أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (12)
أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (12)
سلبيات هذا القرن …!
بقلم :عزيز بن طارش سعدان
{وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ}(سورة يونس – آية ١٠١)
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}(سورة الأنفال – آية (٢٢)
ولكن هذا الاستقلال الذي نالته الشعوب الإسلامية في هذا القرن كان مفرغاً من معناه ومحتواه بسبب فقدان الأمة للقابلية له، وخواء روحها، وجهلها بما يترتب عليه من مسؤوليات – إنه في الحقيقة معناه وواقعه العملي ،نستطيع أن نطلق عليه بتحديد دقيق: ظاهرة الاستقلال الشكلي والقانوني» وأما محتواه ومضمونه فهو الاستعمار المبطن من خلال الوجوه المنافقة العميلة فكراً أو حقيقة..إن مثل هذا الاستقلال الخاوي عملياً من «المضمون» و «الواقع المعاش» يفوق ضرره وآثامه الاستعمار المكشوف ذاته…!ولقد تبين بوضوح على وجه الأرض لكل من له إلمام بالسياسة أن سمات هذا الاستقلال ومعالمه: «قصور ذاتي ودولي وعدم القدرة على الاستقلال الفعلي» فلم يكن عطاؤه إلا ضياعاً وتخبطاً وشللاً، ولقد كانت «التجربة الديمقراطية» على أساس الأشكال الغربية عبارة عن تجربة تعبير» وترقيع ومتاهات لا «تجربة إصلاح وتبديل وبناء! ولما كانت «الديمقراطية الغربية في بعض تفاصيلها ومرتكزاتها ومكوناتها وغاياتها لا في بعض النواحي المشرقة منها – بعيدة عن روح «الشورى الإسلامية الملتزمة بمنهج الإسلام، وأخلاقية منهجه، فقد ظهرت هذه «الديمقراطية» كما لو كانت سباقاً محموماً على كراسي السلطة والانتفاع بها أكثر من كونها استخلاصاً للآراء النافعة في تسيير وإدارة، ورقابة على المسؤولية التنفيذية حتى لا تنحرف، أو تستغل، أو تطغى على المجتمع…!! كما في الشورى الإسلامية. هو في أقصى ما توصلت إليه التجربة البرلمانية في البلدان المتخلفة أنها كانت عبارة عن وسيلة للتعبير والكلام لا للعمل والتبديل والمضي نحو الأرشد ، والأحسن ، ولكنها كذلك في نظرنا لمجرد وجود شيء من «الحرية» أتاحت لقوى الإصلاح أن تسير في طريق بناء وإعداد قوة التحويل والخروج من الظلام إلى النور» فعاجلتها «التجربة الثورية».. أو ظاهرة الانقلابات العسكرية بتعبير أدق، تلك الانقلابات التي لم يعد خافياً صلتها بمخططات «العالين في الأرض»،(انتهى)إن الاستقلال عن الدول المحتلة في القرن الرابع عشر كان شكليًا في موضوعه ونتنًا في شكله، ولم يكن إلا مثل عارضات الأزياء التي تذهب بعد أن تكمل مهمتها. إن الاستعمار لم يرحل إلا بعد تأكيده أنه في أمان، وما كانت لديه من البلدان تسلمت إلى يد أمينة تأمر بأمره ولا تخالف له أمرًا. ومن خلال ذلك، نطرح السؤال: ما الفرق بين وجود المحتل أو وجود عميل لم يذهب ويترك الشعوب تتحكم في أمرها وتنتخب من يمثلها وفق عقد نابع من الشورى، وتتحرك على نهج الديمقراطية البنائية وفق الشريعة الإسلامية؟
لقد عُقدت المؤتمرات، وأُجريت مشروعات الأبحاث حول الديمقراطية في العالم الثالث، الذي نحن جزء منه، ونُشرت عشرات الكتب في ذلك من المفكرين الإسلاميين. وما زال الموضوع مطروقًا، وإن كان التقابل بينهما قد خف، والحوار بينهما جاريا، والتعاون بينهما قريبا. إن دولة الخلافة التي قامت على أسس الشورى لا جدال فيها، لأن الشورى هي أساس الحكم، فإن البناء كان متاحًا، وفتحت البلدان وهزمت أعظم جيوش العالم. ولم يكن هنالك أي تعارض بينهما؛ فرفع راية الإسلام كانت الأهم بينهم ونشر تعاليمه.
وفي الحقيقة، أنه لا غنى لأحد المنهجين الإسلاميين. ومن خلال متابعتنا للحركات الإسلامية، نجد أنه لا يوجد فيها تجدد التحركات السياسية حتى تكون البديل لغثاء السيل الذي وضعه أعداء الأمة. وكل ما هو جديد في هذا العصر، الانقلابات العسكرية، هي من منتجات الاستعمار عندما لم يقدروا على التحكم عن بعد كما هي العادة. إن الاستعمار ومخلفاته في البلدان الإسلامية، ومفكرنا الكريم إبراهيم بن علي الوزير -رحمه الله- أوضح لنا جميع الحقائق التي تحاصرنا من كل الاتجاهات، وأنه لا سبيل لخروجنا إلا بالرجوع إلى السنن الكونية المهداة للعمل بها وفق منهجية الإسلام .
إن التحرر الذي تنشره المنظمات هو وجه الاستعمار حتى يشغلوا الأمة عن ركب التقدم نحو الهدف البنّاء الذي يخرج الأمة من الظلمات إلى النور. إن ما أنتجته المنظمات شيٌ محزن، بالتعاون مع الأجهزة الاستخباراتية التي تريد أن تخرجنا من دائرة الإسلام إلى دائرتهم المملوءة بالأذى، الذي يحتفلون بتصديره دون أن نفهم عن ذلك المرض المخيف. ولكن بوجوه غير مألوفة بصفة ناشطات أو ناشطين، فإن الدور الذي يقوم به العلمانيون اليوم لإفساد الأمة هو نفس الدور الذي قام به أسلافهم قبل مائة عام، وهو الدور نفسه الذي قام به المنافقون في عهد الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
إن المتابع لأطروحات هؤلاء الأعداء يجد أنهم جميعًا يصدرون لنا جميع الأفكار التي يطرحونها، من المتحررين والمتحررات، ولست مبالغًا إن قلت: إن القوم يصدرون لنا هذه الأفكار الشيطانية التي يسممون بها أفكار الشباب والشابات في الأمة العربية والإسلامية من أجل إخراج الأمة عن نهجها القرآني، حتى تصبح الأمة بلا عقيدة وتصبح غثاء كغثاء السيل الذي لا ينفع لشيء وإنما يلوث الأرض.
إن نهجنا القرآني سوف يخرج العالم من الظلمات إلى النور، وبه سوف نقود العالم إلى الخير. ويسود العالم الأمن والاستقرار، ويتمكن العالم من العيش بسلام ومحبة واطمئنان، وتقام الشورى والعدل والأمن.. إلخ. فالإسلام هو نور الحرية في العالم لأنه من الرحمن الرحيم، خالق الكون.
إن الأعداء لا يزالون يرددون اليوم ما ردده من سبقهم الذين يحملون أفكارًا شيطانية، وهي نفس الأفكار والأساليب، ووضعوا أحاديث موضوعة وآثارا ضعيفة، وقصصا مكذوبة من أجل تشكيك الأمة العربية والإسلامية بدينها وعقيدتها السمحة، وتغيير نهج الشباب والشابات، حتى يتمكنوا من غرس نهجهم العفن تحت مسمى التحرر بين الشباب والشابات، وتشجيعهم على ممارسة الرذيلة والشذوذ الجنسي والفكري، وهذا خطر يهدد مستقبل الأمة العربية والإسلامية ويؤثر على كياننا.
إن العَلمانية تعمل على إفساد الأمة عن طريق المرأة المسلمة، وهم يعملون وفق منهج واحد لم يتغير عبر مائة عام من أجل إفساد الأمة. وبأطروحاتهم التحررية التي جلبوها من الغرب، هي أطروحات لم تتغير منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، سوى تغيير طفيف لمراعاة البيئات ومستجدات العصر. لكن المطالب الأساسية لديهم مكررة ومعدّة، نقرأها في كتب القدامى، ونسمعها من أفواه المعاصرين. في حقيقة الأمر فهم أبواق ينفخ فيها اليهود بروتوكولاتهم، فتظهر عبرهم الأفكار اليهودية لتخرج لنا أفكارًا يهودية بلهجة محلية عربية.
أن الدول العربية والإسلامية التي قامت بالتطبيع أو التي تسعى إلى الانخراط في منهجية التطبيع، أي جعل الفساد أمرًا طبيعيًا، حيث يتم طرح مجموعة من الأفكار والمقالات الصحفية، ونشر بعض الكتب والقصص والروايات، التي تتحدث جميعها عن موضوعات لها ارتباط بقضية إفساد الأمة، حتى يبدأ عامة الناس بقبول تلك الأفكار، ويبدأ تأثيرها يتسرب شيئًا فشيئًا إلى تفاصيل حياتهم اليومية.{ َكذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}
يتبع في الحلقة القادمة..
اقرأ أيضا:أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (11)