الكلكتابات فكرية

ورحل الدكتور محمد مطهر

‏رحل عنا “محمد مطهر” محلقا في سماء التعامل الأسمى. لكن بقي نموذج “الطهر” العلمي والسياسي والسلوكي يستصرخ أمته المعذبة بغبائها، وجهلها، وأحقادها، وسمومها، أن تنظف نفسها، وتتطهر من نقائصها وعيوبها.

كان نموذجا للتعامل، وللحوار، والانفتاح

كان نموذجا في سلوكه وصلاته بالقريب والبعيد

كان نسيما فواحا يمر بحنان عاطر على الورد اليانع، والشوك الحاد معا

لم يكن له عدو حتى مع اختلاف وجهات النظر؛ يقبل بالرأي الآخر ويحترمه، وإن لم يتفق معه.

كان إنسانا بحق بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى

(2)

أشهد -منذ أن عرفته وحتى رحل عنا – أن طريقة حياته طريقة مستقيمة، لا عوج فيها ولا أمتا؛ لم يغير موقفا، ولم يبدل موقعا، سواء أظلم ليل، أم أشرق صباح، وشواء أواجه عاصفة أم استقبل نسيما. كان هو هو ذلك الإنسان الذي لم يغره منصب، ولم تغيره سراء الحياة ولا ضراؤها.

 

أذكر مثالا واجدا من فضائله، وهي سعيه الدؤوب إلى نشر المعرفة جهده. أنه كان بيني وبين الدكتور ” مقبل التام” حوار حول كتاب “طبقات مسلم اللحجي” الجزء الرابع، وكنت آنذاك قد مشيت في تحقيقها مسافة لا بأس بها وكان الدكتور هو الأخر قد مشى مسافة أخرى هو الأخر، وكانت لدي نسخة كاملة أوضح وأوفى من التي لديه، فطلبها مني فلم استجب، لأن كنت أحرص على أن استبقيها لتحقيقي.

وبينما كانت الرسائل بين الدكتور “التام” ذاهبة وآيبة تلقيت ذات يوم تلفونا من الدكتور “محمد مطهر” يطلب مني بحرارة مؤدبة: أن أعطي الدكتور “التام” صورة من النسخة الواضحة الكاملة، وأثنى على علمية الدكتور “التام” وتعمقه في التحقيق واخلاصه للعلم نفسه، فاعتذرت بأنني أحقق الكتاب وقد تعبت فيه كثيرا، ولكنه ألح علي فوعدته خيرا، وفكرت وقلت لنفسي من “الأنانية العلمية ” و الاحتكار العلمي” أن أحتفظ بها لنفسي في الوقت الذي يحققها محقق ضليع، وانه علي أن أرسلها له فوجدت نفسي مدفوعا بإرسالها إليه، وفعلت، ثم عثر د. “التام” وعثرت أنا في نفس الوقت على النسخة الأصلية في “جامعة الإمام محمد بن سعود”، وإذا بي أفاجأ بأنها هي النسخة الأصلية الموجودة في السعودية، أما النسخة التي في مكتبة الجامع الكبير لصنعاء فهي مصورة منها تصويرا رديئا للغاية وناقصة، مما يدل على أن الذي سرقها من “مكتبة الجامع” قد باعها واستعجل تصويرها فعل مذعور يخشى أن يكتشف. وكانت المفاجئة الجميلة الثانية أن النسخة الكاملة كانت من مكتبة الأمير العفيف “محمد” جد “بني الوزير” وهي “المكتبة الكبيرة” التي أوقفها لأسرته، وربما كانت تلك المكتبة تضم “كتب المطرفية” لأن “العفيف” كان حامي “المطرفية” التي تسكن معه في “هجرة وقش”.

(3)

ذلك مثال نبيل من سعي دكتور نبيل في نشر المعرفة”، وكم له من أياد عليها أعدها ولا أعددها .

لقد خسر العلم والسلوك شخصا فريدا لا يسعني إلا أن أتوجه بعزائي الحار إلى أهل العقول الراجحة، والآداب السامية، والسلوك الرفيع و أدعو الله ضارعا خاشعا بأن ينزله منازل العلماء العاملين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى