الغيبيات.. معتقدات فكرية وعقائدية لا يجب تجاهلها ونكرانها
سمعت من صديق عزيز – وأقول سمعت لأنني لم أطلع – حكاية مفادها أن اليهود في ملكهم الأول الذي أقاموه أخبرهم نبي الله موسى (ع) بأن هذا الملك سيزول على يد أحد ملوك الفراعنة، كما أخبرهم عن صفات وعلامات الملك والزمان والمكان الذي سيحدث فيه ذلك الزوال لملك اليهود الأول.
أحبار اليهود تناقلوا هذا الإخبار الغيبي حتى ظهرت العلامات التي أُخبروا أنها ستكون علامات زوال ملك اليهود الأول.. وعند ظهور هذه العلامات اجتمعوا وتدارسوا كيفية مواجهة الفرعون الذي على يديه سيزول ملكهم كما أُخبروا به منذ زمن طويل وخرجوا من اجتماعهم بتكليف من يقوم بقتل هذا الفرعون.. وعند توجه هذا المكلف لتنفيذ المهمة وأثناء ما هو في طريقه وجده غلام فسأله عن وجهته، فأخبره بأنه ذاهب لقتل الفرعون الذي تقول التنبؤات بأن على يديه سيزول ملك اليهود.. فإذا بالغلام يقول له ما معناه: إنك لن تذهب إلا لقتل نفسك، وأنه إذا كانت التنبؤات صحيحة فهي مشيئة ستقع وليس للبشر اعتراضها أو منعها.. الرجل المكلف بالقتل وجد في كلام الغلام ما يقنع فعاد إلى أحبار اليهود وكبرائهم وأخبرهم بما دار بينه وبين الغلام.. فإذا بأحبار اليهود يصرخون ويقولون أن هذا هو جبريل وليس بغلام.. ولذلك فإن اليهود لا يذكرون جبريل عليه السلام بخير حتى اليوم.
نحن المسلمين تزخر مكتباتنا بالعديد من الكتب المطبوعة والمخطوطة التي تُعنى بالغيبيات وتتحدث عمّا سيحدث وما سيكون في المستقبل.. فهل نحن كمسلمين نهتم بهذا التراث الفكري عن الغيبيات ونقوم بدراسته والبحث فيه ليكون لدينا فهم أكثر لنميز بذلك بين ما يمكن الأخذ به من المرويات الواردة وما يجب ألاّ نعتد به من هذا التراث الفكري العقائدي الموروث؟! بينما في المقابل نجد أن غير المسلمين مهتمين بهذا التراث الفكري العقائدي الإسلامي عن الغيبيات ويمولون لدراسة ذلك المراكز البحثية والدارسين فيها..
وللتدليل على ذلك – وكمثال فقط – ورد عن مفكر إسلامي وإعلامي في صفحته على “فيس بوك” بعد أيام قلائل من شن العدوان على اليمن الآتي:
ذكر أنه قبل عشرين عاماً التقى بزميل دراسة بعد انقطاع بينهم امتد لفترة وأنه عندما سأل زميله ذلك عن ماذا يعمل وأين يعمل، أجابه أنه يعمل في مركز بحث ودراسة يتبع الاستخبارات الأمريكية ومقره في عمّان.. فسأله وما طبيعة الدراسات والبحوث التي يقومون بها.. فأجابه أنهم منذ سنوات يقومون بالدراسة والبحث حول ظهور المهدي المنتظر.. وعلق المفكر الإسلامي والإعلامي على ذلك بنفس صفحته في “الفيس بوك” بالقول: لذلك أفهم معنى الحرب على اليمن!!.
ما أورده المفكر الإسلامي والإعلامي من حكاية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن غير المسلمين – وبالذات اليهود والنصارى – مهتمون بدراسة الغيبيات التي وردت في الفكر الإسلامي.. وهذا الاهتمام يولد عدة أسئلة، منها:
لماذا يهتمون بفكر تراثي عقائدي لدين ليسو من أتباعه؟!
ألا يدل هذا الاهتمام أنهم يؤمنون بما جاء في هذا التراث الفكري العقائدي الإسلامي وبإمكانية حدوث ووقوع ما جاء فيه من تنبؤات؟!
ألا يدل – أيضاً – إنفاقهم على مراكز الدراسات والبحوث على شيء يجب أن يعنينا كمسلمين؟! علماً أنه معروف عنهم أنهم لا ينفقون ويمولون إلاَّ ما يعود عليهم بالفائدة!!.
وهنا تولد تساؤلات أخرى، هي: ما هي الفائدة التي سيجنيها هؤلاء من دراسة فكر تراثي عقائدي لدين لا يؤمنون به؟!
وما هو الغرض من إجراء مثل هذه الدراسات والبحوث؟!
والأهم من ذلك ما هي نتائج هذه الدراسات والبحوث وبماذا توصي؟!.
معروف عنا نحن العرب والمسلمين أننا لا نتعمق في ما ورثناه ووصل إلينا من فكر تراثي عقائدي أو غيره.. وأننا ننظر إليه نظرة سطحية دون التعمق في دلالاته ومعانيه وتنبؤاته التي إن وقعت ستمس حياتنا بكاملها مساً مباشراً.
ومعروف – أيضاً – أن هناك من العرب والمسلمين من لا يؤمنون بهذا التراث الفكري العقائدي الإسلامي، بل ويعتبرونه خرافة ويهاجمون كل من يؤمنون ويعتقدون به ويصمونهم بالمتخلفين الذين يعودون بأنفسهم إلى القرون الوسطى وغير ذلك من الأوصاف التي لا تليق بمطلقيها كمثقفين يؤمنون بحرية الفكر والاعتقاد حسب ما يزعمون.
بالطبع نحن كمسلمين نجد في كتاب الله (القرآن الكريم) نصوصاً قرآنية تنبؤية، ولنا في الحديث والسيرة الكثير مما يُعد كتنبؤات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
“غلبت الروم ……. الآية”.
وأحاديث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن في القرآن ما معناه خبركم وخبر ما قبلكم وخبر ما سيأتي بعدكم.. وحديث آخر بما معناه: أن الدين الإسلامي بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ.. وحديث ثالث بما معناه: ستتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها…….
ألا ترون معي أنه ليس من حق أحدٍ أن يعيب على أحدٍ آخر إيمانه بما يعتقده ويؤمن به مما يتواتر إليه من فكر عقائدي من أسلافه.. وأنه ليس من حق أي كان أن يوصم الفكر والمعتقدات بأنها خرافات.
إن على من يعتقدون ويؤمنون بهذا التراث الفكري العقائدي أن لا يخجلوا من إعلان إيمانهم بما فيه من تنبؤات، بل إنهم ملزمون بتبيانه للناس وشرحه وتوضيحه والتحدث عنه في كل مكان دونما اهتمام لما يردده من يطالبون ويتشدقون بحرية الفكر والمعتقد، ولكنهم بالمقابل يعيبون على الآخرين ما يعتقدونه، ويصمونهم بالمتخلفين ومتبعي الخرافة!.