وداعا يا فارس الكلمة.
كان موتك بالنسبة لي فاجعة لم أحتملها، لم تنهمر عيناي بالدمع إلا مرتين: الأولى: في يوم وفاة والدتي رحمها الله في 14/10/2014م، والتي تلقيت في وفاتها قصيدة رثاء عصماء من يراعك الجميل. والثانية: يوم وفاتك يا أكرم العظماء.
التحقتُ بجامعة ذمار لدراسة الماجستير في العام 2005م- 2008م ولم يكتب لي القدر معرفة الدكتور النهمي، لكنني عرفت رفيق دربه في أيامي الأخيرة في ذمار الدكتور عبدالله صلاح معرفة كانت عابرة…وما كنت أعلم أن الله يعد لنا لقاء ليس كأي لقاء…لقاء ستتولد عنه أخوة صادقة تتجاوز أخوة النسب وأخلّاء المصلحة.
كانت بداية معرفتي بالدكتور أحمد النهمي ذات ضحى من شهر أغسطس 2009م حين التقيته في جامعة ذمار ونحن نستخرج وثائق دراسية تخص الماجستير طلبتها منا الملحقية الثقافية السعودية بصنعاء، فأكبرته من أول نظرة بعد التعريف الذي قام به بيننا الزميل الدكتور عبدالله صلاح، وكانت هذه البداية لموعد جديد …كان الموعد مكة…الموعد جامعة ام القرى…هناك عشنا ثلاثة (أحمد النهمي- عبدالله صلاح- منصور العِمراني) في غرفة واحدة لمدة أربع سنوات تنقص قليلا، تجاوزنا ترابط القربي، وترابط اليسار واليمين، فكنا ثلاثة الله رابعنا…أربع سنوات من العيش المشترك، والهم المشترك، كنا ثلاثة لكن أرواحنا واحدة…القواسم الفكرية مشتركة بيننا إلى حد كبير.
الدكتور أحمد النهمي ليس مجرد زميل عبر معي مرحلة من حياتي، بل هو أستاذ وأخ ومعلم ومرشد وملهم، تعلمت منه الكثير في مجال الكتابة والمقالات والنقد والاطلاع، كنت كلما كتبت مقالا لصحيفة أو موقع إلكتروني، لابد أن أعرضه أولا على زميلي وأستاذي الدكتور أحمد النهمي ليقرأ لي ويبدي رأيه فيما أكتب، ويصوب أحيانا ما يرتأيه، ويناقشني في كثير من القضايا الفكرية نتفق في أكثرها، ونختلف في قضايا هامشية لا تفسد للود قضية.
الدكتور أحمد النهمي رحمه الله ليس مجرد مثقف فقط أو منظر يساري متمرس، بل هو عراب الحداثة وهاضم فكرها، ومجدد نشاطها، فهو عبقري قلما انتج الزمن مثله، فهو قاموس في الأدب والفكر والسياسة، مؤمن بقضيته وفكره، غير قابل للطرق والسحب، وتغيير الألوان وفق الطقوس والأزهار، لا يجيد التنطع والنفاق، واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار.
موته فاجعة لنا جميعا، وهذه إرادة الله فكل نفس ذائقة الموت، لكن فراقه ليس كأي فراق يشعر به كل من عاش معه ردحا من الزمن، كان لطيف المعشر، لا يمل حديثه سامعه، وفوق هذا تلك الدعابة التي ترافق حديثه مع محبيه، كم كان يكرر هذه العبارة عندما كنا نلتقي أو أهاتفه بالتلفون بعد عودتنا لليمن ونحن نناقش أي قضية فكرية أو فقهية أو مصلحة تشريعية كان يمازحني بقوله: يا أخ منصور عندما أحاورك في كثير من القضايا تجعلني أشعر بأني يمين متطرف بالنسبة لك…كم كنت أضحك ويضحك هو الآخر….تلك الأخرى عبارة (كيف أخوك؟) والتي أصبحت متداولة بقوة في قاموسنا اليومي نحن الثلاثة، ولا يفهمها إلا من عاش معنا…كم من المواقف الطريفة والظريفة التي لا تعد ولا تحصى كان الزمن يسجلها في قاموس حياتنا، يا لها من أيام جميلات خلت!! صادرها الزمن فأصبحت من الماضي بمكان.
الحديث عن الذكريات مع الدكتور أحمد النهمي لو أردت كتابتها يحتاج مني سفرا كاملا وليس وريقات، مازال تواصلنا مستمر نحن الثلاثة نتحدث كثيرا عن أيامنا وواقعنا وآلامنا، ثم نزيل هم الوقع بالحديث عن بعض ذكريات الزمن الجميل وما أكثرها من مواقف وذكريات في مكة المكرمة. قبل موته بأيام حاولت أتصل عليه مرارا فلم يرد، أتصلت للدكتور عبدالله صلاح وقلت له: كيف أحمد النهمي؟ لماذا لا يرد على التلفون؟ قال: حتى أنا أتصلت عليه لكنه لا يرد.
تفاجأت بنعيه لوالده عبر صفحته فيس بوك فعزيته عبر الصفحة، واتصلت عليه مرارا فلم يرد، التقى به الدكتور عبدالله صلاح يوم دفن والده وقال لي: أحمد تعبان وقال يعتذر منك لأنه لم يرد على التلفون، في اليوم التالي أقرأ خبر نعيه الذي نزل علي كالصاعقة، وأظلمت الدنيا في وجهي.
إلى جنة الخلد…يا طهر الأنقياء
غدا نلتقي برحمة الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر
أخوك// الدكتور منصور علي سالم العِمراني
المسؤول المالي في الهيئة الإدارية لنقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة الحديدة
22/ 6/ 2020م