الكلكتابات فكرية

الرفاق.. يتركوني وحيداً انتظر الساعة

يكتسب المرء في مسيرة حياته خبرات ومعارف وصداقات، وتمر به أحداث ومواقف.. البعض منها قد يعلق في الذهن كذكرى تخلف لحظات لا تمحى من الذاكرة، وصداقات وأصدقاء يقاسمونك مُرّ الحياة وحلوها يرتبطون بك وإن مرت أيام وسنوات.

ومع إن أهم ما يكتسبه المرء في حياته من المعرفة إضافة إلى التعرف على الأشخاص بمختلف ميولهم وأفكارهم وطباعهم وسلوكياتهم ومعتقداتهم، والتي من الطبيعي أن يتحول بعضها إلى روابط وثيقة بين الأشخاص ببعضهم لتشكل لوحة/لوحات من صور الصداقة تنتج الود والمحبة.

شخصياً مرت حياتي بتجارب تخللتها دروب ومناحي وتحولات ومعاناة وأفراح واتراح عديدة.. إلا أنني أرى أن أجملها وأروعها هي تلك التي اكسبتني معارف وأصدقاء وزملاء كانت الروابط تجاههم متفاوتة بتفاوت التواصل ومستوى الود والاحترام والتقدير، والتي لابد أن تفضي إلى تقاسم ما يمر بنا من معاناة وما تفرضه الحياة بمشاكستها على البشر من الحلو والمر.

فخلال مسيرتي الحياتية كان لي ما كان من اكتساب الأصدقاء وعلى وجه الخصوص من زملاء العمل في عدة جهات.. فأثناء فترة عملي في الشركة اليمنية للطباعة والنشر – رغم قصرها – في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، وكذا أثناء عملي في مؤسسة سبأ للصحافة والأنباء (صحيفة الثورة) في نهاية سبعينيات القرن الماضي إضافة إلى فترة عملي في دائرة التوجيه المعنوي (صحيفة 13 يونيو “سابقاً” 26 سبتمبر “حالياً” ومجلة الجيش) التي بدأت مع نهاية سبعينيات القرن الماضي أيضاً، كان لي زملاء وأصدقاء استمرت علاقتي بهم لفترات متفاوتة.

بعد وحدة 22 مايو 1990م اكتسبت وتعرفت على زملاء عمل عند التحاقي بالعمل في جريدة الحزب الاشتراكي اليمني “الثوري” التي بدأت في أواخر عام 1990م وتحديداً مع أول اصدار للصحيفة في صنعاء عاصمة الوحدة، وكذا اثناء التحاقي للعمل مع صحيفة اتحاد القوى الشعبية اليمنية “الشورى” في منتصف عام 1993م تقريباً.

في صحيفة “الشورى” كان من ضمن من تعرفت عليهم الصديق الأستاذ/ محمد يحيى المداني رئيس التحرير حينها، والصديق المرحوم الأستاذ/ عبدالله سعد محمد مدير التحرير والذي ما لبث أن صار رئيساً لتحرير “الشورى”، والصديق الأستاذ/ حسين جحاف المصحح اللغوي وسكرتير التحرير، والصديق الأستاذ/ علي سالم المعبقي محرراً ومن ثم سكرتيراً للتحرير، والصديق العزيز منصور الجرادي المحرر الرياضي، والصديق العزيز والأخ والرفيق الأستاذ/ عبدالله محمد عبدالولي المجاهد (أبو سهيل) مخرج الصحيفة وكاريكاتورها، وفيما بعد الصديق الأستاذ/ مراد هاشم، والصديق الأستاذ/ صالح الحميدي.. إضافة إلى آخرين عملوا مع “الشورى” ككتاب ومحررين ومنهم الصديق الأستاذ/ عارف الدوش وآخرين.

وفي فترة وجيزة من العمل في “الشورى” نشأت بيننا علاقات صداقة قوية، رغم تفرقنا، إلا أن رابط الصداقة بيني وبين عبدالله المجاهد (أبو سهيل) توطدت وتعمقت أكثر وأكثر خصوصاً أننا استمرينا في العمل في “الشورى” فترة طويلة ولم نغادرها كما حدث لزملاء آخرين.

علاقتي مع (أبو سهيل) توطدت أكثر مع مرور الأيام خصوصاً بعد أن انضم للعمل كمخرج لجريدة الحزب الاشتراكي اليمني “الثوري” التي كنت أعمل فيها كفني طباعة كمبيوتر، اضافة إلى استمرارنا للعمل معاً في “الشورى” يضاف إلى ذلك أننا كنا نقطن حياً واحداً متجاورين في السكن بشارع الرباط، كل ذلك جعلنا نقضي معاً أغلب أيام الأسبوع إلى الحد الذي كنا نبقى معاً أكثر مما كنا نبقى مع أسرتينا.

مضت بنا السنوات وانتقل “الدب” (أبو سهيل) للسكن في منزله في حي شملان وبقيت أنا أسكن في منزلي في شارع الرباط.. باعدت بيننا المسافات إلا أننا بقينا على تواصل دائم.. انتكست صحة “الدب” المجاهد وانقطع عن الدوام في “الثوري”، إضافة إلى كوننا قد تركنا العمل في “الشورى” و”صوت الشورى”.. ورغم ذلك لم ينقطع تواصلنا، خصوصاً مع بداية كل شهر عندما كنت استلم راتبه من “الثوري” واتصل به ليأتي لأخذه.

مؤخراً وبعد أن اتفقنا على أن يقوم أحد الزملاء في الحزب الاشتراكي بتحويل راتب عبدالله المجاهد عبر أحد المصارف، وبعد أن انتقل (ابو سهيل) إلى سكنه الجديد, ساعد كل ذلك على أن ننقطع عن بعضنا.. وكنت في شهر رمضان الماضي علمت أن المجاهد قد غادر البلاد للعلاج في القاهرة.. وفي أيام عيد الفطر علمت أنه قد عاد من رحلته العلاجية ضافراً.. وحمدت الله على سلامته.. ولكني لم التق به بعدها.

مساء يوم الأحد الماضي ثالث أيام عيد الاضحى هاتفني الصديق الأستاذ/ إبراهيم غانم الذي صدمني بنبأ أن المجاهد عبدالله توفي قبل ثلاثة أيام – أي يوم عيد الأضحى – وأن اليوم كان آخر أيام العزاء.. ويبلغني بأن رفاق الفقيد يعملون على طبع كتيب عنه ويريدون مني تزويدهم بشيء من ارشيفه في “الثوري”.

أمضيت ليلتي أتذكر من رحل من الزملاء الأصدقاء – ولو أنني لم أنسهم – فتذكرت الصديق الأستاذ المرحوم/ عبدالله سعد محمد رئيس تحرير “الشورى” الأسبق”، والزميل الصديق/ عبدالخبير محمد عبدالله الصبري موزع ومتابع “الثوري”، كما تذكرت الصديق فارس غانم الكاتب المتخصص في شؤون الإرهاب، وكذلك تذكرت الصديق الدكتور/ خالد سعيد الشيباني رئيس اللجنة الفنية للانتخابات باتحاد القوى الشعبية، وتذكرت الزميل الصديق/ عبدالله محمد سيف جازم القباطي مخرج “26 سبتمبر”، وتذكرت الصديق/ عبدالله سيف غالب الصلوي سكرتير تحرير والمصحح اللغوي لـ”الثوري”، وضميت إلى القائمة الأخ والصديق/ عبدالله محمد المجاهد (أبو سهيل).. فوجدت أن الرفاق ينسلون ويتركوني وحيداً أنتظر الساعة.. ولسان حالي يقول: لقد سبقوا وربما يحجزون لي مكاناً وسطهم حتى تحين ساعة اللحاق بهم والتي لا أظنها ستكون بعيدة، فالخامس من محرم كان يوم بلوغي ستين سنة هجرية.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

رحمك الله يا عبدالله المجاهد.. يا (أبو سهيل) رحمة الأبرار.. ورحم كل الراحلين من الرفاق وأسكنكم جنات النعيم.

 

مشترك

كان يجمعني والصديق العزيز الفقيد عبدالله محمد المجاهد مشترك آخر لم يذكر فيما سبق حيث كنا ننتسب وظيفياً إلى دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة، كنت ضمن قوام المطابع والصحيفة، وكان هو ضمن قوام إدارة المتحف الحربي.. وقد تعرضنا الاثنين – كل على حده – لتعسف قيادة الدائرة ما أدى إلى أن يترك المجاهد عمله كونه لم يحصل على ما يستحقه.. وتعرضت أنا للفصل التعسفي والحرمان من الراتب لمدة ثمان سنوات.

 

طرافة

كان الفقيد الراحل عبدالله سعد محمد رئيس تحرير “الشورى” يطلب في ليال السهر لإصدار الصحيفة عشاءً خاصاً يضعه في مكتبه حتى يتناوله فيما بعد منتصف الليل.. وفي ليلة ديسمبرية شديدة البرودة وبسبب ارتفاع اسعار القات لم نتمكن أنا وعبدالله المجاهد من شراء قات يكفي للعصر والليل، ومع شدة البرد شعرنا بالجوع.. فما كان مني إلا أن أشرت إليه بأن يتبعني ففعل وازلنا غطاء عشاء رئيس التحرير وبدأنا نلتهمه بشراهة.. ومن شدة البرد والجوع كانت كل لقمة ألذ من سابقتها، واجهزنا على العشاء كاملاً ولم نبق منه شيئاً وعدنا لعملنا.. أنهى عبدالله سعد مكالمة هاتفية طالت مدتها وجاء ليتناول عشاءه فلم يجد إلا الصحون فارغة.. فدخل إلى غرفة الكمبيوتر حيث كان اثنينتنا يتواجدان، وسأل وهو متجهماً: من أكل العشاء؟!، المجاهد دعمم وعمل نفسه لم يسمع، ورديت أنا بالقول: سمعت عصفورين ينقرين الصحون.. رد ابن سعد – رحمه الله – محتداً: عصفورين!! ولفت نحو المجاهد ثم إليّ، وقال: معقول تكون أنت عنصار، لكن يكون – وهو يؤشر للمجاهد – الفيل عصفري فهذه هي الكارثة!! وضحكنا ثلاثتنا سوياً.

رحم الله الأموات والأحياء من الرفاق والاصدقاء.. وأوسع لهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى