من قتل الشهيد الدكتور محمد عبد الملك المتوكل؟ ولماذا؟
من قتل الشهيد الدكتور محمد عبد الملك المتوكل؟ ولماذا؟ ومن هي الجهة التي خططت ومولت وحرصت على تصفيته في هذه المرحلة وتغييب أضوائه عن سمائنا في وقت نحن في أشد الحاجة إلى الاهتداء بآرائه ومواقفه في هذه الظروف العصيبة من تاريخ الوطن ؟
كانت الأسئلة السابقة هي الأكثر حضورا وتداولا في الأوساط السياسية والثقافية اليمنية بعد حادثة اغتيال الدكتور المتوكل، فالجميع يتفقون على ما يمتاز به الرجل من ثقافة التسامح السياسي وإنصاف الخصوم، والحرص على المصلحة الوطنية والسلام الاجتماعي وإشاعة أجواء الحوار ونقد سلوكيات العنف بكل معانيه، وبالتالي فإن الرصاصات الغادرة التي تستهدف رجلا بحجم الدكتور المتوكل وثقافته الإنسانية وسلوكه التسامحي إنما تستهدف الوطن بشكل عام وكل دعاة الدولة المدنية العادلة بشكل خاص.
أذكر أنني في يوم وداع الدكتور المتوكل الأخير في رحلته إلى الله كنت قد جلست مع الوالد المناضل محمد الفسيل، رعاه الله، وكانت وجهة نظره أن الأيادي الغادرة التي استهدفت حياة المتوكل هي نفسها التي استهدفت حياة جدبان وشرف الدين من قبله، قلنا له: لماذا استهداف هذه الشخصيات التي سيخسرها الخصوم قبل الأصدقاء، فأجابنا أن الهدف هو القضاء على العقل المفكر في حركة أنصار الله، قاطعه أحد الأصدقاء متسائلا: ولكن الدكتور المتوكل ليس منضما إلى الحركة ولم ينضو في إطارها، فأجابنا بأن الدكتور يحظى باحترام كبير وثقة عالية تجعل قيادة الحركة تستفيد من آرائه حتى لو لم يكن منضما إليها.
وأيا ما كان الأمر فإن اليمن قد خسرت كثيرا باغتيال المتوكل، وهي خسارة تضاف إلى خسائر كبيرة لحقت بالوطن باغتيال العشرات والمئات من خيرة أبناء اليمن وأشجع مفكريه منذ اغتيال الشهيد الزبيري حتى اغتيال المتوكل والخيواني وسواهما الكثير والكثير من شهداء الحركة الوطنية وقادة الثورة اليمنية في شمال اليمن وجنوبه .
لقد كان المتوكل سياسيا مغايرا، فهو لا ينطلق في بناء مواقفه من حسابات المكاسب التي يحرص عليها السياسيون وإن تعددت أزياؤهم، واختلفت وجوههم تبعا للمواقف المختلفة ، ولكنه حاول أن يترجم القيم التي يؤمن بها في سلوكه وممارساته العملية ابتداء من المنزل والتعاطي مع أفراد الأسرة حتى المشاركة في الحياة السياسية العامة، وكان رحمه الله حريصا على بناء هذا النموذج من السياسيين والثوار على وجه الخصوص معتمدا في ذلك على توجيهات الثقافة القرآنية والسنة النبوية القولية والفعلية، ويكفي للاستدلال على ذلك أن تقرأ الوصايا العشر التي ألقاها على الثوار في منتدى الشهيد جار الله عمر، فهو ينصح الثوار في القيمة السابعة من قيم الثورة العشر “أن لا يقولوا ما لا يفعلون “فقد كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” وعلينا أن نفرق بين من يمتلك علوماً ومعارف وأفكاراً ومبادئ ولكنها لم تتحول إلى سلوك في حياته وهذا ما نطلق عليه متعلماً وهو من شبهه الله “كمثل الحمار يحمل أسفارا” وهناك من تحولت معلوماته وأفكاره إلى سلوك عملي في حياته وهو ما نسميه مثقفاً وكذلك الأمر بالنسبة للتفريق بين المؤمن والمسلم.. المسلم التزم بالطقوس الدينية ولم يلتزم بالصالحات والتي ترتكز عليها قيم وأخلاقيات الدين الإسلامي، يقول الله تعالى: “ولا تقولوا آمنَّا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان قلوبكم” قيل يا رسول الله وما الإيمان قال: “ما وقر في القلب وصدقه العمل” وعليه فالثائر المثقف المؤمن هو من تحولت أقواله ومعارفه وعلومه وأفكاره إلى سلوك عملي في حياته اليومية. وسنة الله في الكون ألا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.