كتابات فكرية

هدنة الضرورة وصفقة التبادل

هدنة الضرورة وصفقة التبادل

 قراءة إستراتيجية لمناورات الاحتلال الإسرائيلي تحت ضغط المقاومة والحلفاء

بقلم الدكتور : عبدالرحمن المؤلف

الجمعة4يوليو2025_  

مقدمة

تشير التحركات الدبلوماسية المكثفة، والتسريبات الإسرائيلية المتزايدة، إلى اقتراب الإعلان عن صفقة تبادل أسرى جديدة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، برعاية أمريكية وقطرية. ورغم أن الاحتلال طالما رفض الخضوع لمعادلات حماس، إلا أن المتغيرات الأخيرة فرضت عليه واقعًا قاسيًا لا مفر من التعامل معه.

فما الذي يدفع الاحتلال إلى هذا الانفتاح؟ وما الذي تغيّر؟ وما هي السيناريوهات الممكنة على ضوء المعطيات العسكرية والسياسية الراهنة؟

أولًا: أسباب انفتاح الاحتلال الصهيوني على صفقة التبادل

1. الضغط العسكري من المقاومة

منذ بدء الحرب على غزة، تسببت عمليات المقاومة النوعية بسقوط أعداد كبيرة من جنود الاحتلال بين قتيل وجريح، ناهيك عن استمرار عجز الجيش الإسرائيلي عن السيطرة على أجزاء واسعة من شمال ووسط القطاع. العمليات اليومية التي تستهدف الجنود في الميدان جعلت ملف الجنود الأسرى أولوية داخل المؤسسة الأمنية.

2. الخسائر العسكرية ومحدودية الجاهزية

كشف التقارير العسكرية أن مخازن الأسلحة في الجيش الإسرائيلي تشهد انخفاضًا خطيرًا، خاصة في الذخائر الذكية والبطاريات الدفاعية. ومع محدودية الإنتاج المحلي وعدم جهوزية الصناعات العسكرية، أصبحت الهدنة المقترحة لمدة 60 يومًا فرصة حيوية لإعادة التزود والتأهيل.

3. فشل الرهان على الضربة الإيرانية

رغم إعلان ترامب عن نجاحه في ضرب منشآت إيرانية، إلا أن نتائج المواجهة بين إيران والاحتلال كانت كارثية على إسرائيل، وأظهرت هشاشة جبهتها الداخلية وسقف قدراتها المحدود في مواجهة قوة إقليمية كبرى.

4. الضغوط الأمريكية والقطرية المتصاعدة

كشفت شبكة أكسيوس والقناة 12 العبرية عن ضغوط أمريكية مباشرة يقودها ترامب، تزامنت مع ضغط قطري على حركة حماس، بهدف إعادة جميع الأطراف إلى طاولة التفاوض عبر اقتراح “مُحدّث” لا يتضمن تغييرات جوهرية لكنه يحمل مرونة شكلية تسعى واشنطن لتمريرها.

ثانيًا: ملامح الاتفاق المحتمل

وفق التسريبات:

هدنة لمدة 60 يومًا

إفراج حماس عن 10 أسرى أحياء و15 جثة

لا التزام إسرائيلي بوقف الحرب أو مفاوضات جدية لإنهائها

فتح المجال لمفاوضات غير مباشرة لاحقة بوساطة قطرية – أمريكية

وما يؤكد جدية الاحتلال في السير بهذا الاتجاه:

تصريحات ديرمر حول استعداد الاحتلال للتفاوض بشأن توزيع المساعدات ومواقع الجيش في غزة

صمت بن غفير وسموترتش عن رفض المبادرة علنًا، مما يعني قبولًا ضمنيًا بناءً على حسابات داخلية.

ثالثًا: السيناريوهات المحتملة

1. تثبيت اتفاق هدنة هشّة لتدوير الأزمة

استمرار الحرب ولكن بشكل منخفض الوتيرة

محاولة الاحتلال تقليل خسائره وإعادة التزود بالسلاح

استمرار الضغط السياسي على حماس دون حسم عسكري

2. استثمار الهدنة لتقسيم غزة واقتراح حلول تفكيكية

استغلال المدة لترويج مشروع “غزة أولًا” أو تقاسم السلطة

الدفع بخطط “ما بعد حماس” باستخدام وكلاء محليين أو دوليين

3. تهيئة الأرضية لمرحلة حرب أشمل

استعداد إسرائيلي لخوض مواجهة أكبر في لبنان أو إيران بعد التزود مجددًا

استخدام المفاوضات لربح الوقت واحتواء الضغط الداخلي والدولي

4. تفجر المفاوضات وعودة الحرب بأعنف مما كانت، في حال فشل تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، أو تنفيذ اغتيالات خلال الهدنة تؤدي إلى رد فعل فوري من حماس

خاتمة: هل دخل الاحتلال مرحلة المناورة تحت الضغط؟

صفقة التبادل ليست خيارًا حرًا بيد الاحتلال، بل اضطرار فرضته الوقائع الميدانية والسياسية. فالمقاومة في غزة أعادت فرض شروطها، وإيران أثبتت حضورها الإقليمي، بينما تخوض واشنطن سباقًا لإنهاء حرب تجر إسرائيل إلى حافة الانفجار الداخلي.

المعركة اليوم لم تعد مجرد تبادل أسرى، بل هي معركة على مستقبل الشرق الأوسط، وتوازن القوى فيه.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه واشنطن وتل أبيب عن سلام قادم، تستعد المقاومة لجولة جديدة.. لأن الهدنة في معجم الأحرار لا تعني النسيان.

اقرأ أيضا:سريا القدس توقع نحو 40 ضابطا وجنديا وإيقاعهم بين قتيل وجريح في كمين محكم

الصورة ارشيفية لصفقة تبادل سابقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى