سكان قرية يمنية يعيشون في العصر الحجري
سكان قرية يمنية يعيشون في العصر الحجري
أطفال: نحلم بالقلم والدفتر وأن نقرأ ونكتب
مواطنون لا يعرفون حتى شكل السيارة ويتمنون أن تشعر الجهات المعنية بآدميتهم
لم أصدق نفسي أن أشاهد قرية في بلادنا وفي القرن الواحد والعشرون تعيش أوضاعا مأساوية أو بالأصح أن أشاهد بأم عيني مواطنون يعيشون في العصر الحجري .
نعم هذا ما شاهدته في قرية عصام بمديرية السلفية محافظة ريمة.
في شهر أكتوبر من العام 2018 أعلنت السلطات المصرية عن اكتشاف قرية تعود إلى العصر الحجري الحديث في محافظة الدقهلية، والكشف الجديد يتيح معلومات عن حياة المجتمعات التي كانت تعيش في دلتا مصر قبل بدء التاريخ الفرعوني وفقا للميادين.
لكن في اليمن هناك فعلا مواطنون يعيشيون في ذلك العصر
تعاقبت دول لديها من الإمكانيات ما يمكنها تحويل اليمن بأكملها إلى جنة بكل خدماتها، إلا أن المحسوبيات جعلت التنمية تذهب بشكلها المشوهة والمنهوب، إلى جيوب متنفذين وجهات ومناطق دونا عن أخرى.
عند وصولنا منطقة عصام، ولعل تواجدنا في هذا المكان هو أحد ثمار الثورة المباركة ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م..عبر طريق بادر الخيرون من أبناء المنطقة إلى شقها بجهودهم الذاتية الخالصة بداية الغيث ، أو أول قطرة من إنجازات الثورة المباركة التي مثلت أول حكومة تلفت نظرها إلى سكان المنطقة المنسية منذ حقب سابقة.. ومن هناك، حاولنا نقل الصورة كما هي بدون رتوش، فإلى الحصيلة:
استطلاع : يحيى الربيعي
في البداية أكد لنا عضو مجلس الشورى أحمد عبدالرحيم محمد النهاري، أن وصول طريق “عصام” قمة هذا الجبل هو إنجاز عظيم، بل ومعجزة، خاصة في ظل الظروف التي تعيشها البلاد بشكل عام لما تواجه من عدوان غاشم، وحصار جائر، وهذه المنطقة بصفة خاصة لأنها تعيش تحت خطر الفقر بل وتعيش في العصر الحجري لما للكلمة من معنى.
وأضاف :قبل سنتين، بدأنا العمل في الطريق يدويا، حيث تجمع العمال من أهالي القرى المتناثرة في قمم هذا الجبل.. أستمر العمل لفترة، لكن بجهد وصل إلى نقطة عجزت الأيدي من اقتحامها،حيث واجهتنا صخور صلبة كانت سدا منيعا أمام العمال لإتمام أعمال الشق اليدوي.
وتابع: “عقب نداءات وخطابات وتقارير إعلامية، تدخلت الهيئة العامة للزكاة، بـ 5 ملايين ريال.. طبعا، نحن لم نتصرف بالهبة المالية المقدمة من الهيئة في العمل اليدوي، وإنما طالبنا بدركتال، والهيئة العامة للزكاة ممثلة بالأستاذ علي النهاري تكرمت بالمتابعة، حتى قامت السلطة المحلية بتسليم الدركتال،”الآلة الخاصة بالشق وتفتيت الصخور” ثم بدأنا العمل، وتم تحسين وتوسعة مسارات الطريق التي شقت بالأيدي حتى وصلنا إلى هذا القمة”.
وتابع عضو مجلس الشورى حديثه بالقول: “ونحن الآن في هذه القمة، نريد أن نحسن الطريق؛ توسيع بعض الأماكن الضيقة وتخفيض منحنيات، وتعديل ملفات، وتغييرات مسارات، وأعمال كثيرة ضرورية من أجل تصميم طريق بشكل مناسب”.
لكن وآه من لكن .. “كما تلاحظون حال سكان هذه القرية، بعضهم لم يعرف حتى مشاهدة السيارات ولا حتى في التلفاز لعدم وجوده ولعدم وجود الكهرباء.
هذه حقيقة.. هناك من كبار السن لم ينزل من منطقة عصام إلى منطقة الوادي منذ خلق كي يتعرف على السيارات.. لذا، تراهم متعجبين عند رؤيتهم لشكل السيارة أو الدركتال، الذي يعمل على شق الطريق وتفتيت الصخور ، لا يعرفون سوى الحمير .. وكانت صدمتهم أكبر عندما رأوا هذا الدركتال، وما يقوم به من عمل، حيث وصف أحدهم المشهد بالمعجزة السماوية أو هول من أهوال يوم القيامة”.
وأشار إلى أن سكان منطقة “عصام” يعيشون على قمة جبل في عزلة تامة عن العالم، وهذا شيء فضيع.. فهم اجتماعيا، عبارة عن مجاميع من البشر معلقة في السماء بجبال قرية عصام؛ لا يتبعون إداريا مديرية السلفية، ولاهم من بني الضبيبي.. معلقين، معزولين، لا يلتفت إليهم أحد.. هكذا قال عنهم عضو مجلس الشورى أحمد عبدالرحيم النهاري،كل ذلك بسبب عدم وجود الطريق الذي يعتبر الشريان الرئيسي لكل تنمية.
تكافؤ الفرص
أثناء الزيارة أتيح لي الحديث مع العديد من المواطنين ، ومنهم الوالد سعد عبدالله عبده ،والذي فهمت من كلامه الكثير أن معاناتهم كجيل يلحق وجودا بآبائهم هي الأسوأ، فالكثير منهم يعيش على الأشجار،وحقيقة لم أستوعب أن أشاهد ناس يعيشون فوق الأشجار ، ويضيف قائلا لنا: عيشنا كله في العسر نفترش الأرض ونلتحف السماء، كنا نقتات من عرق الشقاء، الآن الأعمال شبه منقطعة بسبب ظروف العدوان والحصار.. ولا توجد أمامنا أي تسهيلات، وأمراضنا ليس لها علاج، أجسامنا لا نجد ما يسترها ، نساؤنا تتعسر عليهن الولادة، فنسعفهن على النعوش،إلى المقابر.
ومحرمون من كل الخدمات،لا يوجد تعليم،أو صحة، أو طرق، ليست لدينا مشاريع مياه، لا يوجد لدينا أي شيء مما وصل بقية قرى اليمن عموما.. طعام أكثرنا من أوراق الشجر، كسرة الخبز وكأس الماء رفاهية لا نحصل عليها إلا بشق الأنفس.
نتمنى من قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، يحفظه اللهومن المجلس السياسي الأعلى ومن حكومة الإنقاذ إلقاء نظرة على هذه المنطقة، نتمنى من السيد القائد هذه القيادة الرحيمة التي نظرت إلى المستضعفين وتلمست معاناتهم وتحاول- رغم شحة الامكانيات وما تمر به البلاد من عدوان وحصار- أن توفر اليسير لسكان هذه المنطقة من الاحتياجات الضرورية.
كانت هناك حكومات متمكنة ولديها من الإمكانيات المهولة ما يكفي لجعل اليمن جنة، ولكن لأنهم كانوا ظالمي أنفسهم، لم يركزوا سوى على مصالحهم الذاتية وعمارة مناطقهم، وشراء الو لاءات ومداراة القوي وإرضاء الخارج، لم يلتفتوا إلى المستضعفين ولا يهمهم أمرنا.
الآن، وصلت الطريق، وكل ما نرجو من الله عز وجل أن يوفق الجميع ويلتفتوا للمنطقة بالخدمات الأساسية وأهمها مشاريع التمكين الاقتصادي والتعليم والصحة، نحلم أن نلتحق بالعالم من حولنا، وأن نندمج مع الناس وفق معايير تكافؤ الفرص، فمنذ نعومة أظافرنا ونحن نعرف آباءنا عمال.. عمال فقط، لا معرفة لديهم إلا بالفأس لحرث الأرض لم نسمع أن أحدا من سكان هذه المنطقة يمتهن مهنة أخرى.
لا تصلها سوى الطيور
أما محمد علي من سكان المنطقة فيقول من جانبه ، قبل وصول الطريق إلى قريتنا ، لم يصل إليها أحد من غير أهلها إلا الطيور.. اليوم وصلتم إلينا، ورأينا من خلالكم النور، والأماني التي ستنقلونها على لساننا ، وبالأمس وصلت إلينا الهيئة العامة للزكاة التي نظرت إلى الفقراء والمساكين بضم بعضهم إلى قوائم الـ 20ألف التي تصرف في رمضان، وقلنا لمن زارنا من الهيئة اطلعوا على حال سكان هذه المنطقة، لابد أنكم ستجدون جميع مصاريف الزكاة الثمانية موجودة في هذه القرى المحرومة، والواجب النظر إليها بمشاريع التمكين الاقتصادي،لا نريد صدقات ولا هبات كل ما نتمناه فقط هو التمكين الاقتصادي من خلال التدريب والتأهيل وسنكون نحن مزكون بدلا من مستحقي الزكاة.
نعم التمكين الاقتصادي لسكان هذه القرى بحاجة ماسة لتكتسبهم إلى جانب الفأس تنوعا في المهن والحرف، يتوزعوا الأدوار ولا يبقوا كلهم عمال حجر وطين؛ الولد عامل وأبوه عامل وجده عامل، فهذا ليس من العدالة في شيء، ينبغي أن يكون لمشاريع التمكين الاقتصادي دور في خلق رعاة أغنام، مربي نحل، أبقار، أن يوجد من لديه القدرة على تفصيل وخياطة الملابس، أن يخرج من أصلاب أهل عصام مهندسا، طبيبا، رجل أعمال، رجل دولة… إلخ.. أن يندمجوا مع المجتمع ويخرجوا من حالة العزلة والتوحش، وبالتأكيد لن يحدث الاندماج المنشود إلا إذا مكنوا وهيئت أمامهم فرص العيش الكريم.
تصحيح مسارات
من جهته، قال المهندس فؤاد النخلي فريق فرسان الهندسة المدنية: وصلنا إلى منطقة عصام، المنطقة التي يعيش أهلها في العصور الحجرية وتحت خط الفقر، ولم تصلهم الطريق في عهود الحكومات السابقة لثورة 21 سبتمبر 2014هـ، وبتوجيه مباشر من قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله ستحظى هذه المنطقة برعاية خاصة من قبل الجهات المعنية في الحكومة والمجتمع المدني.
مشيرا إلى أن هذه المنطقة – رغم فقر سكانها المدقع- إلا أنهم بادروا من ذات أنفسهم في شق طريقهم من جهة بني الضبيبي، يساندهم أبناء بني الضبيبي وعلى رأسهم عضو مجلس الشورى المتواجد بيننا أحمد عبدالرحيم النهاري.
ونحن كفرسان للهندسة المدنية جئنا لمساندة أبناء هذه المنطقة بالدعم الفني في تقييم الطريق، وتصحيح مساراتها، وقد كانت لنا بعض الملاحظات وتعديلات في مسارات الطريق، طرحناها على سائق الدركتال والمبادرين، وتفهمها الجميع، وإن شاء الله سيتم مساندة المبادرة بكمية مناسبة من مادة الديزل ضمن المعونة المقدمة من وحدة التدخلات المركزية التنموية بوزارة المالية للمبادرات المجتمعية في محافظة ريمة.
نحلم بمدرسة
أما الطفل (مرسي محمد عبدالله)، يؤكد أنه وعدد كبير من الأطفال لا يتلقون تعليمهم، لعدم وجود المدرسة، وصحتهم متدهورة، مشيرا إلى أنهم لا يعرفون من المتعة واللعب سوى رعي الأغنام، وحتى الأغنام رفضت هذه العيشة لذلك تتناقص من بين أيديهم بالموت يوما بعد يوم.. وكذلك صرخ الأطفال من حوله: حلمنا أن نرى القلم والدفتر وأن نقرأ ونكتب، وأن تكون لنا مدرسة في قريتنا، لم ندرس نحن ولا آباؤنا ولا أجدادنا.
أعجوبة الكاميرا
وأثناء الزيارة وتصوير القرية وما ينقصها من خدمات ، تجمع حولنا مجموعة من المواطنين وتعجبوا من الكاميرا، وأبوا إلا أن يصطحبوا معهم الإعلام إلى قمة الجبل، حيث القرية المزمع شق الطريق إليها، وعلى بعد حوالي 2كم متبقية لوصول الطريق، وأثناء المشي في “مذرة” مشي بالأقدام، وصفها المواطن (حسن محمد عبالله) بأنها الطريق التي عرفها مع آبائه وأجداده ينقلون عبرها كل امتعتهم على ظهور الدواب وعلى رؤوس النساء وفوق جنوبهم.
مصادر الماء
وعن مصدر الماء الوحيد لـ 1600 نسمة، يقول مواطنون من أبناء عصام: يوجد بئر تم حفره في الصخر على عمق يزيد عن 300م، وتنزل في درجاته الملساء النساء والأطفال وصولا إلى الماء التي يضطر السكان إلى تعميقه بالحفر في الصخر لعشرات الأمتار كل عام، منوهين بأن ضحايا الحصول على الماء من البئر تجاوزا الـ 20 نسمة خلال الأعوام الأخيرة.
وعن سبل العيش، يؤكدون أن الهجرة للعمل حجر وطين أو “مبزغين” قطافي أوراق القات أو عمال صبيات أسمنتية في المناطق من حولهم في صنعاء وذمار ورداع، هي المصدر الرئيسي لمعيشتهم، مشيرين إلى وجود رعي وزراعة ونحل، ولكن الثروة الحيوانية أغلبها يعترض للموت بسبب الأمراض، أما النحل فلا توجد الخبرة، وبالنسبة للزراعة فلا يستفيدون منها بشيء سوى الأعلاف، لأنها لا تثمر في غالب الأوقات بسبب قلة الأمطار والجفاف، وخاصة في الأعوام الأخيرة.
أقرأ أيضا:الأمم المتحدة:حوالي 400 ألف طفل لقوا حتفهم خلال الحرب الوحشية في اليمن
تصوير: محمد خالد غانم