قراءة للواقع السياسي والعسكري في الصراع الحالي

قراءة للواقع السياسي والعسكري في الصراع الحالي
- أمين الجبر
السبت14يونيو2025_
التعاطف الانفعالي المفرط مع العدوان الإسرائيلي على إيران: موقف غير استراتيجي يفتقر إلى الحكمة السياسية..
إن المبالغة العاطفية التي يبديها بعض الأفراد والجهات تجاه ما تتعرض له إيران من عدوان إسرائيلي، بغض النظر عن خلافاتهم معها، لا تعبر عن رؤية سياسية متزنة أو موقف أخلاقي رصين، بل تكشف عن سطحية في التحليل، وسذاجة في التعامل مع المستجدات الإقليمية. فهذا النهج الانفعالي يظهر افتقارا إلى أبسط مقومات الوعي الجيوسياسي، ويعكس تعاملا هشا مع مفاهيم الدبلوماسية والصراع الاستراتيجي، حيث يتم اختزال قضايا مصيرية في إطار ردود أفعال عاطفية ضيقة الأفق.
إن التسرع في إصدار الأحكام، والانحياز العاطفي غير المحسوب، يدل على غياب الرؤية الإستراتيجية والحس السياسي الناضج. فهذه التصرفات لا تمتلك أي بعد تخطيطي، بل تقفز إلى المشهد كردة فعل آنية، وكأن الأمر مجرد منافسة رياضية، وليس صراعا وجوديا ستكون له تداعياته العميقة على المنطقة بأكملها. والحقيقة أن هذا العدوان على إيران، هو جزء من حرب إقليمية متعددة الأبعاد، ستؤثر حتما على الأمن القومي العربي والإسلامي، وسيكون لها انعكاساتها الخطيرة على المدى البعيد.
ومن هنا، فإن الواجب يقتضي التعامل مع هذه الأزمة بمنتهى الجدية والمسؤولية، بعيدا عن الانفعالات العاطفية أو التبسيط المخل. وعلى النخب السياسية والفكرية، وخاصة في العالم العربي، أن تدرك خطورة المرحلة، وأن تتعامل مع هذه الحرب ليس كحدث عابر، بل كمعركة إستراتيجية ستعيد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات في المنطقة.
إذا كنتم غير قادرين على اتخاذ موقف واضح ضد العدوان الإسرائيلي، فعلى الأقل لا تتحولوا إلى أدوات طوعية في خدمة أجندته، سواء بقصد أو دون قصد. فالساحة الإقليمية ليست مكانا للعواطف العابرة، بل لصراع مصالح تتطلب حكمة وحنكة سياسية. والانجراف وراء الخطاب الانفعالي ليس إلا دليلا على قصر النظر، وغياب الإدراك لمخاطر اللحظة التاريخية التي نعيشها.
إن الموقف العقلاني يتطلب قراءة متأنية للمشهد، ورفضا قاطعا لأي عدوان خارجي، بغض النظر عن الجهة المستهدفة. لأن الاستهانة بخطورة العدوان الإسرائيلي، أو التعامل معه بمنطق التشفي، هو انهزامية سياسية تخدم في النهاية الأجندة الصهيونية، وتضعف الموقف العربي والإسلامي في المعركة المصيرية ضد المشروع الاستعماري التوسعي.
وفي المقابل، وفي ظل التطورات الراهنة، على المتحمسين والمؤيدين لإيران أن يتحلوا بالحكمة والرصانة، وألا يغتروا بالتفاؤل المبالغ فيه، إذ إن المعركة لا تزال في مراحلها الأولى، وتحمل في طياتها الكثير من المتغيرات والمفاجآت التي قد تعيد رسم المشهد بشكل جذري. من الضروري قراءة الواقع السياسي والعسكري بعين العقلانية والمنطق، لا بعين العاطفة والانفعالات التي قد تعمي البصيرة.
لا ينبغي التقليل من شأن العدو، الذي يمتلك قدرات عسكرية متقدمة مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وهو ما يجعل المعركة قائمة على ميزان قوى حقيقي، لا مجرد أماني أو شعارات دينية أو دعوات معنوية. فالحرب ليست نزاعاً مقدساً يُقاتل فيه أحد الأطراف نيابة عن قوى إلهية، بل هي صراع إرادات بشرية متضادة، ومصالح وطنية وإقليمية متشابكة، تغذيها أيديولوجيات متصارعة، وتترجمها لغة القوة والسلاح.
نحن نميل إلى دعم إيران لأسباب دينية وإنسانية، كونها الطرف المعتدى عليه وليس المعتدي، لكن منطق القوة وكفاءة السلاح هو الذي سيحسم المعركة بشكل قاطع ونهائي، بغض النظر عن الأماني والرغبات. وفي هذا السياق، هناك رأي متزايد يؤكد أن الحرب قد وصلت إلى نقطة النهاية، وأن السيناريو المخطط له مسبقاً يهدف إلى إبقاء الوضع الراهن، خدمة لمصالح الأطراف والقوى الكبرى، التي تسعى إلى استثمار حالة الصراع في ابتزاز الخصوم، والحد من صعود قوى أكثر راديكالية وعنفاً.
لذا، ندعو إلى التروي والتعقل، وضبط الحماس، وعدم الانجرار وراء التفاؤل المفرط أو التهويل، لأن الموازين العسكرية والسياسية وحدها هي التي ستحدد مصير هذه المعركة، في ظل واقع إقليمي ودولي معقد ومتغير.
اقرأ أيضا للكاتب:أحداث ما بعد 7 أكتوبر بين المبتهجين والحزانى
