مجلة أمريكية تكشف دوافع واشنطن لدعم السعودية والإمارات في حرب اليمن
بدأ الباحث بول بيلار مقاله المنشور على موقع مجلة «ناشيونال إنترست» واصفًا حرب اليمن بأنها الكارثة الإنسانية الأبشع في الوقت الحالي، وأشار إلى تقرير أصدره مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، قام فيه مجموعة من الخبراء بمسحٍ استقصائي على الأربع سنوات الماضية من الحرب، وعرض الجرائم المُرتكبة من قبل أطراف الحرب. ويذكر الكاتب أنّ الجرائم المُدمّرة قامت بها السعودية والإمارات، وحليفهم الداخلي: الحكومة اليمنية.
يقول الكاتب في مستهل تقريره: «تمتلك مجموعة من الخبراء الأدلة الكافية لإثبات أنّ الحكومة اليمنية والإمارات والسعودية مسؤولون عن انتهاكات ارتكبت بحقوق الإنسان، وهذه الانتهاكات تتضمن القتل، والاعتقالات التعسفية، وحالات الاغتصاب والتعذيب، والاختفاء القسري، وتجنيد الأطفال، وقمع حريّة التعبير، وغيرها من انتهاكاتٍ اقتصادية واجتماعية وثقافية أقلها الحق في الحصول على مستوى معيشة صحي ولائق».
يسهب الكاتب في أن القصف العشوائي للقوات الجوية السعودية والإماراتية كان أكثر العناصر دمارًا في الحرب، وفي هذا الشأن يذكر التقرير: «تسببت الغارات الجوية للتحالف في موت أغلب الضحايا المدنيين المُسجلين رسميًا. وفي السنوات الثلاث الماضية قصفت القوات الجوية مباني سكنيّة، وأسواقًا، وجنازات، وحفلات زفاف، ومرافق الاحتجاز، وزوارق السكان، وحتى المرافق الطبيّة»، ويُكمل التقرير بتقديم الأدلة التفصيلية، إضافة إلى تفجير «باص المدرسة» الشهر الماضي، وقتل عشرات الأطفال، نتيجة سلسلة من الكوارث الجويّة.
التورط الأمريكي
ذكر الكاتب أنّ الولايات المتحدة الأمريكية مُشاركة في التدمير الجوي، وشملت مساندة أمريكا في الحرب إلى جانب السعودية والإمارات تزويد الطائرات بالوقود، واستهداف المعلومات، والمبيعات الضخمة للأسلحة. يُعلق الكاتب بأنّ القنابل المُدمرة لباص المدرسة كانت من تزويد أمريكا لقوات التحالف.
يُخبر الكاتب أنّ إدارة ترامب مستمرة في إنكار مسؤوليتها، كمّا صرّح وزير الدفاع، جيمس ماتيس، قائلًا: إنّ المعونة الأمريكية «ليست غير مشروطة»، وإنما طالبت القوات الجويّة السعودية «تجنب قتل الأبرياء، والحفاظ على حقوق الإنسان». ويذكر الكاتب مستهجنًا أنّ ما ذكره ماتيس لا يُطابق كل الأدلة المُتاحة منذ بداية الحرب. يتطابق الدليل أكثر كون آرون ديفيد ميلر وريتشارد سوكولسكي جزءًا من مؤسسة كارنيجي؛ إذ يصفان ترامب بالـ«الوضيع المُحترم»؛ إشارة إلى سياسته مع السعودية وأنها «خطيرة وغير مسؤولة».
ويُشير تقرير الأمم المتحدة إلى أنّ السلوك المُهين متخذ من جميع الأطراف في الحرب اليمنية، كما يُجند مقاتلي الحوثي الأطفال، ولكنّ تقع المسؤولية الأكبر على السعودية والإمارات؛ بسبب المعاناة الأكبر نتيجة القصف الجوي، ويعتبر ذلك انتهاكات للقانون الدولي للحروب، كما يشعر صناع السياسات والشعب الأمريكي بالقلق جراء التعاون الأمريكي مع هذه الأطراف.
يقول الكاتب: إنّه «على مستوى القيم الإنسانية لا يمكن الدفاع عن السياسات الأمريكية لإدارة ترامب تجاه الحرب اليمنية، ولا يمكن أيضًا الدفاع قانونيًا أو سياسيًا». ذكر ماتيس في تصريحه عن دور أمريكا، وكأنه كان محاولة لـ«استعادة الحكومة الشرعيّة». ويذكر الكاتب أنّنا يجب علينا تقييم «شرعيّة» النظام الحالي، وأحقية الرئيس عبد ربه منصور بالرئاسة.
يعتقد ماتيس أنّ «المنصب» كل ما في الأمر، وأنّ صديق أمريكا القديم، علي عبد الله صالح، تخلى عن الرئاسة بعد الفوضى التي أحدثها في الربيع العربي. يشير الكاتب أنّ هادي انتخب عام 2012، حيث كان المرشح الوحيد للرئاسة بعد نهاية الحرب، وبقي عبد ربه في الحكم بعد انتهاء دورته، والتي من المفترض أن تكون سنتين. الرئيس عبد ربه مدينٌ لحلفائه في مجلس التعاون الخليجي؛ إذ هرب إلى السعودية بعد سيطرة الحوثي على صنعاء، ثم عاد بعد تدخل التحالف، رئيسًا، وجناح السعودية في اليمن.
ويشير الكاتب إلى أنّ علينا ملاحظة دعم أمريكا لما تطلق عليه «الحكومات الشرعيّة»، إنها السمة المميزة لسياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط، ولكنّها لا تظهر بدعم المعارضة للنظام السوري، وفي الجهود المصبوبة لتغيير الأنظمة هُنا أو هُناك.
يُخبرنا الكاتب أنّ سياسة الإدارة الأمريكية ليست واقعية، ولا تحقق المصالح الأمريكية في المنطقة، وأنّه في مخرجات الحرب الأهلية اليمنيّة، أمريكا خاسرة، فالحوثيون مسيطرون على الشأن الداخلي، وبحسب ما يُنقل من الحوثيين فإنّ الحكومة اليمنية لا تكترث بمصالح قبائل شمال اليمن.
ويقول الكاتب: «إنّ الحوثي لا يعتبر تهديدًا كبيرًا لأي لاعب إقليمي، وأنّ إدارة ترامب والسعودية حققت صفقة كبيرة؛ نتيجة للصواريخ التي أطلقت على السعودية، فهذه الصواريخ لا تُقارن مع الهجوم الجوي على الجهة الأخرى، والذي بسبب الهجمات، كانت ردة فعل جماعة الحوثي. إذا توقفت أمريكا عن الدعم، فستضطر السعودية والإمارات إلى إيجاد خطة بديلة، والتخلص من الحرب، ومحاولة لدعم التوجه السلمي في اليمن، بدلًا عن حرب مجهولة المعالم والعواقب».
الاتّكاء على إيران
يستطرد الكاتب بأنّ رسم السياسات لا يجب أن يُبنى على «الهواجس»، وأنّ الهاجس الأمريكي تجاه إيران يودي بأمريكا من دائرة الفعل إلى الانفعال. في ظل الدعم الإيراني لجماعة الحوثي، يأتي الدفع من قبل أمريكا مقابل أي شيء، له صلة بإيران.
هذه الهواجس كغيرها توقف التفكير، وتُعكر إصدار الأحكام الصحيحة. يذكر الكاتب أنّ الحوثي ليس وكيلًا لإيران في اليمن، كما هو معروف، وحتى مع وجود الدعم الإيراني، والدليل سيطرة الحوثي على صنعاء، مع أن التوجهات الإيرانية كانت رافضة لهذه الخطوة.
يختتم الكاتب مقاله أنّ سياسات أمريكا قد يكون لها نتائج عكسية، فاليمن ليست ملعبًا حساسًا بالنسبة للإيرانيين، وتكلفة دعم جماعة الحوثي منخفضة بالنسبة لهم، وهدف الدعم إنهاك منافسها، السعودية، وكل ما زاد تشتت الأمير محمد بن سلمان بإخفاقه المستمر داخل اليمن، زاد الدعم الإيراني للحوثي. تضع أمريكا نفسها وسط هذا العبث، بسبب حربها الاقتصادية مع إيران، وهدفها زعزعة استقرار النظام الإيراني. وتُشارك أمريكا هذه المسرحية بجانب السعودية، وتحفز إيران على مزيدٍ من الصراعات في المنطقة.