ترسيخ الهوية الوطنية ( 1 )
يُعتبر الولاء للوطن من أهمّ الواجبات التي يجب الالتزام بها تجاه الوطن، فالولاء يعني أن تكون المشاعر والأعمال خالصةً للوطن ولمصلحة وطنك وألّا يُفضّلَ أي شيء آخر عليه، ومُقابل الولاء الخيانة، فلا تجوز خيانة الوطن وتدميره بأيّة وسيلة من وسائل الخيانة، فقد تكون هذه الأفكار الخائنة بأن يتمّ التّشجيع على الهجرة لبلاد أُخرى فهذا يُعتبر من عدم الولاء للوطن، وكذلك التّحالف مع الأعداء بأيّة طريقة قد تَضُرّ بالوطن، أو القيام بتشويه صورة الوطن. ويكون الولاء للوطن من خلال القيام بالأفعال التي ترفع من قيمته وتزيد من ارتقائه بدلاً من الأشياء التي تجعله مُتخلّفاً رجعيّاً؛ فالوقوف مع العدو وإمداده بالاحداثيات أو احتكار المواد الغذائية أو الفسبكة التي تهين أصحابها وتعمل على إثارة النعرات الطائفية المقيتة والأشياء التي تُفسد المُجتمع، كلّ هذا يُعتَبر من عدم الولاء للوطن؛ فالولاء يكون من خلال التّعامل مع الوطن بشكل سليم.
والولاء للوطن له أسسٌ ثابتةٌ والتزامات ظاهرةٌ يَجبُ أن لا تُحابي أحداً، وألّا تضعَ فرقاً بين إنسان وآخر، ولا فرق بين دولةٍ وأُخرى وتنظيم وآخر، فالقانون يجب أن يشمل الجميع.
إن الشّعور بالحبّ تجاه الوطن هو واجبٌ وطنيّ، كذلكَ الشّعور بالحنين والاشتياق للعودة له، وحبّ جميع الأشياء الموجودة فيه، ويأتي هذا الشّعور عن طريق التَعلّق به وبجميع مُمتلكاته والشّعور بالسّعادة؛ لأنّ الإنسان يعيش فيه ويموت فيه، ويفخر بذكرياته الذي عاشها فيه، ويسعى لقضاء أجمل الأوقات فيه، ويكوّن صداقاته داخل الوطن ليزيد تعلُّقاً به.
وحبّ الوطن غريزةٌ مُتأصّلة في النّفوس يُستراح إلى البقاء فيه، ويشتعل شعور الحنين إليه إذا غاب عنه، ويُدافع عنه إذا هوجم، ويُغضب له إذا انتُقص. إنّ حبّ الوطن الذي لا يحمل الإنسان على عرفانه وحماية مكاسبه وصيانة خيراته ومُقدّراته من كل جاحد أو مُتربِّص في الدّاخل أو الخارج ليس هو الحب الذي يُرضي الله ورسوله والمخلصين.
إنّ من إثبات الولاء للوطن التّضحية من أجله وافتداءه بالرّوح -إذا تطلّب الأمر-؛ وذلك لأنّ الإنسان يُريد لوطنه السّلام والعيش الرّغيد. تكون التّضحية بالمال والنّفس والولد، وهذا ممّا يجب أن يعيه المُواطنون جميعاً، فإنْ احتاج الأمر للتّضحية بأبنائهم ليحرروا البلاد من الأعداء، والتّضحية بأموالهم مهما كانت، فإنّهم يُقدّمونها بكلّ فخر. وطن الإنسان هو نفسه، وعندما يحتاج إليه عليه أن يُلبّيه ويعمل بكلّ طاقته ليُوفّر ما يحتاجه من أمن وسلام.
تُعَدّ التّضحية لأجل الوطن من القِيَم التي رسّخها الدّين في النّفوس؛ لأنّه في الوقت الحاضر يستحيل أن يعيش الإنسان بكرامته دون وطن يُؤويه ويعيش في كَنَفه، لذلك فإنّ من يُضحِّي لأجل وطنه فإنّه قد قدّم أجزل الأمثلة وأروعها في حُبّه وفداءِه؛ لأنّ الوطن يستحقّ ذلك.
العمل على ارتقاء الوطن الذي يعمل على ارتقاء الأمم ويجعل من الأوطان منارةً هُم الشّعوب، فحتّى يكون الوطنُ راقٍ يتمنّى الجميع أن يكون أحد مواطنيه فعلى المواطنين جميعاً أن يتَّصِفوا بالرُّقي والأخلاق الحميدة والعادات الحسنة. وإن من أهمّ مُقوّمات ارتقاء الشّعب هو العِلم، وأن يُصبح الوطن من أفضل الأوطان في جميع المجالات، فالعلم يستطيع أن ينهض بالأوطان من القاع ليصل بها إلى أعلى الدّرجات؛ فها هو شعب اليابان بعد الذي حدث لهم في الحرب العالميّة الثّانية قد ضحّوا بأموالهم وتكاتفوا ليصبحَ وطنهم أفضلَ، وليجتاز ما وصل إليه من دمار وخراب، واستطاع بسبب استبسال شعبه أن يرتقوا في علمهم، فأبدعوا في الكثير من المجالات، وكثَّفوا طاقاتهم في العِلم والتّطوير.
بعد معرفة قيمة الوطن فإنّ من الواجب على المواطن رفع هذه القيمة ليَعرفها من لم يعرفها بعد، ويكون رفع قيمة الوطن بالعَمل على ارتقائه، وعمل الإنجازات التي تُحقّق التّرقية والصّعود له وتمييزه؛ حتّى لا يصل لمرحلة التَخلُّف، ويُمكن الرّفع من قيمته كذلك عن طريق عكسِ صورةٍ حسنةٍ عنه؛ كأن يُعامل الإنسان النّاس خارج وطنه بالحُسن، في المطارات والمحافل الدوليّة، وألّا يَخرج منه إلا كلّ طيّب.
لا شكّ أنّ الإنسان باستطاعته أن يخدم وطنه في مُختلف المجالات والأنشطة من خلال عمله والإخلاص في أداء واجباته الوظيفيّة بأمانةٍ وإتقانٍ بجميع المِهَن والتَخصُّصات، من أبسط وأسهل الوظائف إلى أعلاها وأعقدِها، فالوطنُ لا يقوم به مِهنة واحدة، إنّما هو امتزاجٌ لكلّ المِهَن والمهارات والشّراكات، فالجميعُ شركاءٌ في صناعة مجد الوطن وتنميته، كلٌّ بما يستطيع ضمن سياق عمله.
وإنّ الوطن بحاجة إلى المُوظّف المُتخصّص والمُتمكّن من تَخصُّصه لخدمة مسيرة التّنمية، إلا أنّ الوطن بحاجة أكثر إلى المواطن المُستنير في فكره والواثق بنفسه والمُشبَع بهويّة وطنه.