من مرتزقة للعدوان على اليمن إلى جنرالات يتنافسون على حكم السودان
من مرتزقة للعدوان على اليمن إلى جنرالات يتنافسون على حكم السودان
الخميس27أبريل2023 استيقظ السودان يوم السبت 15 أبريل نيسان الجاري ، على وقع اشتباكات عنيفة تدور رحاها بشكل أساسي في الخرطوم وأنحاء أخرى من البلاد، واصطدمت قوات الجيش وقوات الدعم السريع، بعد احتدام الخلاف بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، واللذين يمثلان أبرز كيانين عسكريين في البلاد، هما الجيش وقوات الدعم السريع.
فمن هو محمد حمدان دقلو المشهور بـ “حميدتي” الذي أصبح لاعباً أساسياً في المعادلة السياسية في السودان؟
عاد اسم محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، للتداول بقوة في الأخبار، لا سيما بعد اندلاع مواجهات عسكرية واسعة بين جناحي المكون العسكري، الجيش الذي يقوده عبد الفتاح البرهان من جهة، وقوات الدعم السريع بقيادة حليف البرهان السابق، حميدتي من جهة ثانية.
بداية دقلو عبارة عن تاجر إبل بسيط التعليم، ثم زعيم ميليشيا، وصعد بسرعة الصاروخ ليكون أقوى رجل بالسودان الذي يطمح في ترؤس البلاد، تبدو قصة الفريق محمد حمدان المشهور بـ”حميدتي”، كأنها رواية خيالية تنتمي لحكايات ألف ليلة وليلة، وهي كاشفة لحجم التغييرات الدراماتيكية التي مرت بهذا البلد، ولكن تبدو نهايتها مأساوية للجميع.
بعد بداياته في تجارة الجمال وقيادة ميليشيا عنيفة متهمة بارتكاب فظائع في دارفور، اكتسب الفريق محمد حمدان نفوذاً وثروات في السودان على مدى العقدين الماضيين بالتزامن مع صعوده إلى السلطة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
ويعتقد أنه يريد تولي رئاسة السودان سواء عبر القوة العسكرية أو عبر اكتساب شعبية من خلال العداء للإسلاميين والجيش وتقديم نفسه كممثل لمناطق السودان المهمشة.
ولكن رغم إعلانه أن قواته تحاصر قوات الجيش الرئيسية، فربما كان قتال يوم السبت 15 أبريل/نيسان أصعب تحدٍّ واجهه حمدان، حين اندلع قتال في العاصمة بين قواته شبه العسكرية والجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، حسب الصحيفة الأمريكية.
كيف تحول محمد حمدان دقلو “حميدتي” من تاجر إبل إلى متمرد ثم جنرال!؟
ولد حميدتي عام 1975، ولم يكن لأحد أن يتخيل أنّ هذا الصبي “النحيل” الذي لم يحظَ إلّا بقدر يسير من التعليم، حيث غادر مقاعد الدراسة مبكراً وهو في الخامسة عشرة من عمره، أن يلعب يوماً ما دوراً مهماً في صناعة مصير السودان وتشكيل مستقبله، حسبما ورد في تقرير لموقع “حفريات”.
وينحدر حميدتي من قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية التي تقطن إقليم دارفور غربي السودان، وترك الدراسة في عمر مبكر وعمل في العشرينات من عمره في تجارة الإبل بين ليبيا ومالي وتشاد بشكل رئيسي، فضلاً عن حماية القوافل التجارية من قطاع الطرق في مناطق سيطرة قبيلته.
جنى حميدتي ثروة كبيرة من عمله هذا في التسعينيات؛ مما مكّنه من تشكيل ميليشيا قبلية خاصة به تنافست مع ميليشيات قبلية أخرى، وعند اكتشاف الذهب في جبل عامر سيطرت ميليشياته على مناجمه.
بدأت حياة حميدتي السياسية والعسكرية مع ميليشيات الجنجويد التي نفذت أسوأ الفظائع في إقليم دارفور بغرب البلاد، وهي الميليشيات التي ترتبط باسم موسى هلال المطلوب للعدالة الدولية والذي يقال إنه قريب لحميدتي.
وأدى هذا الصراع، الذي بدأ في عام 2003، إلى تشريد الملايين وتسبب في وفاة ما يصل إلى 300 ألف شخص.
وفقاً لصحيفة The Washington Post الأمريكية، نشأت قوات الدعم السريع من ميليشيا الجنجويد، التي اتُّهمت بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. فوفقاً لجماعات حقوقية، اغتصبت قوات الدعم السريع قرى وحرقتها ونهبتها في أوائل الألفينات. وساعدت الرئيس السوداني السابق عمر البشير- الذي اتهمته المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية- في إخماد تمرد هناك خلال فترة رئاسته.
تبدأ قصة صعود حميدتي في عام 2003، عندما حشدت حكومة البشير قوات من الرعاة العرب لمحاربة المتمردين الأفارقة في دارفور، وكانت نواة هذه القوات، التي عرفت لاحقاً باسم “الجنجويد” مؤلفة من رعاة إبل من عشيرتي المحاميد والماهرية، من قبائل الرزيقات في شمال دارفور والمناطق المتاخمة لها في تشاد، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
وحمل حميدتي السلاح لأول مرة في منطقة غرب دارفور بعد أن قتل رجال هاجموا قافلته التجارية نحو 60 شخصاً من عائلته ونهبوا الجمال، وفقاً لما ذكره محمد سعد المساعد السابق لحميدتي، حيث كان حميدتي غاضباً من تعرض قبيلته لاعتداءات من قبل الحركات الدارفورية المنحدرة من القبائل الإفريقية.
وتمثل القبائل الإفريقية نحو 60% من سكان دارفور، ويعمل أغلبها بالزراعة، بينما تمثل القبائل العربية نحو 40% من السكان ويعمل أغلبها بالرعي، وقد تفاقمت الخلافات بين الفلاحين والرعاة مع زيادة السكان وأعداد حيوانات الرعي وانتشار السلاح والقلاقل من تشاد المجاورة.
وخلال الحرب الضارية في دارفور بين عامي 2003-2005، كان قائد الجنجويد الأكثر شهرة والأسوأ سمعة هو موسى هلال، زعيم عشيرة المحاميد.
وانضم حميدتي إلى حرس الحدود، عام 2003، وكان عمره 28 عاماً، حيث برز عندما كان يعمل إلى جانب هلال، عندما تمكن من توسيع الميليشيا التي يقودها من الماهرية وضم إليها قبائل أخرى.
وأظهر قدرات فاقت شيخه (هلال) على حشد المقاتلين وإقناعهم بالانضمام إلى حرس الحدود، لينافس زعيمه السابق هلال وليستعين به البشير لاحقاً، إثر خلاف مع الأخير، حسب “بي بي سي”.
وتحول حميدتي بدوره إلى متمرد على الدولة عندما تم تهميشه خلال مفاوضات السلام في دارفور، فثار غضبه عندما انقطعت رواتب جنوده لأكثر من ستة أشهر.
أما نقطة الانفجار فكانت تعيين البشير لـ”ميني مناوي” المنتسب لقبيلة الزغاوة مستشاراً له، فتمرّد بنفسه على الرئيس السوداني.
بدأ حميدتي ثورته ضد الحكومة في أغسطس/آب 2007، حيث انشقّ بأكثر من سبعين مركبة ثقيلة مدرعة، ولكن انصاعت الحكومة لتمرده وتحقّق حلم حميدتي ليس فقط في أن ينال كل المستحقات بأثر رجعي بل لأنه حمل لأول مرّة لقب عسكري “عميد”.. وتحوّل من تاجر إبل وأمير حرب إلى قائد عسكري.
ففي مواجهة الاحتجاج الدولي على تصرفات الجنجويد في دارفور، قام عمر البشير آنذاك بإضفاء الطابع الرسمي على المجموعة في قوات شبه عسكرية تعرف باسم وحدات استخبارات الحدود. لقد كانت بداية مسيرة عسكرية لامعة ومثيرة للجدل، حسب وصف تقرير لشبكة “سي إن إن” الأمريكية.
ولكن اللافت أن أياً من الجهات الدولية لم توجه اتهاماً مباشراً لحميدتي بارتكاب جرائم مثلما فعلت مع موسى هلال أو البشير نفسه.
أما المعركة التي حوّلت حميدتي لقائد شهير ومحط إعجاب البشير وجعلته يتطلع للرئاسة، فكانت عندما بدأت الميليشيا التابعة لـ”حميدتي” تزداد قوة ونفوذاً وعدداً مع كل يوم يمر عليها، مع تركيز الرئيس المخلوع “عمر البشير” عليها بصورة كبيرة ومدّها بالمال والسلاح بصورة مباشرة؛ لتكون خط الدفاع الأول ضد المجموعات المسلحة التي تحارب نظامه في غرب السودان، خاصة مع وصول المتمردين إلى أم درمان التي تعد جزءاً من حدود العاصمة الوطنية الكبرى، ومحاولتهم التقدم إلى القصر الرئاسي في العاصمة الإدارية الخرطوم في شهر مايو/أيار من العام 2008، في عملية فاجأت كثيرين وأولهم الرئيس والجيش.
ولعبت قوات حميدتي دوراً كبيراً في صد هذا الهجوم المباغت.
وهكذا، أظهرت قوات حميدتي أهميتها العسكرية للجيش السوداني الذي يمتلك قوة جوية وأسلحة ثقيلة، لكنه كان يفتقر إلى القدرة على التنقل للقتال في المناطق الريفية والأجزاء القاحلة من دارفور. وكانت ميليشيا الجنجويد- التي تحولت لاحقاً إلى قوات الدعم السريع- تهاجم المتمردين والقرى المدنية باستخدام الخيول والجمال وشاحنات الدفع الرباعي المزودة بمدافع محمولة.
وتم إضفاء مزيد من الشرعية على ميليشيات حميدتي، ففي عام 2013، أنشأ البشير وفق مرسوم رئاسي قوات الدعم السريع، وأصبحت تحت إشرافه مباشرة، وكان قوامها الأساسي مكوناً من 5000 عنصر كانوا مسلحين ونشطين قبل ذلك بوقت طويل مجهزين بألف سيارة عسكرية.
وأصبح لمحمد حمدان دقلو مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور وبيع أثمن موارد السودان. وبينما توالت الأزمات الاقتصادية على البلاد،مما مكنه ليصبح حميدتي ثرياً.
بعد ذلك حققت قوات الدعم السريع انتصارات عسكرية لاحقاً على فصائل التمرد في معارك عدّة، مثل معركة دونكي البعاشيم في 2014 ضد قوات تحرير السودان فصيل أركو مناوي..
وبرز الطموح السياسي للرجل منذ الفترة التي أعقبت أشهر معاركه ضد حركات دارفور. معركة “قوز دنقو” التي وقعت في عام 2015 بين “قوات الدعم السريع” و”حركة العدل والمساواة” التي تُعد من أكبر الحركات المسلحة في دارفور، وتتحدث بعض التقارير أنه أصبح يجاهر برغبته في وراثة البشير منذ ذلك الوقت.
كانت تلك المعركة قاصمة لظهر حركة العدل والمساواة، وبالمقابل حصد بعدها حميدتي رصيداً عسكرياً وسياسياً ضخماً.
كما لعب حميدتي دوراً كبيراً في القضاء على قوة ابن عمه موسى هلال مؤسس الجنجاويد الذي أصبح مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية ومتمرداً على البشير، حيث تم القبض عليه عام 2017.
وبعد هدوء جبهات القتال والأوضاع في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان اتجهت قوات الدعم إلى مجال مكافحة الاتجار بالبشر والمخدرات والهجرة غير الشرعية صوب قارة أوروبا، ما أكسب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وقواته بعض الرضا من أمريكا وبعض الدول الأوربية والأسرة الدولية، رغم اتهامات لقوات الدعم السريع بأنها متورطة في الوقت ذاته في جرائم ضد الإنسانية ،وأنها تلعب لعبة مزودجة في هذا الشأن.
وقيل إنه حصل على تمويل من الاتحاد الأوروبي مقابل وقف الهجرة غير الشرعية.
نقل البشير تبعية الدعم السريع الاسمية للجيش
أصبحت قوات الدعم السريع، قوة نظامية بقانون خاص بها أجازه البرلمان السوداني مطلع 2017،و تحولت بموجبه من قوة مقاتلة تابعة لجهاز الأمن إلى قوات نظامية تتبع القوات المسلحة السودانية.
هذه المعارك والمهمات أثبتت الكفاءة القتالية لتلك الميليشيات وقيادة حميدتي التي بدا أنها تحرج جنرالات الجيش السوداني.وكان البشير يلقبه بـ”حمايتي” لشدة إعجابه به ، ولادخاره للوقت اللازم.
وخلال أعوام معدودة وصل الرجل إلى أعلى الرتب العسكرية وتفوّق على من سبقوه من قادة الميليشيات العربية. وعلى الرغم من أنه لا ينتمي إلى مؤسسة الجيش فهو الآن يحمل رتبة فريق أول، مع منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الذي يشاركه فيه عدد من جنرالات الجيش.
كيف تصرف مع الاحتجاجات ضد البشير؟
عندما انفجرت الاحتجاجات ضد البشير عام 2019، كان الرئيس السوداني يتوقع أن يحميه حميدتي، ولكن لم تتورط “قوات الدعم السريع” في قمع المتظاهرين طيلة شهور الاحتجاجات حتى سقط البشير.
وحينما خطط مدير الأمن السابق صلاح قوش لسيناريو إزاحة البشير تحت الضغط الشعبي في أبريل/نيسان 2019 الذي تحول لاعتصام في محيط قيادة الجيش، كانت المعضلة الرئيسية وقتذاك هي “قوات الدعم السريع” التي بناها البشير لسنوات طويلة لمثل هذا اليوم، وحوّلها إلى قوة ضاربة وجعلها شوكة في حلق الجيش الذي لا يثق فيه كثيراً.
وقتها كان قوش قد حيّد القوة العسكرية لجهاز الأمن، كما حيّد وزير الدفاع ونائب البشير، عوض بن عوف، والجيش، فلم يتبقّ إلا القوة الضاربة التي يدين صاحبها بشكل شخصي بالولاء المطلق للبشير.
لكن ردة فعل حميدتي كانت أن رحب بقرار اللجنة الأمنية بإزاحة البشير بعد أربعة أيام من اعتصام القيادة ليصبح مشاركاً في الثورة باستجابته للتخلي عن البشير وعدم قمع قواته للمتظاهرين، وذلك لطوحه الكبير في خلافة البشير.
وكان الجيش السوداني مكسور الجناح وله عدة قيادات ،لذلك تحول ميزان القوة لصالح “قوات الدعم السريع” وقائدها، حسبما ورد في تقرير لموقع جريدة السفير اللبنانية.
لكن بعد شهرين من عزل البشير، وتحديداً في يونيو/حزيران عام 2019، حين رفض المتظاهرون المطالبون بالانتقال الفوري إلى الحكم المدني مغادرة أماكن الاحتجاج، شنت قوات الدعم السريع هجوماً وحشياً عليهم، حسب وصف The New York Times.الأمريكية.
فأحرقت قواته الخيام واغتصبت النساء وقتلت العشرات وألقت بعضهم في النيل، بحسب روايات عديدة لمتظاهرين وشهود عيان. وقال مسعفون سودانيون إن 118 شخصاً على الأقل قُتلوا في هذا الهجوم، فيما يعرف باسم “مذبحة القيادة العامة للجيش السوداني”.
ونفى حميدتي أي دور له في هذا العنف وهاجم من وصف مقاتليه بالجنجويد رغم دورها الرئيسي في صعوده للسلطة.
تضاعف حجم قوات الدعم السريع وامتلاكها لطائرات مسيرة!
قال تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس لعام 2019 إن قوات الدعم السريع كانت قبل توسعها السريع تضم حوالي 50 ألف جندي، يُقال إن من بينهم جنوداً أطفالاً.
لكن تطورت قوات الدعم السريع إلى ما هو أكبر بكثير من مجرد رعاة مسلحين. إذ بدأت الحكومة الاستعانة بالقوة التي يبلغ قوامها 70 ألف مقاتل، حسب بعض التقديرات، لوأد أي تمرد في السودان وكذلك للقتال كمرتزقة لجلب المال في العدوان على اليمن التي شنها تحالف خليجي بقيادة السعودية، حسبما ورد في تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية.
وبالتأكيد بمشاركة أمريكية بريطانية إسرائيلية،وأثرت الحرب الجنرال حمدان أيضاً، وباتت له مصالح تجارية في تعدين الذهب والبناء وشركات لتأجير السيارات منها سيارات الليموزين.
وصار أيضاً سياسياً نشطاً يتنقل بين منطقة القرن الإفريقي والشرق الأوسط للقاء القادة وتشكيل علاقات وثيقة مع موسكو، حيث تحالف مع شركتها العسكرية الخاصة فاغنر، التي يحرس مرتزقتها مناجم الذهب في السودان والتي زودت قواته بالمعدات العسكرية.
ويقول محللون إن قوات الدعم السريع تضم حاليا نحو 100 ألف عضو. فخلال العامين الماضيين، أطلق حميدتي حملة تجنيد سريعة بدعم إماراتي ، مكافأة له على دور قواته في العدوان على اليمن ، وساهمت في تعزيز صفوف قوات الدعم السريع. ويقول خبراء إن معظم أفرادها من غرب السودان، ومناطق أهملتها الحكومة لفترة طويلة، من ضمنها مناطق في الشرق بالقرب من البحر الأحمر وعلى طول الحدود مع جنوب السودان.
وأفادت تقارير أنه بنى أسطولاً من المركبات المدرعة وحصل على طائرات مسيرة، وفقاً لمحمد عثمان، الباحث المسؤول عن السودان في منظمة هيومن رايتس ووتش، حسبما نقلت عنه صحيفة The Washington Post الأمريكية.
من هو المرتزق عبد الفتاح البرهان وكيف تطورت علاقته بحميدتي؟
فالجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد عسكري لم يكن معروفاً قبل عام 2019، صعد إلى السلطة في أعقاب الاحتجاجات الشعبية والانقلاب العسكري الذي أطاح بعمر حسن البشير.
وشغل البرهان، الذي كان المفتش العام للقوات المسلحة حينذاك، منصب قائد الجيش الإقليمي في دارفور، حيث قُتل 300 ألف شخص ونزح ملايين آخرون في القتال الذي استمر من 2003 إلى 2008، كما خدم كقائد مرتزق مع القوات السودانية في العدوان على اليمن؛ مما جعله ينسج على الأرجح علاقات جيدة مع السعودية والإمارات، مثلما فعل حميدتي قبله،حيث كان حميدتي يورِّد المقاتلين السودانيين كمرتزقة للسعودية في عدوانها على اليمن وللإمارات في ليبيا.
وتعود العلاقة بين البرهان وحميدتي إلى عقدين سابقين، إلى دارفور، فقد قاتل البرهان في المنطقة التيتقاتل فيها مليشيات حميدتي دقلو، وكان البرهان عقيداً في الاستخبارات العسكرية ويعمل على تنسيق هجمات الجيش والميليشيات في ولاية غرب دارفور من 2003 إلى 2005.
وتحول الرجلان لحليفين بعد عزل البشير،لكنهما كانا يطمحان لخلافة المخلوع البشير، وكان الفريق أول البرهان على تحالف وثيق مع البشير. ولكن بعد الإطاحة بالأخير، تولى وزير دفاعه الفريق عوض محمد أحمد بن عوف زمام الأمور، لكن المتظاهرين طالبوا باستقالته.
ووصلت العلاقة بين البرهان وحميدتي للتحالف الحالي، بعد الإطاحة بوزير الدفاع في عهد البشير عوض بن عوف الذي تولى السلطة بعد عزل البشير، وساهم في تنظيم عملية عزله.
وتم عزل بن عوف بعد اعتراض المحتجين عليه، وأصبح البرهان رئيساً لمجلس السيادة وقائداً للجيش، رغم أنه لم يكن قائد صف أول في القوات المسلحة، ويعتقد أن ذلك تم بدعم وتنسيق مع حميدتي وبدعم إقليمي خاصة السعودية والامارات، فيما أصبح حمدان نائب رئيس مجلس السيادة، وتحالف الرجلان ضد القوى المدنية.
وأصبح البرهان الزعيم الأقوى في البلاد خلال فترة انتقالية هشة. ومضى البرهان في إحكام قبضته تدريجياً على السودان، حسب تقرير آخر لصحيفة The New York Times الأمريكية.
ولكن حميدتي كان يقوم بجهود موازية للسيطرة على مقاليد الأمور في السودان، مما جعل الصدام حتمياً بين الحليفين.
انقلاب علاقة حميدتي بالبرهان
وبعد أن وقّعت القوى المدنية والجيش اتفاقية لتقاسم السلطة عام 2019، تولى البرهان رئاسة مجلس السيادة، الهيئة التي ستشرف على انتقال البلاد إلى الحكم الديمقراطي، تولي حمدان منصب نائب الرئيس، لكن مع اقتراب موعد تسليم السلطة للمدنيين أواخر عام 2021 (تولي مدني رئاسة مجلس السيادة وفقاً للاتفاق)، أحجم الجنرال البرهان عن تسليمها، بدعم من حميدتي.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول، احتجز البرهان (بالتنسيق على ما يبدو مع قوات الدعم السريع) عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء حينها، في منزله والذي كان يعد ممثلاً للقوى المدنية، وقطع عنه الإنترنت واستولى على السلطة، ما أدى إلى عرقلة انتقال البلاد إلى الحكم الديمقراطي.
وبعد أسبوعين، عين البرهان نفسه أيضاً رئيساً لهيئة حاكمة جديدة تعهد بأنها ستجري أول انتخابات حرة في السودان. لكن هذا لم يهدئ جماعات المعارضة والمتظاهرين المدنيين، الذين واصلوا التدفق إلى الشوارع كل أسبوع للمطالبة باستقالته وإنهاء الحكم العسكري.
في ديسمبر/كانون الأول عام 2022، وقع الجيش، ممثلاً بالبرهان، وتحالف من الجماعات المدنية (التي تطالب بتسلمها السلطة دون انتخابات)، اتفاقاً مبدئياً توسط فيه أعضاء من المجتمع الدولي لإنهاء الأزمة السياسية.
لكن هذا الاتفاق لم يلبّ مطالب بعض المدنيين الذين استمروا في الاحتجاج، ولا خصمه اللدود، الفريق محمد حمدان، الذي أيد موقف ائتلاف الحرية والتغيير- المجلس المركزي الذي أبرم الاتفاق مع العسكريين وكان يرفض توسيع لائحة المشاركين به.
ولكن في الواقع يعتقد أن مشكلة حميدتي الرئيسية اشتراط البرهان دمج قوات الدعم السريع في الجيش خلال سنتين مما يفقده نفوذه، بينما أراد حميدتي مهلة زمنية لعشر سنوات بما يعني فعلياً، عدم تنفيذ هذا الدمج.
أهداف حميدتي وقوات الدعم السريع من المعركة الحالية؟
يتبادل الطرفان الاتهامات ببدء الحرب الحالية، ولكن هناك مؤشرات على أن قوات حميدتي هي التي بدأت القتال؛ لأن المعارك تدور حول مقرات الجيش وقواعده التي تتعرض لهجمات الدعم السريع.
ويبدو من حديث حميدتي نفسه أن هدفه مباغتة قوات الجيش بالاستيلاء على مراكز القيادة ومهاجمة القواعد الجوية لتحييد سلاح الطيران الذي يمثل نقطة تفوق الجيش الرئيسية على قوات الدعم السريع.
ولا يعرف هل تحرك قوات الدعم جاء كتحرك استباقي كما تقول لإجهاض تحرك من الجيش للقضاء عليها، أم أن الهدف هو الاستيلاء على السلطة.
ويرى البعض أن حميدتي يسعى وراء الشرعية السياسية والإقليمية، وقال محمد عثمان، الباحث المسؤول عن السودان في منظمة هيومن رايتس ووتش”هذا تطور تاريخي من قوة ميليشيا إلى قوة عسكرية مستقلة قوية كتلك التي نراها في الوقت الحالي”، حسبما نقلت عنه The Washington Post.
وقال كاميرون هدسون، خبير السلام والأمن الإفريقيين بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن هدف حميدتي الرئيسي هو النجاة، ومنحه دوراً دستورياً في البلاد. وهو يستعين بشركات علاقات عامة في كندا والمملكة المتحدة لتحسين صورته- وصورة قوات الدعم السريع- في السودان وحول العالم.
وتحاول قوات الدعم السريع أيضاً شراء الولاء في المناطق المهمشة خارج المدن؛ من خلال توفير الطعام لسكانها. لكن هدسون يرى أن هذه الاستراتيجية لن تؤتي أكلها؛ لأن حميدتي وآخرين يزدادون قوة وثراء من خلال نهب بعض هذه القرى نفسها.
ويبدو أن ائتلاف الحرية والتغيير -المجلس المركزي أقرب لحميدتي منه للجيش، رغم ادعائه الحياد، لأن الائتلاف يتعامل مع الأزمة على أنها صراع بين طرفين متماثلين وليس تمرداً من قوة تابعة للجيش على قيادته الرسمية.
وعلى الأرجح أن سكان العاصمة ووسط البلاد (محيط نهر النيل)، في الأغلب يشعرون بالقلق أيضاً من خطاب حميدتي الذي يقدم نفسه كممثل للغرب المهمش في مواجهة نخب الوسط التي حكمت البلاد منذ الاستقلال، ومن سلوكيات أفراد الدعم السريع التي باتت تخوض حرب في شوارع الخرطوم ضد الجيش.
في المقابل، رغم أن قوى الشرق السوداني الساخطة قد تستسيغ خطاب حميدتي عن مظلومية المناطق المهمشة التي تشمل الشرق، ولكنها في الأغلب لن تسلم القياد بسهولة لهذا الغريب القادم من أقصى الغرب، ولذا لم يكن غريباً أن تكون هناك تقارير بأن الجيش استولى على معسكرات الدعم السريع في عدد من الولايات الشرقية بسهولة.
ويقول خبراء إن الجيش السوداني الرسمي، الذي يضم سلاحاً جوياً، يتمتع بميزة مهمة يتفوق بها على قوات الدعم السريع نظراً لامتلاكه طائرات ومدرعات ومدفعية، وهو أقدر على حماية المواقع الثابتة.
وبالنظر إلى أن قوات الدعم السريع تقاتل عادة في المناطق الريفية، فأفرادها ليسوا مدربين جيداً على القتال في المدن الحضرية مثل الخرطوم.
كما أن متمردي دارفور الذين تحالفوا مع محمد حمدان دقلو قد ينقلبون عليه، وخاصة أن بينهم ثارات قديمة.
يعني كل ما سبق أن فرص حميدتي في أن يصبح رئيساً للسودان ضئيلة، رغم بعض التأييد الخجول من قبل فصائل من القوى المدنية نكاية في العسكريين.
كما أن احتمال بقاء الوضع الحالي عبر التوصل لوقف إطلاق نار من خلال الوسطاء، بعد أن انفجر الصراع مع الجيش بالفعل، يعني استمرار البلد برأسين وجيشين، ومعنى ذلك تقسيم غير رسمي أو حرب أهلية متقطعة تدمر الاقتصاد المنكوب أصلاً، إضافة إلى أن ثراء حميدتي النابع من ذهب دارفور، مسألة شديدة الاستفزاز في بلد يعاني من فقر مدقع مثل السودان.
ويجعل هذا كل خيارات حميدتي خطيرة بالنسبة للسودان، فاستمرار القتال داخل مناطق وسط السودان والعاصمة معناه تدمير البلاد، خاصةً أن قواته قد تجد نفسها محاطة ببيئة عدائية ومشكلات في الإمداد والتموين قد تدفعها إلى الاعتماد على النهب للحفاظ على قدراتها، والأخطر هو احتمال عودتها لممارسات الجنجويد العنيفة في بيئة حضرية مثل الخرطوم.
وقد يلجأ حميدتي للتراجع إلى دارفور في الغرب السوداني وأن يعمل على استغلال خطاب مظلومية الغرب، لإحكام سيطرته عليه، وفي هذه الحالة، عليه مواجهة الجيش السوداني من ناحية، واحتمالات تمرد القبائل والحركات الدارفورية الإفريقية عليه، لأنهم خصومه السابقون الذين قد يرغبون في الانتقام لثأرهم القديم.