كتابات فكرية

السفير عبدالله صبري يكتب عن انتصار غزة

السفير عبدالله صبري يكتب عن انتصار غزة

غــزة انتصرت وانـتصرت

  • عبدالله علي صبري

الأربعاء22يناير2025_  

   انتصرت غزة منذ الساعات الأولى لطوفان الأقصى، فقد كانت العملية نوعية جدا واستثنائية جدا، وقيل منذ لحظاتها الأولى أن ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله. وانتصرت غزة لأنها كانت جاهزة شعبيا وعسكريا وسياسيا وإعلاميا لخوض معركة طويلة المدى، لكن غير متكافئة، وتحت حصار خانق وشامل.

انتصرت غزة لأن أبطال القسام وسرايا القدس، وكل المجاهدين في بقية الفصائل، كانوا يستعدون للالتحام مع العدو من المسافة صفر أياً كانت الظروف، ومهما اشتدت وحشية وضراوة العدوان، مقبلين غير مدبرين ومرابطين في متارسهم لا يبرحونها إلا وبنادقهم في صوب جنود وضباط العدو ومدرعاتهم.

انتصرت غزة لمَا هرع القادة الأمريكيون إلى تل أبيب يعرضون كل أشكال الدعم حتى لا ينهزم الكيان الصهيوني، وينذرون العالم وكل من سيتحرك دعما لفلسطين وغزة، أن الحرب حرب أمريكا وحرب الغرب الأوروبي وحرب حلف الناتو أو الأطلسي، وأنهم سيحمون ظهر إسرائيل حتى يتفرغ جيشها وقياداته المجرمة للتنكيل بكل المدنيين في غزة رجالا ونساء وأطفالا.

انتصرت غزة وعشرات الآلاف ينزحون مرة إثر أخرى من شمال القطاع إلى الوسط وإلى الجنوب أو العكس، في رحلات بحث شاقة عن مكان آمن، لكن في داخل غزة نفسها، فأفشلوا مخطط التهجير القسري، وتحملوا كل الأهوال غير المسبوقة في تاريخ الحروب والصراع مع العدو الصهيوني، وظلوا ثابتين رغم الجوع والبرد ووحشة الطريق. وعندما توقفت الحرب ومع الدقائق الأولى من سريان الاتفاق، خرجوا بالآلاف فرادى وجماعات محتفلين بالنصر ومستعدين للعودة إلى الأحياء المدمرة، وبقايا منازل تكاد أن تكون يبابا.

وانتصرت غزة لأن أبطال المقاومة خرجوا في اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار بكامل عتادهم ومركباتهم، يستعرضون قوتهم وكأن الحرب لا تزال في أيامها الأولى.

انتصرت غزة وقد وزعت صفقة تبادل الأسرى الفرحة الكبرى على المقدسيين قبل الغزاويين، وعلى فتح قبل حماس، في لوحة وطنية راهن العدو على طمسها وقد ورط السلطة الفلسطينية في حرب موازية على كتائب المقاومة في جنين والضفة الغربية.

انتصرت غزة حين زفت قادتها إسماعيل هنية ويحيى السنوار وصالح العاروري شهداء على طريق القدس، فلم يهنوا ولم يفشلوا، بل استمر الأداء العسكري في تصاعد مستمر نوعا وكما طيلة 15 شهراً، حتى في جباليا وشمالي القطاع، حيث كانت ” خطة الجنرالات ” تستهدف كل ما يدب في الأرض صغيرا أو كبيرا بشرا أو حجرا.

وانتصرت غزة لأن المفاوض الفلسطيني والأداء السياسي لحركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية بفرعيها مع بقية الفصائل، كانت كلها على قلب رجل واحد، لكنه قلب رابط الجأش صلب المراس، لا يهادن ولا يساوم.. ولا ينخدع بالإغراءات أو يستجيب للتهديدات، فكانت النتائج في مستوى التضحيات والتطلعات، على عكس ما سعى إليه المجرم نتنياهو، حين أعلن عن أهداف عالية السقوف ولم يحصد سوى السراب والحتوف.

انتصرت غزة لأنها أفشلت مخطط العدو الصهيوأمريكي، فلم تنصاع لمطالب إطلاق الأسرى إلا بصفقة تبادل عادلة ومشرفة، ولم تقبل بتسليم أسير واحد تحت النار، ولم تخضع لأية إملاءات بشأن إدارة غزة في اليوم التالي لإيقاف الحرب ورفع الحصار. وانتصرت غزة لأن إرادة شعبها ومقاومتها كانت الأمضى والأقوى، ولأن الإيمان بالله وبالنصر كان سلاحها وذخيرتها على مدى 471 يوماً. 

وانتصرت غزة حين وقف قادتها السياسيين والعسكريين شامخين رافعي الرؤوس والهامات، يزفون النصر للأمة كل الأمة، ويخصون بالتحية إخوان الصدق في اليمن ولبنان والعراق وإيران، حيث كانت جبهات الإسناد جزءا من مشهدية النصر الكبير. 

اقرأ أيضا للكاتب:طريق_القدس .. لماذا يهودا والسامرة وليس الضفة الغربية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى