كتابات فكرية

هكذا يواجه الغرب خصومه

هكذا يواجه الغرب خصومه

  • محمد حسن زيد

الاثنين 15 ديسمبر 2025-

يخوض المعسكر الغربي حربا عالمية ثالثة ضد جميع مناوئيه لكن هذه الحرب تُخاض في معظمها بدهاء واستخبارات واقتصاد وضربات نوعية مع قدر محدود ومدروس بعناية من القدرة النارية وذلك لوجود أسلحة دمار شامل إن تم إطلاق العنان لها فإن الجميع سيفنى بما في ذلك كوكب الأرض..

أبرز الضربات التي وجهها المعسكر الغربي لروسيا في حرب أوكرانيا كانت تستهدف تحطيم المعنويات وكشف نقاط الضعف وتحمل رسائل مضمونها هو “نعرف أين أنتم ونستطيع أن نصل إليكم”، هذه الضربات النوعية كانت كوخزة الدبوس الصغير الذي يحتال على الدروع السميكة ثم يلمس القلب ويؤلمه بقدر محدود بغرض التهديد والإخافة.. هي ليست ضربات قاتلة لكنها قادرة على تغيير القناعات بشأن سير المعارك ومن هو الرابح فيها ومن هو الخاسر لأن ذلك قد يدفع لموجات من اليأس والاستسلام دون الحاجة لقتال، فهيبة جيش روسيا قبل الحرب الأوكرانية كانت شيء والآن أصبحت شيئا آخر رغم إن روسيا في الحقيقة لا تقاتل أوكرانيا وحدها بل تقاتل المعسكر الغربي بقيادة بريطانيا وأمريكا لكن قد يُجادل المجادلون أن ما حققته روسيا في مواجهة المعسكر الغربي يُعد إنجازا عسكريا كبيرا باعتبار الفارق الهائل في الإمكانات المادية والعسكرية.. لكن من سينسى دلالة تمرد فاغنر ثم دلالة احتلال جزء من إقليم كورسك الروسي ثم دلالة استهداف عدد من القاذفات الاستراتيجية الروسية داخل العمق الروسي وفي مواقع متعددة في آن واحد!! 

إيران وحلفاؤها وبعد ان استطاعوا فرض نوع من التوازن على المعسكر الغربي بقيادة أمريكا وبريطانيا ورأس حربته في منطقتنا إسرائيل منذ عام 1996 (عملية عناقيد الغضب) مرورا بإجبار إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 ثم مجزرة الدبابات في حرب تموز 2006 مع عدد من الحروب التي خاضها قطاع غزة المحاصر واليمن المحاصر حيث استطاع هؤلاء المقاومون الأضعف ماديا وعسكريا أن يفرضوا نوعا من التوازن على المعسكر الغربي وحتى عام 2024 كانت يد المقاومة هي الأعلى وقدرتها على إلجام إسرائيل هو العنوان الأبرز فالجميع يعلم كيف كانت إسرائيل تتحاشى مواجهة حزب الله وتهاب تهديدات السيد نصر الله لكن المعسكر الغربي ظل يخطط ويعمل بهدوء وصمت حتى استطاع أن يقلب الطاولة تماما على ما يسمى بالمحور الإيراني ووجه ضربات نوعية ضد حزب الله أدت إلى اغتيال قادته وضد الجيش العربي السوري أدت إلى تفكيكه ثم المساس بإيران نفسها عبر عمليات الاغتيال والاختراق المتعددة وتتويج ذلك بالهجوم ليل 12 يونيو 2025 حين وجه ضربات نوعية مفاجئة اغتال بها عددا من العلماء والقادة العسكريين وهم في منازلهم مع عائلاتهم حيث تركت هذه الضربات النوعية انطباعا بأن إيران ضعيفة لتهتز قناعة شريحة واسعة من الجمهور بقدرة إيران وقوتها سيما أولئك الذين لا يعيشون حالة الصراع العربي – الصهيوني من زاوية أخلاقية باعتباره واجبا إنسانيا ودينيا مقدسا ضد قوى الاحتلال والطغيان الصهيوني مهما اختلت موازين القوى معه!

التأثير على الجمهور كان هو الهدف من هذه الضربات النوعية لأن سياسة اغتيال العلماء والقادة لم تؤدِ من قبل ولن تؤدي الآن ولا الغد إلى إسقاط فئة ثقافتها هي الاستشهاد وطموحها هو الموت بالشهادة في سبيل الله على نهج الحسين، ومثلما ظل حزب الله يقاتل بكفاءة عالية وهو بدون رأس بعد أن استشهد ثلاثة مستويات من قيادته، كذلك كان تأثير الضربة النوعية التي تعرضت لها إيران ليل 12 يونيو 2025 محدودا رغم قسوة الضربة، وأظن ان لو كانت هذه الضربة موجهة لنظام غير نظام الجمهورية الإسلامية فلربما انهار أو استسلم خلال ساعات وهو ما راهن عليه نتنياهو حين خاطب الإيرانيين بعد الضربة مباشرة يدعوهم للثورة وتغيير النظام مستفيدين من الفراغ الذي خلفه اغتيال قادتهم، لكن العقيدة الاستشهادية الحسينية الراسخة لدى هذا النظام ولدى جمهوره ولدى حلفائه جعل تأثير هذه الضربة المعنوية محدودا، بل جعله عكسيا فقد شاهدنا الجماهير الإيرانية تخرج في الصباح تدعو لرد حازم على إسرائيل بدلا من أن تخاف وتنهار.. لقد اعتاد هذا المحور على الاستشهاد بل أصبح الاستشهاد جزءا أساسيا من حياته وثقافة شعبه وقيم مجتمعه وأصبح حافزا دينيا لا يهابه الكبار ولا الصغار بل باتوا يطمحون إليه..

وعلى مدى عقود من الزمن فشلت جميع الأبواق التي عملت على ضرب هذا الفكر وتسفيه هذه الثقافة ورموزها لأن البديل الذي تطرحه هو الاستسلام والذل والهوان وفوق هذا مخالفة أوامر الله الصريحة بالجهاد والصبر..

اقرأ أيضا: تواصل الوقفات القبلية المسلحة لمواجهة مختلف التحديدات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى