كتابات فكرية

تفعيل هيئة رفع المظالم

تفعيل هيئة رفع المظالم

*عبدالرحمن علي الزبيب

هيئة رفع المظالم – قضاء المظالم –   ضمن مكتب رئاسة الجمهورية منذ القرن الماضي و مازالت موجودة في اليمن رغم الصعوبات والمعيقات التي تعيق دورها ولكنها تقوم بدور إيجابي وفقا للصلاحيات والمهام والقدرات المتاحة لها لتحقيق العدالة والإنصاف..

 فالعدل أساس الحكم ويفترض أنها هيئة استثنائية بصلاحيات استثنائية رادعة وقوية .

كلما يتم الطرح لتفعيل هيئة رفع المظالم وتوسيع صلاحياتها ترفض مؤسسات الدولة التعاون معها وتشكو  تعارضها مع صلاحياتها وفي مقدمتها مؤسسات القضاء الذي تعتبر عملها معيق لها وهذا مفهوم خاطئ، والعكس هو الصحيح دور هيئة رفع المظالم هو رديف ومساند لمؤسسات الدولة للقيام بدورها دون انحراف أو تجاوز أو إخلال ودورها تكميلي لدور المؤسسات الأخرى.

 يظهر التعارض في الصلاحيات عند عدم قيام مؤسسات الدولة بدورها القانوني وانحرافها فتخشى تلك المؤسسات من كشف انحرافها وتتصور إجراءات هيئة رفع المظالم ضدها استهداف مباشر من هيئة رفع المظالم .

من أهم واجبات مؤسسات الدولة حل النزاعات بين المواطنين وتحقيق العدالة والأمن في المجتمع وفق عمل مؤسسي منظم تتوزع في ثلاث سلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ولكن ؟

مؤسسات الدولة قادرة على العمل والقيام بدورها في الوضع الطبيعي عندما يكون أطراف الخصومة والنزاع متساوون ولكن … عندما يكون هناك اختلاف كبير بين طرفي النزاع بأن يكون أحد الأطراف نافذ ( ذا سلطة أو مال أو جاه ) والطرف الآخر مستضعف وفقير لاسلطة له ولا مال ولاجاه يكون العمل صعب لدى مؤسسات الدولة الطبيعية ولا يكون هناك عدالة و إنصاف ومساواة في التعامل بين الطرفين لذلك .. ولمعالجة هذه الإشكالية تم إنشاء مؤسسة استثنائية تهدف الى ردع النافذين الظالمين وإنصاف المظلومين المستضعفين بإجراءات حازمة ورادعة تمنع إفلات المجرمين النافذين من العقاب وهي هيئة رفع المظالم وهي تجربة إيجابية مستوحاة من قضاء المظالم في التاريخ الإسلامي القديم الذي كان له دور كبير في كبح جماح الظالمين وإنصاف المظلومين  …

ولكن بسبب ظروف الحرب الذي يعاني منها اليمن تراجع وضعف دور مؤسسات الدولة وفي مقدمتها هيئة رفع المظالم والذي تم حصرها في صندوق بريد يستقبل شكاوى المواطنين المستضعفين وتحيلها بمذكرات للجهات الرسمية ..

بإمكان هيئة رفع المظالم القيام بدور إيجابي وعظيم لتجفيف منابع الظلم والاستبداد وتنصف المظلومين المستضعفين وتلجم الظالمين النافذين إذا وجدت الإرادة العليا لتحقيق ذلك وتزامن مع تلك الإرادة توفير الإمكانيات والقدرات اللازمة للقيام بدورها الإيجابي ..

هناك ملفات ومظلوميات كبيرة لاتستطيع مؤسسات الدولة معالجتها وتحتاج لمؤسسات استثنائية تملك صلاحيات استثنائية بكادر قوي وإمكانيات كبيرة وصلاحيات واسعة تضبط وتردع النافذين دون تمييز ولا استثناء ودون قيود بفتح تحقيقات واتخاذ إجراءات ردع وضبط عاجلة  والتعميم لجميع سلطات الدولة ( التشريعية – التنفيذية – القضائية )  للتعاون مع هيئة رفع المظالم وتسهيل مهامها ..

ويفترض إن تعمل هيئة رفعه المظالم في مسارين متوازيين :

المسار الأول : الشكاوى الفردية

استقبال شكاوى المواطنين الفردية  ضد النافذين ودراستها وفتح تحقيقات واتخاذ إجراءات عاجلة فيها لإنصافهم .

المسار الثاني : القضايا والملفات العامه

لايتوقف عمل هيئة رفع المظالم فقط في استقبال الشكاوى الفردية رغم أهميته بل أيضا يشمل عمل الهيئة القضايا العامة والمظلوميات العامة باتخاذ إجراءات عامه لمعالجتها وتجفيف منابعها وإجراءات وقائية تمنع تكرارها ومن تلك المظلوميات العامة:

1-مظلوميات جنوب اليمن وفي مقدمتها ( الأرض والوظيفة العامة ) .. عقب حرب 1994م في اليمن حصل إقصاء واستبعاد للكوادر والموظفين الجنوبيين من قيادات الدولة والمؤسسات والموظفين في الهيكل العام للدول وفي جميع مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية وكذلك نهب والاستيلاء على أراضي الجنوب العامة والخاصة وقد تم عام 2013م أثناء الحوار الوطني الشامل تشكيل لجنتين قضائية رئاسية لمعالجات مظلوميات الجنوب اللجنة الأولى لمعالجة مظلوميات الموظفين والثانية مظلوميات الأراضي وقطعتا تلك اللجان شوط كبير في استلام ملفات وشكاوى المظلومين في الجنوب وتعثرت تلك اللجان في إنشاء صندوق مستقل للتعويضات تساهم الدولة فيها وأيضا المانحين ويتم إدارة الصندوق بشكل مستقل عبر الأمم المتحدة … مازالت تلك اللجان قائمة ولكن بسبب تعثر صندوق التعويضات المستقل تعثرت مخرجات معالجات تلك اللجان الذي استلمت ووثقت حوالي ربع مليون ملف شكوى وتظلم ارض ووظيفة عامه في عموم محافظات الجنوب …

بالإمكان إيلاء تلك اللجان اهتمام وضمهما ضمن هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية ومنحهما صلاحيات وإمكانيات واسعة والسعي لاستكمال جهود إنشاء صندوق التعويضات المستقل وان يتم الاستفادة من التجربة والخبرات الواسعة الذي تراكم لدى تلك اللجان في أي لجان أخرى مع التأكيد على ان عملهما فقط حقوقي إنساني وليس له أي تدخل في المجال السياسي وحق الشعوب في تحديد مصيرها بحرية ودون أي ضغوط.

2-قضايا المواريث والتركات الشرعية :

من أكثر المظلوميات انتشاراً في اليمن هي قضايا المورايث و التركات الشرعية الذي أغرقت مؤسسات القضاء بعشرات آلاف الملفات دون معالجة عاجلة والذي تمتد تلك القضايا لسنوات طائلة ويكتنفها كثير من الاختلالات والفساد بسبب استيلاء احد الورثة على التركة وحرمان بقية الورثة من حقوقهم وعدم قدرتهم على المطالبة بها عبر القضاء .

بإمكان هيئة رفع المظالم ان يكون لها دور إيجابي في ملفات المواريث والتركات الشرعية وتوقيف جميع قضايا المواريث والتركات في القضاء وإحالتها لهيئة رفع المظالم الذي تخصص لها قطاع مستقل متخصص في نظر ومعالجة نزاعات المواريث والتركات الشرعية بإجراءات عاجلة وسريعة ودون أي تباطؤ وبما يحافظ على حقوق الجميع وتمكين جميع الورثة من حقوقهم الشرعية بشكل عاجل والفصل في تلك النزاعات خلال ثلاثة أشهر على الأكثر باستقبال الشكاوى وعقد اجتماع تصالحي مع جميع الورثة وحجز كافة التركات المتنازع عليها مع التمكين الفوري لهم في منافعها من إيجارات وغلول وعدم حجز منافعها والحفاظ عليها من أي اعتداءات او استيلاء او عبث باعتبار قضايا المواريث قضايا واضحة لاتستدعي التقاضي والنزاعات ..

قضايا المواريث والتركات الشرعية لغم مجتمعي خطير فكك الآلاف الأسر اليمنية وحرم الضعفاء من نساء وأطفال ومستضعفين من حقوقهم وعجز القضاء عن معالجة هذا الملف بشكل عاجل ومنصف رغم أن المورايث والتركات واضحة لاتحتاج لنزاع قضائي وإنما إجراءات عاجلة وسريعة لردع الضالمين المسيطرين عليها وتمكين المستضعفين من حقوقهم في وقت اقل وبشكل عاجل .

3-التصالح والتحكيم

معظم القضايا الذي تغرق القضاء حاليا في اليمن وبنسبة لاتقل عن 80% ثمانين في المائة منها تتمحور في عناد ومفاهيم خاطئة بين أطراف النزاع لو تم فتح بوابة التصالح فيها لعولجت تلك لقضايا بالتصالح دون الحاجة لاغراق القضاء بالآلاف القضايا التي لامبرر لها .

خصوصا وان مجلس القضاء الأعلى قد وافق على مشروع مقترح تفعيل العدالة التصالحية في جميع مؤسسات القضاء وإنشاء مكاتب تصالح يتم بذل جهود التصالح قبل إحالتها للإجراءات القضائية ..

بإمكان هيئة رفع المظالم بذل جهد لتحقيق العدالة التصالحية وان يكون للهيئة فروع ومكاتب في جميع مؤسسات القضاء وان يتم تفعيل العدالة التصالحية بشكل إيجابي ..

تعثر مشروع العدالة التصالحية في مؤسسات القضاء يعود لايكال القضاء لنفسه تنفيذ المشروع وهذا لن يتحقق والحل لتفعيلها هو باحاله المشروع لهيئة رفع المظالم وتنفيذه عبر مكاتب تابعه لها في جميع مؤسسات القضاء ..

كما أن التحكيم في اليمن يعاني من مشاكل واختلالات جسيمة ومخالفة للقانون وكثير من أحكام التحكيم يتم ابطالها او تثير المشاكل ولا تعالجها وهذه الإشكاليات في التحكيم تسببت في انحراف هدف التحكيم كوسيلة قانونية مستعجلة لحل النزاعات الى وسيلة خاطئة وبطيئة تثير المشاكل باختلالاتها ويعود سبب تعثر التحكيم في اليمن لعدم وجود جهة إشرافية على التحكيم وحصر دور القضاء في البت في طلبات التنفيذ او دعاوى البطلان فقط وبإمكان هيئة رفع المظالم ان يكون لها دور إيجابي في تفعيل التحكيم عبر قطاع متخصص في الهيئة يهتم بتدريب المحكمين واعتمادهم واتخاذ إجراءات رادعة ضد المخالفين للقانون .

4-فساد كبار شاغلي الوظائف العليا

قيد القانون اليمني صلاحيات الهيئات والأجهزة الرقابية الرسمية في التحقيق ومحاكمة كبار شاغلي الوظائف العليا ومنعها من التحقيق معهم ومحاكمتهم وتم إصدار قانون يمنح الحصانة لكبار شاغلي الوظائف لا العليا من نائب وزير وأعلى ..

ورغم المحاولات الحثيثة لتعديل قانون محاكمة شاغلي الوظائف العليا  وإخضاع الجميع للتحقيق والمحاكمة في وقائع الفساد دون تمييز ولا استثناء إلا إن تلك الجهود تعثرت والحل لذلك هو في إحالة قضايا فساد شاغلي الوظائف العليا إلى هيئة رفع المظالم باعتبارهم ذوي نفوذ وشاغلي وظائف عليا وهو من صميم عمل هيئة رفع المظالم – قضاء المظالم – لتقوم الهيئة بدورها بإجراءات إيجابية بالتعاون مع الأجهزة الرقابية الرسمية لضبط كبار الفاسدين وردعهم واسترداد أموال الشعب المنهوبة بإجراءات سريعة وعاجلة .

5-تفعيل صلاحيات رئيس الجمهورية القانونية في إعادة النظر في جميع الاحكام القضائية النهائية والباتة غير العادلة ..

يمتلك رئيس الجمهورية صلاحيات  قانونية واسعة في إعادة النظر في الأحكام القضائية غير العادلة ورغم وجود هذه الصلاحيات الإيجابية الذي تخضع أحكام القضاء لرقابة خارجية تضبطها عند انحرافها عن هدفها في تحقيق العدالة وهنا دور رئيس الجمهورية هام لتصحيح الانحراف وإعادة النظر في جميع الأحكام القضائية غير العادلة وان كان رئيس الجمهورية حاليا يمارس هذه الصلاحيات بشكل محدود جداً ويستلزم توسيع تلك الصلاحيات وتسهيل إجراءات رفع المواطنين التماسهم لرئيس الجمهورية وتسريع مجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا إجراءاتها القانونية للبت في تلك الالتماسات بشكل عاجل وشفاف

ولن يتحقق ذلك مالم يتم تفعيل دور هيئة رفع المظالم في هذا الإجراء الإيجابي وتمكين فروع الهيئة في المحافظات من استقبال التماسات إعادة النظر في الاحكام القضائية في جميع المحافظات وبإجراءات سهله وسريعة ودون الحاجة لرفعها للمقر الرئيسي للهيئة في العاصمة .

6-الدور الإعلامي والتوعوي لرفع المظالم

خلق بيئة طاردة ونابذه للظلم والفساد والاستبداد لن يتحقق في المكاتب المغلقة لهيئة رفع المظالم في مكتب رئاسة الجمهورية بل في المجتمع ولن يتحقق ذلك إلا بتفعيل الدور الإعلامي الإيجابي لتوعية المواطنين بحقوقهم القانونية ونشر صلاحيات الهيئة بشكل مستمر وأيضا القضايا المنظورة واليات المعالجة والمشاكل والحلول والتغطية الإعلامية للندوات وورشات العمل الذي تنفذها الهيئة وكذلك القضايا الذي تم معالجتها والقضايا الذي هي طور الحل  واليات رفع الشكاوى والتظلمات والوثائق المطلوبة والإجراءات الذي ستقوم بها الهيئة لمعالجتها وعرضها على الرأي العام عبر وسائل الإعلام بتخصيص برنامج أسبوعي في جميع وسائل الإعلام يتم فيها عرض واستعراض ومواكبة كل ذلك وبما يعزز من ثقة المجتمع في الهيئة وتفعيل الشفافية الشاملة في أجراءتها  .

7-الدراسات والبحوث

لايتوقف دور هيئة رفع المظالم فقط في استقبال الشكاوى والبلاغات والتظلمات الفردية والعامة والتحقيق فيها ومعالجتها بل يستلزم أن يكون لها دور إيجابي لتجفيف مستنقعات الفساد والظلم والاستبداد بمعالجة جذورها وأسبابها بدراستها بشكل مهني ومستقل و تشخيص الأسباب واقتراح الحلول والمعالجات والتنفيذ السريع لتلك المعالجات وفقا لمصفوفات شفافة ومزمنة .

وفي الأخير :

نؤكد على أهمية تفعيل دور هيئة رفع المظالم في مكتب رئاسة الجمهورية  – قضاء المظالم – في اليمن للحد من تغول كبار الظالمين الفاسدين وإفلاتهم من العقاب بسبب نفوذهم وضعف المظلومين واستضعافهم وعدم قدرة الفقراء والمستضعفين من مواجهة كبار الظالمين وعدم قدرة مؤسسات وسلطات الدولة في لجم فسادهم واستبدادهم وظلمهم ..

إذا ما تم تفعيل دور الهيئة سيكون له أثار إيجابية على المجتمع وتعزيز ثقة المجتمع في مؤسسات الدولة وتفعيل دور مؤسسات وسلطات الدولة – التشريعية والتنفيذية والقضائية – الذي يعيق دورها ويشوهه نفوذ النافذين واستقاءهم بنفوذهم على مؤسسات الدولة هيئة رفع المظالم سترفع حمل ثقيل من على كاهل مؤسسات الدولة وتزيل العقبات وصعوبات النافذين من الفاسدين والمستبدين .

البداية تكون بإرادة حقيقية يواكبها عمل واجراءت متلاحقة تستهدف جميع الظالمين والمستبدين دون تمييز ولا استثناء .

ونأمل تفعيل هيئة رفع المظالم برئاسة الجمهورية لإنصاف المستضعفين.

أقرأ أيضا للكاتب:عشوائية وغياب معايير المباني في اليمن

*عبدالرحمن علي الزبيب

ناشط حقوقي اعلامي ومستشار قانوني – اليمن

Law711177723@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى