المحكمة العليا ودورها في تصحيح اختلالات المحاكم والقوانين

المحكمة العليا ودورها في تصحيح اختلالات المحاكم والقوانين

- عبدالرحمن الزبيب
الخميس10يوليو2025_
المحكمة العليا للجمهورية اليمنية ،هي أعلى هيئة قضائية ويحدد القانون كيفية تشكيلها ويبين اختصاصاتها والإجراءات التي تتبع أمامها وتمارس على وجه الخصوص في مجال القضاء ما يلي:ـ
ا- الفصل في الدعاوى والدفوع المتعلقة بعدم دستورية القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات .
ب- الفصل في تنازع الاختصاص بين جهات القضاء .
ج- التحقيق وإبداء الرأي في صحة الطعون المحالة إليها من مجلس النواب المتعلقة بصحة عضوية أي من أعضائه .
د- الفصل في الطعون في الأحكام النهائية وذلك في القضايا المدنية والتجارية والجنائية والأحوال الشخصية والمنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية وفقاً للقانون .
ما ورد أعلاه هو نص المادة (152) من الدستور اليمني الذي يوضح مكانه المحكمة العليا في رأس هرم السلطة القضائية وأوضح أهم صلاحياتها واختصاصاتها وأحال تشكيلها واختصاصاتها وإجراءاتها إلى القانون .
والذي تعتبر هيئة قضائية هامة جدا إذا تم تفعيل دورها سيكون لها دور كبير في إصلاح القضاء وتصحيح أي اختلالات قضائية في جميع المحاكم وتحسين أداء القضاء بشكل قوي وايجابي لما لها من صلاحيات واختصاصات هامة وجوهرية للرقابة القضائية على المحاكم وتحسين أداؤها .
ولا تتوقف صلاحيات واختصاصات المحكمة العليا في نطاق إصلاح اختلالات العمل القضائي في المحاكم فصلاحيتها تشمل أيضا تصحيح المنظومة القانونية عبر الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.
وتتكون المحكمة العليا من ثمان دوائر كالتالي :
1- الدائرة الدستورية .
2- الدائرة المدنية .
3- الدائرة التجارية .
4- الدائرة الجزائية .
5- دائرة الأحوال الشخصية .
6- الدائرة الإدارية .
7- الدائرة العسكرية .
8- دائرة فحص الطعون .
بالإضافة إلى الجمعية العمومية والمكتب الفني بالمحكمة العليا
وبملاحظة واقع المحكمة العليا في اليمن نلاحظ أن المواطنين يعانون من تأخر الفصل في قضاياهم المنظورة لدى المحكمة العليا فبمجرد الطعن في الحكم أو رفع الدعوى أو الدفع ورفع ملف القضية إلى المحكمة العليا يدخل الملف والقضية في سبات طويل قد يتجاوز الأربع سنوات دون الفصل فيها.
ولا يوجد أي جهة مختصة بالرقابة وتقييم أداء المحكمة العليا وتصحيح أي اختلالات تعيق دورها واختصاصاتها الهامة كون المحكمة العليا هي رأس هرم السلطة القضائية وهذا يعتبر خلل يتسبب في تراكم الاختلالات والأخطاء ويضعف دور المحكمة العليا .
وقد نظم قانون السلطة القضائية تشكيل واختصاص ومهام المحكمة العليا في 27 مادة من المادة العاشرة وحتى المادة 36 من القانون احتوت تلك المواد على اختصاصات ومهام هامة جدا للمحكمة العليا إذا ما تم تفعيلها سيكون لها دور كبير في تصحيح الأخطاء في المحاكم وخصوصا في الأحكام القضائية الذي تعتبر هي ثمرة القضاء والهدف من وجود السلطة القضائية وهو الفصل في النزاعات بأحكام قضائية عادلة وأيضا تصحيح اختلالات المنظومة القانونية عبر الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا وهنا للمحكمة العليا دور هام لتحقيق ذلك وبالرغم من الأهمية الكبيرة للمحكمة العليا إلا أن هناك ملاحظات تعيق دورها نوجزها في البنود التالية :
1-.تطويل فترة الفصل في الطعون والدفوع والدعاوى المنظورة لدى المحكمة العليا
يلاحظ أن هناك تطويل في فترة نظر والفصل في الطعون والدفوع والدعاوى لدى دوائر المحكمة العليا والتي قد تزيد عن أربع سنوات دون الفصل فيها بالرغم من أن المحكمة العليا وفقا للقانون هي محكمة قانون فهي فقط تفصل في الطعون المنظورة لديها بمدى التزام القاضي المصدر للحكم الابتدائي أو الاستئنافي بالقانون وعدم مخالفته او تجاوزه وكذلك الدفوع والدعاوى المرفوعة إليها بشكل مستعجل ووفقا لإجراءات سريعة وهذا يفترض أن تكون إجراءات المحكمة العليا سريعة وعاجلة فالاختصاص واضح ومركز وهذا هو الاختصاص العام للمحكمة العليا .
ولمعالجة ذلك نقترح :
تزمين فترة نظر والفصل في القضايا المنظورة لدى المحكمة العليا بفترة ستة أشهر من تاريخ وصول الملف للمحكمة العليا وضبط ذلك دون استثناءات لتعزيز دور المحكمة العليا وتعميق ثقة المجتمع فيها .
2-. غياب الرقابة والتقييم لأداء أعضاء المحكمة العليا
يخلوا الدستور وقانون السلطة القضائية من أي مادة او نص يوضح الرقابة والتقييم لأداء أعضاء المحكمة العليا .
نعم المحكمة العليا هي أعلى هيئة قضائية في السلطة القضائية ولكن هذا لا يعني أنها لا تخضع للرقابة والتقييم لأن غياب الرقابة والتقييم يراكم الاختلالات والأخطاء فأعضاء المحكمة العليا أيضا هم بشر يخطئون ويصيبون وليسوا ملائكة .
ولمعالجة ذلك نقترح :
تفعيل دور الرقابة والتقييم لأداء أعضاء المحكمة العليا لتسريع الإجراءات وتصحيح الأخطاء وتخصيص دائرة في التفتيش القضائي او في المحكمة العليا تكون متفرغة لتقييم أداء أعضاء المحكمة العليا والرقابة عليهم وتوجيه الملاحظات عليهم من واقع عملهم وانجازهم وبما يفعل من دور المحكمة العليا في اصلاح القضاء والقوانين.
3-. ضعف أداء المحكمة العليا في الجانب الرقابي والتصحيحي على المحاكم .
من أهم اختصاصات وصلاحيات المحكمة العليا هو الرقابة القضائية على جميع المحاكم حسبما هو موضح ذلك في قانون السلطة القضائية بمعنى أن المحكمة العليا تراقب جميع المحاكم في أداؤها القضائي سواء من إجراءات أو أحكام قضائية و تقوم بتوجيه منشورات قضائية عامة لكافة قضاة المحاكم بالملاحظات المستخلصة من خلال التدقيق في القضايا المنظورة أمام المحكمة العليا، وإصدار التوجيهات والقرارات الملزمة لجميع المحاكم .
ويلاحظ في الواقع ضعف ذلك الدور الهام للمحكمة العليا .
ولمعالجة ذلك نقترح :
تفعيل دور المحكمة العليا في الرقابة القضائية على جميع المحاكم و توجيه منشورات قضائية عامة لكافة قضاة المحاكم بالملاحظات المستخلصة من خلال التدقيق في القضايا المنظورة أمام المحكمة العليا، وإصدار التوجيهات والقرارات الملزمة لجميع المحاكم لكي لا تتكرر أي أخطاء سبق كشفها وأن تكون هناك خطة سنوية واضحة شفافة ومعلنة لتفعيل ذلك الاختصاص الهام وان يشمل ممارسة ذلك الاختصاص بجميع مراحله من مرحلة كشف الأخطاء الى مرحلة التصحيح لها وإحالة مرتكب الخطأ للتفتيش القضائي لمساءلة من أخطأ وتنفيذ إجراءات صارمة وتعميمها على جميع المحاكم وأيضا نشرها للعامة في وسائل الإعلام لضمان عدم تكرارها.
4-. ضعف أداء المكتب الفني والدراسات والبحوث في المحكمة العليا
من ضمن أهم مكونات المحكمة العليا هو المكتب الفني والمختص ب استخلاص القواعد القضائية والمبادئ التي تقرها المحكمة العليا فيما تصدره من قرارات وأحكام ونشرها على جميع المحاكم وعلى عموم المجتمع عبر وسائل الإعلام لما تتضمنه تلك القواعد والمبادئ القضائية من أسس جوهرية هامه تحد من تكرار الأخطاء في إجراءات المحاكم بحيث تكون تلك القواعد والمبادئ القضائية مسار واضح يوضح الطرق والإجراءات القضائية الصحيحة للتعامل مع القضايا وفقا لتلك القواعد والمبادئ وعدم تجاهلها أو مخالفتها .
حيث يلاحظ توقف اصدر المنشورات المتضمنة المبادئ والقواعد القضائية الصادرة من المحكمة العليا عبر المكتب الفني وهذا يجعل المحكمة العليا في معزل عن المحاكم وعن المجتمع ويتسبب ذلك في تكرار الأخطاء.
ولمعالجة ذلك نقترح :
تفعيل دور المكتب الفني والدراسات والبحوث في المحكمة العليا وإصدار المنشورات والتعاميم المتضمنة القواعد والمبادئ القضائية الذي تعتبر مسار واضح يصحح الأخطاء ويمنع تكرارها وأهمية التزام جميع القضاة في جميع المحاكم بتلك القواعد والمبادئ القضائية الصادرة من المحكمة العليا ومسائلة من يخالفها.
5-. غياب دور الجمعية العامة بالمحكمة العليا
ينص قانون السلطة القضائية على إنشاء جمعية عامة للمحكمة العليا كهيئة قضائية ضمن المحكمة العليا تظم فيها جميع أعضاء المحكمة العليا وأهم اختصاص للجمعية العامة هو تنظيم سير العمل في دوائر المحكمة العليا بمعنى تقييم أداء دوائر المحكمة العليا وتصحيح أي اختلالات او أخطاء أو تباطؤ فيها .
حيث يلاحظ غياب هذا الدور الهام للجمعية العامة للمحكمة العليا وأيضا تقييم النشاط القضائي للمحاكم عن طريق رفع المقترحات والتصورات لدورات الجمعية العمومية للمحكمة العليا ولمجلس القضاء الأعلى بشأن تقييم النشاط القضائي للمحاكم .
ولمعالجة ذلك نقترح :
سرعة تشكيل الجمعية العامة للمحكمة العليا وتفعيل دورها واختصاصاتها القانونية وأهمها تنظيم سير العمل في دوائر المحكمة العليا وتقييم أداؤها وتصحيح أي اختلالات أو أخطاء وأهم خلل هو تباطؤ إجراءات نظر والفصل في القضايا المنظورة لدى المحكمة العليا والذي بإمكان الجمعية العامة للمحكمة العليا تحديد سقف أعلى للفترة الزمنية للفصل في جميع القضايا بما لا يتجاوز ستة أشهر وتقييم أداء الدوائر بشكل عام وأيضا في كل قضية متى وصلت للدائرة وما هي الإجراءات الذي تمت فيها ومتى تم الفصل فيها ولماذا تأخرت ليتم تصحيح أسباب التأخير وبشكل عاجل وأيضا تفعيل تقييم النشاط القضائي في المحاكم وتصحيح الأخطاء والاختلالات.
6-. ضعف أداء الدائرة الدستورية في المحكمة العليا
تعتبر الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا من أهم الدوائر لما تمتلكه من صلاحيات واختصاصات قانونية هامة حيث نصت المادة (19) : من قانون السلطة القضائية على:
( تفصل الدائرة الدستورية فيما يلي :
أ-. الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات ، وذلك بطريق الفصل في الطعون التي ترفع إليها بعدم دستورية القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات سواءً عن طريق الدعوى المبتدأه أو الدفع .)
حيث تعتبر تلك الصلاحيات للدائرة الدستورية هامة جدا للرقابة على القوانين ومدى دستوريتها وركيزة أساسية لتحقيق إصلاح وتغيير شامل للقوانين الحالية بإجراءات قانونية وقضائية سريعة أفضل من تعديل تلك القوانين عبر السلطة التشريعية وإجراءاتها المطولة فالدائرة الدستورية إذا تم تفعيل دورها ستعالج وتغلق كثير من الثقوب والثغرات في جميع القوانين التي عطلت تلك القوانين وحرفتها عن مسارها الحقيقي وشجعت بعض القوانين الفساد ومن أهمها قانون محاكمة شاغلي الوظائف العليا الذي منح حصانة قوية لشاغلي الوظائف العليا وقيد الأجهزة الرقابية والقضائية في التحقيق معهم ومساءلتهم والذي يخالف ذلك القانون روح ونصوص الدستور الذي تؤكد على المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.
ولمعالجة ذلك نقترح :
تفعيل دور الدائرة الدستورية في المحكمة العليا في الرقابة على القوانين وتسريع إجراءات نظر والفصل في الدعاوى والدفوع بعدم دستورية القوانين وتحديد فترة زمنية لا تزيد عن ستة أشهر للفصل في دعاوى ودفوع عدم دستورية القوانين .
وان يواكب ذلك إجراءات حثيثة لتفعيل دور وزارة الشؤون القانونية للقيام بدراسة جميع القوانين النافذة وتشخيص الثغرات فيها وإعداد دراسات قانونية في تلك الثغرات توضح جميع جوانبها وأهمها مخالفتها للدستور ليتم رفعها بدفوع أو دعاوى إلى الدائرة الدستورية لإلغائها.
وفي الأخير :
نؤكد على أهمية تفعيل مهام واختصاصات المحكمة العليا وتقييم أداؤها لتسريع إجراءات نظر والفصل في القضايا المنظورة لديها وتحديد فترة زمنية محددة للفصل في جميع القضايا المنظورة لديها والذي يفترض أن لا تتجاوز فترة الفصل فيها عن ستة أشهر من تاريخ وصولها للمحكمة العليا بالإضافة إلى أهمية تفعيل دور المحكمة العليا في تقييم النشاط القضائي للمحاكم وتشخيص الأخطاء والاختلالات وتصحيحها واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار تلك الأخطاء عن طريق اعداد ونشر القواعد و المبادئ القضائية الذي توضح مسار الإجراءات القضائية وسلامتها لتسير المحاكم على ضوئها وتوضيح الاختلالات والأخطاء لتتحاشى المحاكم الوقوع فيها ويتحقق ذلك بتفعيل المكتب الفني بالمحكمة العليا المختص باستخلاص القواعد والمبادئ القضائية ونشرها وأيضا وجوبية تفعيل الدراسات والبحوث في المحكمة العليا وفقا للقانون ونشرها وتعميمها على جميع المحاكم والتي تعتبر موجهات للعمل القضائي في جميع المحاكم .
وأهمية تفعيل الجمعية العامة للمحكمة العليا كونها تعتبر وسيلة من وسائل التقييم لأداء المحكمة العليا وأيضا تقييم النشاط القضائي في جميع المحاكم ليتم بعد التقييم التصحيح والمعالجة .
ولا يتوقف دور المحكمة العليا في نطاق تقييم النشاط القضائي في المحاكم فدورها يشمل أيضا إلغاء القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات الذي تتعارض أو تخالف الدستور وهذا دور هام تمارسه المحكمة العليا عبر الدائرة الدستورية والذي يعتبر اختصاص هام لتصحيح اختلالات المنظومة القانونية بطريقة أسرع من التعديل عبر السلطة التشريعية ويستلزم أن يواكب ذلك التفعيل للدائرة الدستورية تفعيل دور وزارة الشؤون القانونية لإعداد الدراسات القانونية لتشخيص الاختلالات والثغرات في جميع القوانين وصياغتها في عرائض ودفوع بعدم الدستورية ترفع للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا لإلغائها وتصحيح المنظومة القانونية وسد جميع الثغرات التي تعطل وتحرف مسار تلك القوانين ومن أهمها الفاء قانون إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة الذي يحمي ويحصن الفساد ويقيد الأجهزة الرقابية والقضائية في التحقيق ومحاكمة الفاسدين بسبب هذا القانون الذي يعتبر عقبة كبيرة تعيق مكافحة الفساد بالإضافة إلى قوانين أخرى تتضمن ثغرات تعطل أي جهود إيجابية لمكافحة الفساد وتعيق تحقيق أي تنمية او تطوير والذي بالإمكان إزالة تلك العقبات عبر الدائرة الدستورية في المحكمة العليا وتفعيل دورها بهذا الخصوص كونها الطريق الأسرع والأنجع.
ونؤكد على أهمية المحكمة العليا وتسريع دورها في تصحيح اختلالات المحاكم والقوانين.
- عبدالرحمن علي علي الزبيب
صحفي مستقل ومستشار قانوني
law711177723@yahoo.com
اقرأ أيضا:اختلالات تنفيذ الأحكام القضائية يضعف ثقة الشعب في القضاء
