من أجل ذلك لم ينشغل الاتحاد بأمر الوصول إلى حكم أو المشاركة فيه، لأن الأهم كان وما يزال هو ترسيخ مفهوم إنساني شرعي حضاري للحكم يتواضع عليه مجتمع مع واجباته وحقوقه معاً، وتأهل بذلك بانجاز مشروعه بنفسه على صورة نفسه ذاتياً وبإرادته المستقلة الحازمة.

ومن أجل ذلك أيضاً حرص الاتحاد على اجتناب كل المعارك الصغيرة والحقيرة والنأي بنفسه ومبادئه عن المزايدات والمساومات وانتهاج الوسائل التحريضية التي لا تتورع عن الخوض في النعرات المفرقة، سلالية أو مذهبية أو عشائرية أو مناطقية أو حزبية، بل اتخذ منها موقفاً صارماً لا لبس فيه ولا غموض.

نعم.. أيها الأحبة، نستهل مرحلة جديدة عامرة بالمُثل والأمثلة لأنفسنا وللآخرين، لتنظيمنا ولكل تنظيم يريد أن يجدد نفسه ويعمق جذوره ويصون بنيانه ويكفل استمراره ونجاحه ومستقبل رسالته.

إن الحزب الناجح هو فكر حي منطلق من عقيدة راسخة، معبراً عن مصالح فئة أو طبقة أو مجتمع برمته وفق رؤية عميقة واقعية شاملة.. ثم هو بعد ذلك مجموعة من بشر يؤمنون بتلك العقيدة إيماناً صادقاً ويعتنقون ذلك الفكر اعتناقاً واعياً ويعملون من أجل أهدافهم عملاً مخلصاً، ثم هو بعد ذلك نظام يلتزم به الجميع طواعية عن اقتناع لا عن قهر، وعن ولاء لا رغبة في مكسب أو رهبة من عقاب.

إن انتصار الأهداف هو المكسب الحقيقي، وان أشد ما يرهق هو الإفلاس الأخلاقي في أداء الرسالة على أي مستوى، وكما هو واضح لكل ذي عينين مبصرتين فإن الاتحاد قد تميز على نحو دائم بإيمانه العميق بالإسلام النقي منطلقاً لأفكاره ومبادئه وأعماله جميعاً في وعي لرسالته التي أرادها الله خالقه، وهي تحقيق العدل “ولقد أرسلنا رُسلنا بالبينات ليقوم الناس بالقسط”.. ونجح الاتحاد في بلورة وتأسيس فكر متنور على أساس ذلك، فكان العدل السياسي والعدل الاجتماعي والعدل المالي هو قوام ذلك الفكر الذي تجسد في منهج فكري واضح المعالم والخطوط، تحتل الحرية فيه موقع الطليعة الأول، ويشكل فيه الإنسان الهدف الأقصى، وبذلك كان الاتحاد وما يزال تعبيراً عن مصالح المجتمع برمته لا مصلحة فئة بعينها أو طبقة بذاتها أو جهة أو منطقة ما، باعتباره مستهدفاً الإنسان من حيث هو انطلاقاً من فهمه لقيم الإسلام الخالد ورسالته، وانسجاماً مع الفكر الذي يعتنق ويبشر به ويكوّن عناصر رؤيته العميقة الشاملة لمشاكل المجتمع وحلولها، ولفهم ماضيه واستيعاب حاضره وبناء مستقبله.. ثم ها أنتم تمثلون هذه الصفوة من المؤمنين بتلك الرسالة وذلك المنهج.. وهكذا نرى، ولله الحمد والشكر، كيف اكتملت لاتحادكم هذا مكونات التنظيم أو الحزب الناجح بذاته وقوامه وأهدافه.

إن الاتحاد كأي حزب حقيقي هو تجمع طوعي ينضم إلى صفوفه من يختار الانضمام بحرية اقتناعاً برسالته فليس لديه حكم يغري أو سلطة ترهب، إنه لا يملك غير أفكاره، إنها عملته التي يتعامل بها، ولذلك يجب أن يعتمد على نفسه في تسيير أموره وتدبير شؤونه معتمداً على أعضائه وعلى قيم التضحية والبذل والعطاء والإيثار، كل وما يستطيع، مالاً أو وقتاً أو جهداً أو تنظيراً، بحيث يتحقق التكامل الذي يغنيه عن أي مصدر غير نفسه وبذلك يصون استقلالية قراره كما كان شأنه منذ نشأته بفضل روح التضحية البالغة من أعضائه القادرين على كل مستوى.

وإذا كان الاتحاد في الفترة الماضية كلها على مدى ما يزيد على نصف قرن قد اختار مرحلة إثبات الوجود وبلورة الفكر ورسم الأهداف وتجليتها للناس والخروج من كل المراحل والمأزق نظيفاً من كل شائبة مستقيماً على مبادئه لم يمل به ترغيب ولم يثنه ترهيب على كثرة ذلك وقسوة هذا، وإذا كان الاتحاد قد استطاع أن يحافظ على صوته عالياً ومدوياً على رغم من كل ما لاقاه من ألوان العسف وضروب المحاربة التي شُنت عليه دون هوادة وضراوة الهجوم الإعلامي من كل صوب، إذا كان ذلك صحيحاً – وهو كذلك – فإن الاتحاد اليوم يقف أمام مهمة جديدة بالغة الأهمية هي استكمال بناء الذات ومن ورائه هذا التراث الضخم والتاريخ الحافل من التجارب والأمثلة والتضحيات والإخفاق والنجاح التي تسلحه بالوعي وتزوده بالنضج وتمده بالطاقة.

وفي هذا فإن علينا دائماً أن نتذكر أن العضوية أمانة، والانضمام طوعي، ولذلك هو رسالة تُؤدى لا وظيفة تُشغل وأن الانتماء عمل دائب لا بطاقة تحمل، وتضحية بمال عند من يجد، ووقت عند من لا يملك مالاً، وجهد دون توقفاً في كل حال.

إن الاعتماد على النفس مالياً هو من أهم شروط النجاح، لهذا يجب إيلاء هذه المسألة غاية اهتمامكم، إن اعتماد مبدأ التضحية والتطوع أمر ضروري ومطلوب، ولكن إلى ذلك لابد أن ندرس بجدية كاملة مصادر تمويل ذاتي، وبالتفكير والبحث عن هذه المصادر في أشكالها المختلفة المشروعة لابد من العثور على وسائل تحققها.

إن علينا جميعاً أن نرتفع إلى مستوى الأهداف النبيلة التي نمثلها، والأفكار الجميلة التي نبشر بها صدقاً مع الله عز وجل وصدقاً مع النفس وصدقاً مع المجتمع الذي نعمل من أجله.

أيها الأحبة.. اسمحوا لي وقد وصلنا إلى هذه النقطة وقد ذكرنا باختصار المواقف والتضحيات الباسلة أن نتذكر بالإجلال والاعتبار والاقتدار الآباء المؤسسين الذين أسسوا وقادوا الركب وصبروا وصابروا وآثروا المبادئ على المصالح، والتضحيات على النكوص، والعناء والقتل على الاسترخاء والاستسلام للأمر الواقع، نذكر المؤسس العظيم إبراهيم – رحمه الله – ونذكر معه زملاؤه الأبرار، الذين ما تزال أشعة ذكراهم تنير السبيل: علي عبد العزيز نصر، عباس الوزير، محمد الواسعي، طه مصطفى، أحمد الجرموزي، أمين هاشم، محمد المتوكل، وغيرهم، وغيرهم..  فلنقف ونقرأ فاتحة الكتاب على أرواحهم، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يمن بالصحة والعافية على الأمين العام المجاهد البارز، بقية السلف، محمد الرباعي، أحد الرواد الكبار والمؤسسين العظام.

وأريد بهذه المناسبة أن أحييكم جميعاً وان أدعو لكم بالتوفيق والنجاح والسير الدائب على نفس الطريق المضيء الذي سلكه إخوانكم الذين من قبلكم..

وفق الله خطانا جميعاً على طريق الخير والسلام ومن أجل تحقيق: الشورى في الأمر، والعدل في المال، والخير في الأرض.. والله معكم.. وإلى اللقاء إن شاء الله في حديث قادم.. متمنياً لكم أطيب التمنيات.

إننا في الأخير لسنا مع أحد ولسنا ضد أحد، إننا مع الحق حيث نراه، وضد الباطل حيث نراه، لا يهمنا من يحكم، ولكن يهمنا كيف يحكم، وعلى ذلك فإن المبادئ وحدها هي التي تسيرنا وتحكم سلوكنا وخطانا.. والله يوفقكم ويرعاكم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


*
فرغها من تسجيل الفيديو: محمد علي المطاع

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى