اخبار محليةالكل

نفحات من كتاب ( الحلقة 14)

إن انتفاضة 1375هـ (مارس عام 1955م ) ظلت صاعدة في الوجدان وفي الضمير لدى الإنسان اليمني وظلت جراح تلك المأساة التي عصفت بالانتفاضة وقضى عليها الإمام أحمد خلال فترة وجيزة وذلك لأنه كان ينقصها الوعي الكامل والتخطيط الجيد والاختيار الصحيح للشخصيات التي تقود تلك الانتفاضة بحيث تكون بعيدة عن الانتهازيين الذين يعملون بوجهين، في حقيقة لقد ظلت صاعدة في الروح مزلزلة لكيان الطغاة وتأكد لديهم أنه لابد من ثورة تقضي على حكمهم. إننا نمشي في خطى ثابته مع كاتبنا الجليل المفكر المجاهد إبراهيم بن علي الوزير رحمة الله في كتابه ( لكي لا نمضي في الظلام ) هذا الكتاب الذي بين أيدينا والذي كلما تطلعت إليه وعاودت قراءته تتضح لي معالم كثيرة لا تنتهي عن مأساة اليمن، إنها مأساة بين الطاغية والجلاد وبين العصا والجزرة، إنها والله لمأساة يندى لها جبين الولدان قبل الكبار، نحن نهدف إلى إيضاح الحقيقة من خلال ذلك الكتاب ونقرأ بخطوات بطيئة من أجل أن نقتبس منه كلمات تضيء بنورها وشعاعها جبال اليمن ووديانه وصحاريه لعلها تكون صحوة ضمير وإيضاح الحقيقة لأجيال اليمن الحاضرة والقادمة لأننا نهدف إلى وعي شامل عن انطلاق هذا الفكر النير الذي انبهرنا به من قبل مفكرنا الكريم. ونقتبس من ذلك الكتاب تكملة لما اقتبسناه في الحلقة السابقة ” وهكذا شيّعت انتفاضة عام 1375هـ ( مارس عام 1955م ) مجللة بالدماء، متلفعة بالفشل المرير بين ضجيج الانتهازيين، الراقصين على الاشلاء، الغانمين من المأساة! وهكذا مصير أي حركة ينقصها نهج الحق والتخطيط والدراسة الشاملة لعوامل النجاح والفشل… لقد كانت التجربة التي أفادها المطلعون إلى يوم الخلاص عظيمة النفع، كما أن الحركة الوطنية حصلت على مكاسب لا يستهان بها تتلخص في انتشار وعي الشعب أكثر فأكثر بما الت إليه أحواله وإن كان نهج الحقيقة لأسباب الخلاص الحق وقد حجبه سحب الباطل، إذ أن تلك السنوات هي ( سنوات القمع ) لأي تحرك إسلامي في العالم. لم يبقى مجال مسموح به إلا لما هو متخلف لا تظهر فيه ملامح ذلك المنهج العظيم. إن الانتهازية تكشفت عارية أمام الشعب وابتدأت قوى الطليعة العاملة في المجال الشعبي – والتي ضمت عناصر إسلامية وطنية قومية – تصفي الحركة الوطنية من الانتهازية الواصلين والمتاجرين بقضية الشعب ولا يمكن بعد تجربة مارس لأي مخلص واع أن يضع يده في يد الانتهازيين ليساعد على ارتكاب أخطاء جديدة في حق الشعب، ويكون أداة رخيصة يحصل بها الانتهازيون على منافع مادية أو مكاسب شخصية اللهم إلا إذا كان انتهازياً له نفس الغاية أو مغفلاً لا يدرس التاريخ أو لا ينتفع من التجربة ولا يتحرى الحقيقة… ” انتهى الاقتباس.

إن تلك الكلمات التي اقتبسناها تعبّر عن مأساة أصابت اليمن في ذلك التاريخ ولعلها أشعة نور، نور الحياة المفعمة بالوفاء بين الأحرار وبين طبقات الشعب حتى جاءت بالنصر على حكم الطغاة في عام 1962م الذي فُجرت فيها الثورة ولكنها اُحتكرت من أناس لم يذوقوا حرارة الثورة ولا مأساتها بل حدثت انقلابات متسارعة وراح من راح شهيداً وبقي من بقي حتى وصلنا إلى مأساة في الوقت الحاضر حيث آلت اليمن إلى تناحر وحروب داخلية خلال الفترة الماضية، وهي في الحقيقة مأساة لأنها فشلت في التخطيط وفشلت في تكوين نخبة مثقفة واعية مما أدى إلى تأخر وتهميش الطبقة المثقفة التي تسعى إلى إنجاح اليمن في المجال السياسي والاقتصادي والإداري ولماذا تأخرنا؟ هو عدم إشراك مثقفي اليمن أو أخذ الفكرة من مفكري العالم العربي والإسلامي، إنها أزمة مثقف وأزمة مفكر أُحبطت في يمن العزة والكرامة وظل مفكرينا مهاجرين خارج اليمن حفاظاً على أرواحهم من الجلاد. وهذه الأزمة لم تكن فقط على المثقف اليمني بل هي أزمة المثقف العربي بشكل عام، حيث أن أزمة المثقفين المنخرطين العرب ليست فقط أزمة علاقتهم بالسلطة السياسية والدينية، بل إنها في عمقها أزمة ضمير وأخلاق والتزام يولّد شقاءً أو ينتج جاهاً. فلا غرابة أن يكون المثقفين إما أهم أدوات الدفاع عن الحريات الأساسية للناس، وترميم المجتمعات التي أعطبتها الأنظمة البوليسية، أو أن يكونوا سلاحاً بالغ الخطورة بيد السلاطين، لتزييف وعي وواقع البشر وذاكرتهم وتاريخهم. من البؤس والوحشة أن يكون الفرد تعيساً بسبب وعيه، في المناخات العربية التي ابتليت بكافة أمراض النمو، ولم تنل أية جرعة لقاح حقيقية، رغم وفرة الأطباء، تتعدد الظروف التي تضاعف شقاء المثقفين، شقاء يسببه وعيهم المعرفي، وشقاء آخر ناجم عن الإقصاء والتهميش التي تعتمده السلطة كمنهج للتعاطي مع المثقفين، وشقاء يتولّد عن قيام المثقف بالانكفاء والانعزال عن المجتمع طواعية، أو ربما يكون العزل قسرياً، حيث يدفعه تجاهل الجماهير له ونبذهم لأفكاره ومواقفه على الخلوة وترك الشأن العام، عزلة مميتة قد تتسبب بالانتحار الثقافي، وأحياناً يُرغم المثقف على الرحيل الفكري. ليست المعضلة في السفر الثقافي، من خلال انتقال المثقف من أيديولوجيا إلى أخرى، ومن مذهب فلسفي إلى آخر، في مسيرته البحثية لاكتشاف الصواب والحقيقة، ما دام هذا الانتقال له ما يبرره فكرياً، ومبني على إعادة قراءة التجربة وتقييمها. أو إن دُ فع للانتقال قسراً، لكن المصيبة في السفر الطوعي الانتهازي، في الانتقال بهف تحقيق المنفعة الشخصية. الإشكالية المفجعة في السبات الطويل لضمير بعض المثقفين، الذي لا يصحو من غفوته إلا من خلال مقايضات خالية من المنهجية ومن الأخلاق، والطامة في وجود بعض المثقفين الذين هم أشبه بالمقاولين للأفكار والمواقف والخطابات والشعارات، عبر توظيف ذخيرتهم المعرفية واللغوية، في سوق المشتري فيه من يدفع أكثر.

 shababunity@gmail.com

بقلم الشيخ عزيز بن طارش سعدان شيخ قبلي الجوف برط ذو محمد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى