الكلكتابات فكرية

للاتحاديين .. صنع في اليمن ( 1 )

من دون تعصب وبدون ميل، أفضت بي دراساتي للأحزاب في “اليمن” منذ الثورة الدستورية عام 1376ه/ 1948م وحتى الآن إلى تبني فكرة توصلت اليها، وهي أن نشأة اتحاد القوى الشعبية مخالفة لنشأة الأحزاب الأخرى، بحيث يمكن القول بكل اطمئنان إلى انه الحزب –كما اعلم- الذي صنع في “اليمن” لأنه لم يات صدى لأحزاب نمت وترعرعت في الخارج، وانتقلت الى الداخل، ، حتى بدت وكأنها تمثيل لها أو أجنحة متفرعة منها. واذ أقرر ذلك فليس من أجل انتقاص أي حزب، وليس من شأن رفع شأن هذا الحزب، بل توصيفا للحال، فتلك الأحزاب لها نضال وجهد، ولكل-كما يقول القدامى- فضل، إلا أني أردت أن أبين أن “اليمن” مثلها مثل صانعات الأحزاب الخارجية قد صنعت حزبها.
انبثق “اتحاد القوى الشعبية من رماد “الثورة الدستوية” وتخلق وتطور في أجوائها، وكان “الميثاق المقدس” نقطة انطلاقه، مستلهماً منه مبادءه ومن مبدأ الخروج على الظالم” ايضا، ذلك المبدأ الذي دعا اليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في خطبة له الأمة ناشدها فيه أن تقومه بالسيف اذا حاد عن طريق الحق، والذي بلغ أوجه على يد أمير مؤمنين آخر هو الإمام “زيد بن علي” الذي بلورها في إطار فكرة الخروج على الظالم الذي استأثر بمال المسلمين، ونبذ الشورى، واستعبد الناس
من ذلك المبدأ استلهم “اتحاد القوى الشعبية” مبادءه فقد ركز الإمام “زيد بن علي”على إيضاح دوافع وأسباب خروجه، والتي أجملها في ثلاث نقاط :
 ظلم سياسي تجلى في احتكار بني أمية للسلطة، ونبذهم للشورى والغائهم الانتخاب وتعطيلهم للتبادل السلمي للسلطة .
 ظلم اقتصادي، تجلى في عدم توزيع المال بالعدل، والاستئثار به، وتوزيع ما فضل منه على حسب الولاءات القبلية بدءا بقريش وانتهاء بالمهمشين من الموالي.
 ظلم اجتماعي تجسد في جعل عباد الله خولا.
ولم تكن مبادئ الإمام “زيد” هذه هي مصدره الوحيد، بل انه استمدها ايضا من تحركات وأفعال الإمام “أبي حنيفة” الذي آزر ثورة الإمام “زيد” ورأى فيها امتدادا لمعركة “بدر”، و من قيام الإمام “الشافعي” بالدعوة في “اليمن لـ “يحيى بن عبد الله”، وفي فتوى الإمام “مالك” الذي أفتى بنقض بيعة “المنصور العباسي” (ليس على مكره يمين).
بنى “اتحاد القوى الشعبية” مبادءه على الأسس التالية:
 الشورى في الأمر.
 العدل في المال
 الخير على الأرض
 والسلم للعالم
ومن هذه المبادئ تفرعت:
 النصر للخير على الشر.
 وللحق على الباطل.
 وللعدل على الظلم.
 وللشورى على الفردية.
 وللسلم على الحرب.
 وللألفة على الفرقة.
 وللبناء على الدمار.
 وللتفكير على الهوى.
 وللحقيقة على ماسواها.
بهذه العدة والعتاد وبهذا التحصين واجه -بندية – المفاهيم السياسية الحضارية الوافدة فلم يعارضها، ولم ينفر منها، بل قرب منها وتعاون معها، لأنه وجدها صدى لما عنده، وامتدادا لمعتقدته؛ فليس “الديمقراطية” غائبة عنه، وليس “العقد الاجتماعي” جديدا عليه، وليس “الانتخاب” و “التبادل السلمي” بوافدين عليه، وليست حرية المعتقد مفاجئة له ، فلديه من ذلك علم وفير، ومن هنا تمكّن أن يطور اساليبه، ويأخذ من الجديد وسيلة لتحقيق معتقداته، فهو يرى في “الديمقراطية” امتداداً” للشورية”، و “مؤسسات المجتمع المدني” احياء لما كان عليه الحكم المدني الراشد وهكذا.
ومن هنا ثبت لي أن هذا الحزب صنع في “اليمن”، ولم يصنع في الخارج، واستمد ميادءه من أصول دينه النقية قبل أن يكدرها الإنحرافيون.
 
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى