كتابات فكرية

التاريخ والحرب… مجرد تأمل

التاريخ والحرب… مجرد تأمل

التاريخ والحرب… مجرد تأمل

أمين الجبر

الأحد6يوليو2025_

هل يمكن للإنسان أن يقرأ التاريخ بموضوعية وهو محاصر بأيديولوجيته؟ حين ينغلق الفرد داخل منظومة فكرية مغلقة، يتحول إلى سجين أفكاره، فيتعصب لرؤيته ويقدسها، ويقرأ الأحداث كما لو كان شاهدا وحيدا عليها أو صانعا لها. فيشوه الحقائق وفق هواه، ويحول التاريخ إلى أداة لتبرير ذاته وإرضاء غروره. 

لكن التاريخ ليس رواية واحدة، بل هو نسيج من الروايات المتضاربة. هناك التاريخ الرسمي المكتوب بأقلام المنتصرين، وهناك التاريخ المضاد المروج له من قبل المعارضين. كلا الروايتين تعتمدان على ثنائيات مجردة: خير وشر، ظالم ومظلوم، قديس وشيطان. بينهما تقع روايات أخرى تحاول أن تكون أكثر توازنا، فتلتزم قدرا من الحياد، وتعترف بأن الحقيقة التاريخية نسبية لا تختزل في لونين فقط. 

هذا التعدد يفسر اختلاف قراءاتنا للحروب والثورات عبر العصور. ورغم تباين التفسيرات، تبقى هناك محاولات جادة لفهم الأحداث بعيدا عن الانحياز الأعمى. خذ مثلا ثورة الحسين عليه السلام التي اتفق معظم المؤرخين على أنها كانت ثورة ضد الظلم، لا دفاعا عن عصبية عشائرية أو مذهبية، بل من أجل مبادئ إنسانية عابرة للزمان والمكان، كانت ثورة ضد الظلم والطغيان، لتصبح أيقونة التحرر الإنساني، إذ لم تكن ثورة عائلية أو مذهبية، بل ثورة نصرة للحق والثبات على المبادئ التي تجاوزت كل أشكال العصبيات والطائفيات، مخلدة قيم العدل والرفض المطلق للظلم والاستبداد.

. وكذلك حال ثورات أخرى قادها رموز مثل سبارتاكوس وزيد وغاندي وتشي جيفارا وعمر المختار ومانديلا، الذين حولوا كفاحهم من أجل الحرية إلى إرث عالمي، رغم اختلاف سياقاتهم. 

لكن السؤال الأصعب: كيف نقرأ الحروب؟ كل طرف في الصراع يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، بل ويضفي قداسة على معركته، بينما يشيطن خصمه. فالحرب لا تخاض — في الخطاب الرسمي لأي طرف — إلا دفاعا عن الحق، وغالبا ما يزعم أن هذا الحق مفوض من السماء. لكن وراء هذه الخطابات المقدسة، تكمن أسباب مادية وصراعات مصالح كان يمكن حلها بالحكمة، لولا التعصب والاستقطاب. 

إذا، كيف نكتب تاريخ الحروب بإنصاف؟ كيف نفسر معارك مثل الجمل وصفين والقادسية ووووالخ. دون الوقوع في فخ الروايات المتحزبة؟ هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه المؤرخين: فصل الوقائع عن التبريرات، وتمييز الحقائق عن الأساطير. فالتاريخ ليس ساحة للتعصب، بل هو دعوة دائمة إلى التأمل والنقد.

 اقرأ أيضا:حذار حذار حذار الفرز العرقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى