الكلكتابات فكرية

دعوني والتمسوا غيري ..

بعد مقتل عثمان رضي الله عنه  اجتمع الناس ودخلوا على الإمام علي عليه السلام – وهو في دار أبي عمرو بن محصن الأنصاري، وتداكوا على يده لبيايعوه، لكنه رفض الأمر وقال: لا حاجة لي في ذلك…دعوني والتمسوا غيري، لعلمه أنه سيحمل الناس على الحق حملا (واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب،  وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم). وأمام  إصرارهم، على مبايعته قبل واشترط ألا تكون  البيعة في خلوة، وأن تكون في المسجد ظاهرة، وأمر مناديا ينادي المسجد المسجد.

وفي المسجد استقبل من المسلمين بيعتهم بشكل مباشر، متجاوزا الأشكال الأولى لاختيار الخليفة،  مدشنا بذلك نظام البيعة الشعبية والاختيار الحر، بعيدا عن أي تأثير لقريش، أو توجيه من غيرها.

 

إن من كتبوا   عن فترة حكم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وهوياتهم وعصورهم يجمعون  على أنه  أحد أفذاذ الإنسانية وعظمائها الخالدين، ولا يمكن بحال أن يحتكر – كرمز إنساني خالد – في دين أو مذهب أو جماعة أو سلالة أو جغرافيا.

 كما يجمعون على أن عظمة هذه الشخصية مستمدة من قيم العدل والمساواة، والحرية، والإخاء الإنساني، وسوى ذلك من القيم العظيمة، والمبادئ السامية النبيلة  التي أرساها نظريا في العهد العظيم الذي كتبه إلى الأشتر النخعي واليه على مصر ، وطبقها عمليا في فترة حكمه، فبدأ بإعادة الحقوق إلى نصابها، واستعادة أموال المسلمين التي استولى عليها البعض بطرق غير مشروعة(ألا وإن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال فإن الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء ، وفرق في البلدان لرددته إلى حاله فإن في العدل سعة ومن ضاق عنه العدل ، فالجور عنه أضيق)

ثم أسند ولاية الأمصار إلى أهل الأمانة والكفاءة من الأنصار ، وبفعل هذين الأمرين  هاجت عليه قريش وشكلت تحالفات عصبية ضد إصلاحات الإمام علي، ولكنه استمر في مشروعه الإصلاحي محققا نجاحات عظيمة لصالح الأمة .

والسؤال الذي يطرح نفسه في مقامنا هذا، هو ماذا  لو طبق اليوم بعض من جوانب المشروع الإصلاحي الذي رفعه الإمام علي كرم الله وجهه؟

بالتأكيد فإن حال الكثرة الكبرى من الداعين إليه سيحاربون هذا المشروع وسيصدق فيهم قول الشاعر العراقي مظفر النواب :

أنبيك عليا

لو جئت إلينا اليوم

لحاربك الداعون إليك

وسموك شيوعا.

إن شخصية الإمام علي بما حملت من قيم ومبادئ تمثل مدارات إنسانية يلتف حولها أحرار العالم ومناضلو الإنسانية  وكل من ينشدون الدولة المدنية العادلة دولة المساواة والحرية على اختلاف دياناتهم وتعدد أجناسهم، ولن يتخلف عنها  إلا اللصوص والمستغلون وأعداء الإنسانية من المستبدين ودعاة الحكم العضوض، ومن في قلوبهم مرض.

سيظل  الإمام علي  رمزا قيميا إنسانيا جامعا لا يليق توظيفه إلا في ما يخدم مشروعه الإنساني وغاياته النبيلة، لأن   التوظيف لهذه الشخصية من أي نوع، لصالح مذهب أو حزب ، يختزل الشخصية ويسطح القيمة.

 

ومما سبق نخلص إلى أن  الإمام علي  هو داعية  الحقوق المتساوية، وحامل لواء  دولة المواطنة، الدولة التي تستمد سلطتها من الشعب،  فالشعب وحده هو مصدر السلطة، وصاحب  الشرعية، وهو من يمتلك الحق في اختيار حكامه،   وأي سلطة لم تستمد شرعيتها من الشعب فهي سلطة مغتصبة للحكم، وعادة ما تكون خاضعة للابتزاز من قوى النفوذ العالمية، مفرطة في سيادة الوطن، وثرواته، لأنها تصبح مجرد كيان وظيفي يتم تسخيره في تنفيذ أجندة مشبوهة،  لصالح القوى الخارجية، وتحقيق امتيازات وثراء غير مشروع لصالح القوى الانتهازية في الداخل، والأمثلة المعاصرة لا تقف عند دول ممالك وإمارات التحالف العدواني على اليمن بل تمتد إلى كثير من الأنظمة العربية التي تقوم على تغييب شرعية الأمة/الشعب، وتستمد شرعيتها من غلبة القوة القاهرة وسلطان قوى النفوذ الخارجي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى