نفحات من كتاب لكي لا نمضي في الظلام (الحلقة الخامسة)
نفحات من كتاب لكي لا نمضي في الظلام (الحلقة الخامسة)
إننا نستشف نوراً من كتاب ( لكي لا نمضي في الظلام ) للمفكر المرحوم المجاهد إبراهيم بن علي الوزير ولا نقول في ذلك إلا رسالة نذير للطغاة في هذا العصر فمنذ عام 1948م الذي كان فيه ثورة الدستور التي كانت نوراً فذاً في هذا العصر ولكن نقول للظالمين انضروا إلى الذين سبقوكم في الحكم منهم من بقي ومنهم من نفي ومنهم من أزيل من الحياة نفسها، فهذا هو طريق ومصير كل الطغاة. إن طغاة العصر لا يريدون أن يكون هناك نوراً مشعاً للحياة ليس لحياتهم وإنما لحياة الشعوب المغلوبة على أمرها ولكنهم يريدون بدل هذا النور ظلام وكوابيس جاثمة على صدور أبناء الشعوب، إن الوجدان والضمير يوحيان إلى زلزلة الطغاة في قصورهم وما يتحكمون به في قوت الأمة. ولعل مفكرنا الكريم الذي أبى أن يكون إلى جانب الطغاة ظل مجاهداً مستنيراً يمشي في ركاب الحياة ليس من أجل ذاته ولكن من أجل شعوب العالم ولم يخضع يوماً للطغاة أو أموالهم وإنما جاهد جهاد الابطال من أجل أمته ومن أجل نور الهدى الذي يستشف بنوره كل من حمل رسالة هذه الأمة، إننا بحاجة إلى وعي كامل يشمل كل الحياة ونور مشرق يستظل بنوره كل من في الكون حتى يعرف الناس أنه الحق ونزلزل كراسي الطغاة سواء كراسي نومهم أو كراسي حكمهم الذين استكبروا وعلوا في الأرض ولم يحسبوا حساب مكانتهم في الأخرة، إن مكانة الطغاة هي في مستنقع الأرض ومستنقع الظالمين الذين أبوا إلا أن يستكبروا استكبارا. إننا لننشد إلى أخوة صادقة من أجل نور الحياة في هذا العصر ولعل مفكرنا الكريم قد نبهنا إلى أن الطغاة يحاربون العلم. نقتبس من ذلك ” ثالثاً: محاربة العلم والمعرفة لتجهيله فلا مدارس ولا تعليم. وكانت النتيجة جهلاً وفقراً ومرضاً وخوفاً ومر الزمن كئيباً !! متشحاً بالمأساة والدم !! ” انتهى الاقتباس.
وعلينا أن ننبه القارئ الكريم أننا قد أوضحنا أولاً وثانياً في مقالنا السابق ( الحلقة الرابعة ). إن مفكرنا الكريم المجاهد قد نبهنا إلى أن هنالك طغاة العصر سواء في الحاضر أو الماضي يحاربون التعليم لأنهم يعرفون بأن التعليم هو النجاة للشعوب من طغيانهم وجبروتهم فالتعليم يرفع مكارم الأخلاق للشعوب لان العلم يقي الإنسان من المرض ومن الجهل ويحمل في طياته التقدم الاقتصادي والبناء في مجال الصحة والأمن والتقدم الديمقراطي فلا سبيل للطغاة بعد العلم إلا الخضوع للشعوب الإسلامية وبالعلم ترقى الشعوب في جميع المجالات كالفيزياء والرياضيات والثقافة وغيرها وهذه لا يمكن أن يأتي إلا بالعلم، ولا يمكن أن نبني بلداننا إلا بالعلم، والحضارة لا يمكن أن تأتي إلا بالعلم، وعلينا أن ننضر إلى الشعوب المتقدمة صناعياً واقتصادياً وسياسياً الذين أخذوا العلوم من عندنا وطوروها وبنوا بلدانهم وأصبحت منارة لأجيالهم الصاعدة ونحن للأسف أخذنا الجهل والمرض والعفن منهم بدل التقدم والازدهار لأن لدينا طغاة مستبدون. ومن الإنجازات العظيمة للأنظمة العربية، نجاحها في تحديد آليات واضحة لدى المواطن العربي، للربط الجدلي بين العقاب الصارم الذي لا يرحم أحداً ولا مهرب منه، وبين أية مظاهر تشير إلى الانحراف عن رؤية السلطة، أو أي سلوكيات تمرد أو رد فعل أو أقوال مخالفة من قبل البشر. ونجحت الأنظمة وأدواتها الأمنية في ترسيخ هذا المفهوم في عقول المواطنين، والذي يعني أن أي موقف مخالف سوف يعني الردع وإنزال العقاب، إذن لا بد من الخنوع والانقياد للإفلات من العقاب. جميع الشعوب العربية تدرك أن بعض الأنظمة العربية قد اتقنت بجدارة فنون الترهيب والتفزيع والوعيد، إذ أصبح الخوف والرهبة هما الصفتان المشتركتان -تقريباً-لجميع هذه الشعوب. الخوف والرعب من الاعتقال التعسفي، الخوف من التعذيب والأذية، الرعب من جدران السجن، الخشية من الفقر والحرمان، الخوف من تالي الأيام. خوف ورعب وصل إلى حدود الشلل والانكفاء، مما أحدث حالة من الاغتراب الداخلي لدى المواطن العربي، فهو لا يشعر بهويته وانتمائه، ولا يشعر بحريته على قول ما يريد، تراه يكن البغض للنظام السياسي لكنه لا يجرؤ على الإفصاح، فإن فزعه من العقاب يجعل من إنكاره لنفسه ومواقفه وأقواله لتصل إلى الدرجة العليا. تستخدم الأنظمة العربية سياسات متعددة لإخضاع وترويض شعوبها، من ضمنها ما يعرف بسياسة العصا والجزرة. والجزرة هنا هي الانقياد والتحكم الناعم من خلال استغفال الشعوب بشعارات الحرية والديمقراطية، لكن أداة النظام للحكم تظل دون تغيير، ويظل الاستبداد جوهره، لذلك تعمد النظم العربية على إقامة انتخابات برلمانية ورئاسية وتفاخر بذلك لتغطية ما لا يغطّى من السياسات الأمنية التي تحكم الناس بواسطتها. حرص هذه الأنظمة على المظاهر الخادعة للديمقراطية شبيه بحرص السجّان على طلاء جدران السجن الخارجية بألوان زاهية،إن الربيع العربي كان في الأساس الانطلاقة للشعوب من سبات ظل دهراً كبيراً ليس الخلل في الشعوب وإنما الخلل فيمن يحكمهم ويتحكم في مفاتيح النجاة ولعل الربيع العربي كان منارة أحيا بها الشعوب الصاعدة والمستبصرة إلى نور الحرية ولكن الطغاة أبوا أن يستمر ذلك الربيع ويحقق أهدافه، بل أبوا إلى النقيض من ذلك ووقفوا ضد تلك اليقظة، وأبوا إلا أن يفشلوها وفي الحقيقة أفشلوها في مصر وفي اليمن وسوريا وليبيا وتونس التي مازالت تترنح بين الصمود والانحناء وإن شاء الله تكون منارة تقتدي بها الشعوب من جبروت الطغاة وهيمنتهم على شعوب المنطقة العربية والشعوب الإسلامية، ولعل مفكرنا الكريم قد أضاء بنوره شعاع الحرية الذي حمله منذ كان طفلاً حتى وفاته يرحمه الله. فتحية له في الحياة وله في الممات ونسأل الله له الجنة أن تكون مأواه..
shababunity@gmail.com
بقلم الشيخ عزيز بن طارش سعدان شيخ قبلي الجوف برط ذو محمد