يوميات البحث عن الحرية .. بين الشرعية الحقيقية والمنتحلة!.

يوميات البحث عن الحرية .. بين الشرعية الحقيقية والمنتحلة!.
- عبد العزيز البغدادي
الاثنين 22 ديسمبر 2025-
يغيب عن اذهان الكثير من المثقفين والسياسيين خلال النقاشات والحوارات الفكرية والسياسية مبدا كون الشعب مصدر السلطة وصاحب الحق في ممارستها وفي تغييرها سواء بصورة اعتيادية عن طريق الشرعية الدستورية بعد انتهاء ولايتها المحددة دستوريا أو بصورة استثنائية من خلال الشرعية الثورية.
والثورة إن لم تحقق أهدافها خلال مدة زمنية محددة تفقد شرعيتها وتصبح مجرد شعارات ومهرجانات إعلامية بلا قيمة.
وأي ثورة كي تكون شرعية لابد أن يساندها الشعب مساندة واضحة لا لبس فيها!.
ووفق هذا المبدأ الدستوري فان التدخل في شأن اي شعب ثائر تدخل غير مشروع تحت أي عنوان وفقا لمبدا سيادة الدول المنصوص عليه في ميثاق الامم المتحدة!.
اما الخدعة الكبرى للتدخل السعودي باسم المبادرة الخليجية التي هبطت على ساحات الثورة او الحلم بثورة الشباب في 11 فبراير 2011 فلها حكاية وأي حكاية؟!.
ومن يفهم الحكاية يدرك ان المبادرة المشؤومة من خلال الوقائع التي تلتها قد تحولت الى ثورة مضادة داعمة لكل الثورات المضادة المتفرعة عنها هدفها الوقوف في وجه اي تغيير حقيقي في اليمن كما هو شأن العلاقة السعودية مع اليمن منذ بدايات التهيئة لنشأة مملكتها في الثلاثينات وحتى اليوم، وقد اشتد تدخلها بدعم بريطانيا وإسرائيل منذ قيام ثورة 26 من سبتمبر 1962 المجيدة!.
لقد حول التدخل السعودي من خلال الثغرات التي تضمنتها ما اسمي بالمبادرة الخليجية إلى بوابة للعدوان على اليمن شُن بدعوى دعم القوى السياسية التي جُرَّت بالخديعة والاغراآت الرخيصة إلى مؤتمر الرياض لتتحول الشرعية الوهمية إلى سلاح خطير استخدمته السعودية وماتزال تستخدمه أسوأ استخدام، وكل القوى المسماة بالسياسية التي رحبت بالمبادرة مذهولة إن لم تكن في حالة صرع سياسي ، وكأنها مسحورة باللغة التي ماتزال تسير سياسات العرب والمسلمين منذ غُيب العقل وحضرت الخرافة والمزايدة باسم الدين من قبل أدوات لا علاقة لها بالدين لأن الدين الإسلامي المستنير يُجَرم الخلط بين السياسية وبين الدين .
ببساطة لأنه يرى السياسة علم، والعلم لا يعتمد على الحكم بالغيب لأن الغيب علاقة وجدانية بين الإنسان وخالقه لا تقبل التدنيس والادعاء!.
ومن الغريب ان النخب السياسية التي كانت مشاركة في الحكم عند تلاحق سيناريو صنع الفراغ السياسي منذ بدء سيناريو ما عرف بثورة الشباب في 11 فبراير 2011 ضمن مشروع الحلم بثوره التغيير التي خرج اصحابه الى الشارع دون بصيرة ولا هدى سوى للسعودية التي اضلتهم بمبادرتها المشؤومة، والتي هبطت على الساحات الحالمة من السماء مع نزول أبرز شركاء فساد السلطة منظمين الى الثورة بغرض التغيير كما أعلن !.
وقد تطاولت ايدي المشاركين مع منظومة قيادات الاحزاب المنظمة لتحافظ على بقاء حالة: يد في السلطة واخرى في المعارضة بعد أن لبست عباءة الثورة .
ومن المعلوم ان ازدواجية السلطة والمعارضة كازدواجية النظام الحاكم والثورة من سمات مقارفي الشأن السياسي في اليمن منذ زمن!.
هذه ابرز عوامل واسباب ضياع الشرعية اليمنية الحقيقية التي ماتزال حلماً، وتبديد اي ارادة ثورية حقيقية وتفكيكها بين قوى تمارس سلطات الامر الواقع التي لا تعدو من خلال ما تمارسه كونها ادوات للفوضى الخلاقة التي اعلنتها كونداليزا رايس بعد ان تخمرت في دهاليز ال (C .I .A) بالتنسيق مع الموساد !.
ان ما قامت وما تزال تقوم به هذه القوى والمكونات السياسية يضعها موضع المساءلة المدنية والجنائية لو وجدت عدالة حقيقية لا تخضع لمراكز القوى وامراء الحرب!.
ولو وجدت نخب ثقافية وقانونية وسياسيه يمنيه مسؤوله وفاعله لوضعت يدها على الجرح الذي ينزف منذ 1994 وحتى اليوم والى امد لا تبدو معالم انتهائه واضحة بدلا من استمرار التلاعب بالكلمات وتبادل الاتهامات!!.
ومن خلال ذلك يمكن لهذه النخب المريضة إدراك ان جميع امراء الحرب الذين وضعوا ايديهم على اليمن كل في المنطقة التي سيطر عليها بالقوة او بالاحتيال او بالتدليس او باي شكل من الاشكال غير الانتخابية دون استثناء لا شرعية لهم جميعا بصورة مطلقة !!؛
لسبب بسيط وواضح وهو ان الشعب كما اسلفنا هو صاحب الحق في الشرعية يمنحها لمن يراه اهلا لها عبر الانتخاب الحر والنزيه والمباشر، وهذه هي الشرعية الحقيقية.
أما الشرعية المنتحلة فهي الشرعية المدعاة للرئيس الانتقالي المختلفة من السعودية عبد ربه ومن قيل انه نقلها إليهم وأي دولة تدعم سلطة مرتمية في أحضانها تعد مرتكبة لجريمة مساس بسيادة وتدخل في شأن دولة أخرى وهي جريمة دولية لو وجد نظام دولي حقيقي محايد.
وتدخل دولة متورطة في التلاعب باليمن وفي نهب اراضيه والمساس بسيادته بل واستباحتها بصورة مهينة لكل يمني حر يحترم ذاته ووطنه وانسانيته يعد وصمة عار في جبين يمني ساهم فيه او سكت عنه!.
نعم لا شرعيه لهادي ولا لأي سلطة من سلطات الامر الواقع التي ملشنت حياته ودمرت نواة الجيش الوطني اليمني وتلاعبت بعقيدته القتالية الوطنية التي دافعت عن الثورة والجمهورية في 26/ سبتمبر 1962 ضد العدوان السعودي الأول الداعم للملكيين خلال السبع السنوات الاولى من عمر الثورة .
جميع المليشيات إنما تعبر عن أهواء قادتها ومصالحهم الانانية المريضة وتنهش الوجود اليمني بكل تفاصيله، وقد مارست من الفساد ما جعل فساد النظام الذي حلم اليمنيون في 2011 بتغييره يبدوا عند البسطاء بسيطا قياسا بالفساد الجديد الذي يريد بعض أقطابه جعله فساداً مقدساً !.
قد يرى البعض أن هذه النظرة مثالية، ويجتهد فيرى مدة بقاء الرئيس الانتقالي غير محدودة بزمن وإنما مرتبطة بإنجاز المهام الانتقالية كي لايحدث فراغ سياسي في حال انتهت المدة قبل أن ينجزها !.
وهذا تخريج غريب عجيب يعطي لأفشل وأغبى رئيس في العالم حسب رأي صحيفة ألمانية معروفة حق البقاء في السلطة إلى ما لانهاية !!.
انه تخريج مطابق لمفهوم السلفية عن الحكم والحاكم يعطيه الحق رغم فساده في نهب الشعب وجلد ظهره وبطنه وتدمير كيانه بل وتسليم شرعيته الغبية للنظام السعودي لتكون شرعية سعودية بنكهة يمنية او بأي نكهة وإن تغيرت حروفها وانحرافاتها !.
المهم بقاء هذه الشرعية دون حاجة لانتخابات طالما وراعي الغنم سعودي إماراتي!.
إنه راع باتت له صولات وجولات في تنفيذ مخطط ما يطلق عليه الأمريكي البريطاني الصهيوني راعي الرعاة مهندسوا ومشرفوا تنفيذ مشروع : (الشرق الأوسط الجديد) !.
هذا المشروع جعل السعودية والامارات تبدوان في الواجهة وهما في الحقيقة مجرد ادوات لتنفيذ اجندة وخطط أكبر من حجمهما، المهم ان يمولا التلاعب بعديد من الانظمة في المنطقة مثل السودان وليبيا وسوريا وتونس واليمن بكل تأكيد، وكل الاقطار التي شملها ما يسمى الربيع العربي بكل نسائمه العليلة!!.
ومن العجيب أن من ينظٍر لما يسمى الشرق الاوسط الجديد يضعون الممول السعودي الإماراتي لمشاريع امريكا وبريطانيا واسرائيل موضع الفاتحين الرواد، والنموذج للدول العربية ذات السيادة كاملة الدسم؟!!.
وهنا اقول للأخوة الذين فتحوا ابواب الزمن امام الرئيس الانتقال العبقري ليعمل ما يشاء ويبقى الى الابد رئيسا شرعيا من حقه ان ينقل السلطة لمن يشاء الكفيل السعودي اقول لهم:
ان مدة السنتين التي حددت له هي الحد الاقصى التي يفترض ان يقوم خلالها بالمهام المحددة لنقل السلطة من الاستثنائية الانتقالية المؤقتة الى السلطة الدستوري الدائمة المنتخبة؛ والوضع الطبيعي يوجب على الرئيس الانتقالي لو كان يعقل وعلى الاحزاب السياسية التي سعت لتنصيبه رئيسا لو كانت تشعر بمسؤوليتها الوطنية وحجم الجريمة التي ساهمت في ارتكابها يجب عليه وعليهم بعد انتهاء مدة السنتين العودة الى مجلس النواب طوعا او كرها لأنه يمثل الشرعية الحقيقية!.
فاذا قيل ان مجلس النواب بات منقسما منذ سنوات وان سبب ضياع الشرعية كما يقولون هو الانقلاب في صنعاء حسبهم كلامهم باعتبارها عاصمة الدولة اليمنية الموحدة واي اختلال في سلطة في المركز او ترتيبات منفردة يمس القوانين اليمنية والوظيفة العامة والتغييرات الحكومة المبنية بناء على تصورات ورؤى تسلطية استبدادية لابد ان يكون له تداعياته على بقية المحافظات!.
و الرد على هؤلاء ببساطة ان الفوضى لا تواجه بفوضى والانقلاب لا يواجه بانقلابات ولا بالارتماء في احضان من هندس للفوضى وللفراغ السياسي وهي السعودية والامارات !.
كان المفترض ولا يزال العودة الى من يمثل الشرعية الدستورية مهما كانت الاسباب الداخلية ويجب العمل من كل الاطراف على فتح آفاق للحوار اليمني اليمني لمنع أي تدخل من أي دولة او جهة وعدم دخول أي من سلطات الامر الواقع في محاور إقليمية او دولية.
والرجوع الى مجلس النواب جزء من فن الممكن واقول ذلك رغم كون مجلس النواب هو الاخر منتهية ولايته الشرعية لكن انتهائها لا يمنعه من ممارسة مهمته الوطنية الاستثنائية وهي تولي إدارة السلطة الانتقالية والترتيب لانتخابات رئيسية وبرلمانية بمدة لا تزيد عن ستة أشهر وعلى من يدعي دعمه للشرعية اليمنية الضغط على تابعيه من سلطات الامر الواقع لتمكين مجلس النواب من إنجاز هذه المهمة لأن مجلس النواب يمثل الشرعية الحقيقية كما أسلفنا.
وقد منحت هذه الشرعية للرئيس الانتقالي صاحب الشرعية المنتحلة وسحبت من مجلس النواب ممثل الشعب كل هذا ببركة السعودية والامارات لرغبتهما في بقاء الشرعية دمية تتلاعبا بها وفقا لما يخدم اجندتهما في اليمن!.
وماتزال الشرعية اليمنية المعترف بها دوليا والمسجلة لدى الامم المتحدة باسم الجمهورية اليمنية وأي ترتيبات تخرج عن هذا الاطار ينافي الشرعية الوطنية والدولية الحقيقية في اليمن؛
ويجعل من يشارك فيه شريك في جريمة انتحال شرعية لعصابات حكم لا قرار لها!.
وواجب الامم المتحدة لو كانت بالفعل حريصة على السلام الدولي وعلى اداء واجبها امام الدول التي تتعرض لظروف استثنائية شبيهة بما يتعرض له اليمن ان تساهم في تهيئة المناخ الملائم لنقل السلطة من سلطات الامر الواقع المتصارعة على النفوذ والثروة والقيام بالأشراف على حوار يمني يمني يكون فيه للجنوب حق المشاركة الاساسية في هذا الحوار، ويكون في هذا الحوار بحث المشكلات التي مرت بها الوحدة اليمنية منذ ما بعد التوقيع على اتفاقية الوحدة كما يجب على الامم المتحدة ان لا تتيح الفرصة لأي متدخل في شؤون اليمن وبالأخص السعودية والامارات حيث تبين انهما يسعيا منذ بدء الازمة اليمنية الى دعم حاله الانقسام بدلا من دعم عودة الشرعية كما يزعمون وهو محض افتراء كما بينت الوقائع على الأرض.
وما يتوصل اليه الحوار اليمني اليمني يتم تنفيذه بأشراف دولي من دول ليست متورطة في تمزيق اليمن شمالا وجنوبا طولا وعرضا!.
وكل وطني حريص على اليمن من كل القوى والمكونات السياسية والكيانات والمذاهب والمناطق لابد ان يعوا جميعا انه لا مصدر للشرعية التي تصنع الاستقرار سوى الانتخاب والابتعاد عن تأهيل الشعب، وأي تظليل الراي العام وتهييج الجماهير واستخدام الساحات لتزييف الوعي ليس له اي معنى للشرعية الشعبية؛ وليس سوى سرقة لإرادة الشعب؛ وهو اسلوب لا يؤدي إلا الى الفوضى وتمزيق البلاد وتضييع فرص السلام التي لا يمكن ايجادها بغير الحوار!.
اما القوة فلا تنتج سوى مزيد من الصراع والتمزق ولا تزيد الامور الا تعقيدا .
ومعيار المصداقية بنظري في التعامل مع ما يجري على كامل الساحة اليمنية تكمن في مصارحة جميع الأطراف داخل سلطات الامر الواقع وخارجها بهذه الحقائق التي لا يتحقق السلام الدائم بدونها لعلها او بعضها تستشعر مسؤولياتها الوطنية تجاه الوضع الخطير الذي وصلت إليه اليمن والسلام!.
عقول الخصوم
ملبدة بالأماني
والأرض تبحث عن منقذٍ
وما من سميع فهل من مجيب؟!
سيبقى السؤال
يسْبَحُ في الافق
باحثاً عن جواب
ويبقى عتاة الفساد
ينشرون السموم.
اقرأ أيضا: حتمية التحول إلى الدولة السياسية


