الكلكتابات فكرية

ماذا تفعل الحرب بنا

ماذا تفعل الحرب بنا

 

 

 

في أثناء تجوالي مع ابنتي داخل أحد المحلات بدأ اطلاق الالعاب النارية في مكان قريب …

 

كان الأمر بالنسبة لي مفزعا ….شعرت بقلبي يقفز بين اضلعي مرتجفا خوفا …أبنتي التصقت بي وشعرت بجسدها يرتعش ..نظرت إلى بعيون امتلئت رعبا وسالتني: “ماهذا؟”…الصوت المصاحب لتلك الألعاب النارية التي تشيع البهجة في النفوس بتلك الأضواء التي تنفجر ألوانا وأشكالا بديعة هو صوت لا يختلف عن الصوت المصاحب لقصف الطائرات على مدينة يتساقط على رؤوس ساكنيها حمم الصواريخ القاتلة والمدمرة…وبالرغم من أنني حاليا اسكن خارج اليمن لكن الخوف والرعب يسكنني كلما سمعت صوت مفاجئ…

 

في احد المدن الألمانية وفي قاعة لتدريب الأجانب حدث خلل لصفارة الانذارفي المبنى  فانطلقت صفارة الانذار بشكل مفاجئ ….رد فعل المتدربات السوريات اللاجئات كان محزنا للغاية …كان رد فعل ينم عن رعب لا يوصف …رعب من عاش في منطقة حرب …

 

الحرب تترك ندوبا غائرة في نفوسنا …الحروب تولد مشاعر القلق والترقب لهجوم قادم …مشاهد ضحايا القصف تولد حالة من الصدمة واستعادة  تلك المناظر تولد مزيد من مشاعر الخوف والهلع …الأطفال يصابون بعدم التوازن النفسي نتيجة الرعب المتولد من اصوات القذائف والصواريخ مما يسبب لهم الكوابيس المرعبة وكثير من المشاكل النفسية…

 

المشاكل النفسية التي تسببها الحروب تأتي كنتيجة للضغط النفسي الذي يشعر به الفرد وهو يعيش بشكل يومي كل تفاصيل الحرب من خوف وقلق وترقب وفزع وألم ورعب …كثير من تلك المشاعر تتغلل في أعماق الإنسان وتصاحبه دوما حتى بعد انتهاء الحرب أو انتقاله لبلد آمن …

 

ويذكر المستشار أ.د. وائل أبو هندي أن للحروب تأثيرات على الأفراد أثناء الحرب وبعد انتهاء الحرب وتسمى بالكرب أو التفاعل للكرب كما يسميه اطباء النفس وهو اضطراب عابر على درجة كبيرة من الشدة يحدث للشخص كاستجابة لكرب استثنائي جسدي أونفسي أو كليهما ويتلاشى عادة خلال ساعات أو ايام…وهذا يحدث طبعا نتيجة لتعرض الشخص نفسه أو أحد أفراد أسرته أو جيرانه أو منزله للخطر أو الإصابة أو الموت ويزداد احتمال الاصابة بالكرب إذا تواكب مع اجهاد جسدي أو عوامل عضوية…  وبالطع يختلف الأثر من شخص لآخر في الشدة والعمق بحسب الاستعداد الشخصي للتاثر والقدرة الشخصية على الصمود…فكلما كانت الروح المعنوية أعلى كلما ازدادت قدرة الشخص على التحمل..

 

وتتميز أعراض الكرب الحاد بالتباين من شخص لآخر …لكن الأعراض العامة تشمل : حالة مبدئية من التبلد مع بعض الانكماش في مساحة الوعي والانتباه وعدم القدرة على فهم المنبهات المحيطة والشعور بالتوهان…قد يلي هذه الحالة إما انسحاب متزايد من الموقف المحيط أو تهيج وزيادة في النشاط وهو مايسمى بتفاعل الهروب …وهناك أعراض اضطراب وظائف الجهاز العصبي المسستقل مثل اختلال سرعة دقات القلب وسرعة معدل التنفس وربما العرق والرعشة وجفاف الحلق وكثرة التبول …وتظهر هذه الأعراض خلال دقائق من حدوث الكارثة وتختفي خلال يومين أو ثلاثة أيام …وبالطبع تكون النتيجة اسوأ في حال القصف اليومي المتكرر والشعور الدائم بالخوف والترقب والقلق …شعور الناس بأنهم اعتادوا على ذلك غير صحيح ..لكن يستطيع الانسان أن يقاوم تلك المشاعر بقوة الايمان بالله فيكتسب مايسمى بالصلابة في المواجهه …

 

لا تنتهي الحكاية هنا ….فهناك الاضطراب الكربي التالي وهو مايحدث للشخص بعد انتهاء الحرب أو بعد انتقاله لمكان آخر …وهي المشاعر والاضطرابات النفسية التي تظهر متأخرة أو تالية للحدث كاستجابة متأخرة وتبدأ هذه الحالة بعد فترة من الكمون…فيظهر الاضطراب على السطح بعد شهور أو اعوام  من الحرب وفي بعض الحالات قد يسبب هذا الاضطراب تغيير في الشخصية…

 

يتميز هذا الاضطراب بحدوث نوبات اجترار أو استرجاع للمشاهد المؤلمة أو المرعبة التي مر بها الشخص وعادة ما يلي ذلك حالة من زيادة نشاط  الجهاز العصبي المستقل مع فرط الانتباه والجفول المتزايد حيث ينتفض الشخص عند سماع صوت دقة على الباب مثلا أو اي صوت مرتفع …فيعيش الشخص مع بداية ظهور هذه الأعراض في حالة من الاستثارة واليقظة المفرطة والجفول المتزايد والقلق والضيق وتزداد حدتها مع استرجاع الذكريات وتكرار ذلك…  

 

تبقى الجراح النفسية غائرة …وكثير من الناس  يصعب عليهم التعبير أو الافصاح عما يشعرون به لكن  العقل يختزن تلك المشاعر التي تتحول بمرور الوقت إلى مشاكل نفسية عميقة مالم يتم تدارك ذلك ومد يد العون والمساعدة ليتم تجاوز تلك المشاعر المخزنة في الأعماق …

 

لكن أخطر آثار الحروب كما يؤكد المختصون هو ماسيظهر لاحقا في الأجيال القادمة من الأطفال في البلاد العربية….لأن الأطفال هم الحلقة الأضعف لعدم قدرتهم على التعبير والتنفيس عما يختزنوه في اعماقهم من رعب وخوف… المؤسف أن الدراسات عن تاثير الحروب وطريقة تلافيها لاتزال دراسات غربية ولاتوجد دراسات عربية في هذا المجال لأننا في العالم العربي لانهتم كثيرا بالرعاية النفسية للناس.

 

 

 

أحلام يحيى جحاف 

 

8/02/2017م

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى