الكلكتابات فكرية

لا ألتمس عذرا لحكام صنعاء

كتبة ألطاف عبدالله 

عندما يصل الأنسان الى هذا المستوى من الجوع والعوز والفاقة  والحرمان لا يبقى أمامه سوى الثورة على الواقع او القناعة به  والتأقلم معه  و احلاهما مر .

فالموظف المعتمد في  نفقات بيته وأسرته على فتات الراتب الذي كان يتقاضاه آواخر كل شهر ، بات اليوم محروما منه ، وقد تجاوز مرحلة الصبر ونفد كل ما لديه من آمال في رجوع الراتب ، وصار اليوم متهكما ومنقلبا على هذا الواقع ، الذي لا يبشر بخير ، فإنعدام الرواتب وغلاء الاسعار يتقاذفان بالموظف والمواطن المسكين هنا وهناك والى الهاوية .

قد يقول البعض هذا حال الموظف فكيف بحال غير الموظف ، فأقول إن الموظف الواحد يعول أكثر من أسرة ، وهذه الاسرة معتمدة اعتماد كلي على راتبه، وهكذا في كل اسرة في المجتمع اليمني والكل يعلم بذلك .

أنا أتكلم عن واقع معاش ، بغض النظر عمن السبب وراء انعدام الراتب، فنحن نعلم جميعا أن سبب اختفاء الراتب هو نقل البنك المركزي ، لكن كيف أفهم أبنائي الجوعى أو المرضى بهذا السبب عندما يلحون في توفير ادنى مقومات العيش الضروري ، فهم لا يعلمون ما معنى بنك أصلا ، ولا يعلمون ما هو الحصار .

أنا لا ألتمس عذرا لحكام صنعاء في عدم توفير الرواتب مهما كانت الاسباب ، لماذا لا يبحثون عن وسائل أخرى لتوفير الرواتب فهناك وسائل شتى يمكن ان يدلهم عليها خبراء الاقتصاد أولها القضاء على الفساد ونهب المال العام .

الجوع لا يرحم ، والجوع كافر ، ويجب عليكم ان تبحثوا عن حلول جذرية لمشكلة الرواتب وفي اسرع وقت اللهم هل بلغت اللهم فاشهد …

  ولا بد لنا في هذه العجالة أن نعرف  الجوع بمفهومه الأشمل الذي يموت من جرائه شخص كل ثانية حول العالم و 4000 الاف كل ساعة و100.000 كل يوم و36 مليون كل عام، بحسب احصائية الامم المتحدة ، الجوع ناجم عن سوء توزيع الثروة،و الاتكال على الغير والتقاعس عن العمل , عدم التكافل الاجتماعي بين افراد المجتمع, الحروب  والاستعمار والظروف البيئية الطارئة والكوارث الطبيعية .

الجوع هو عدم القدرة على تلبية الحاجات الضرورية الستة او السبعة ” المأكل والمشرب والملبس والمسكن والتعليم والنقل والعلاج ” فأي واحدة من هذه ليس بأمكان شخص ما توفيرها له ولعائلته فهو فقير جائع وان توفرت له الوجبات الثلاث يوميا، اذ ما فائدة ان يأكل الأنسان يوميا ولو مرض ليس بإمكانه الذهاب الى الطبيب لأنه لا يمتلك ثمن العلاج والتشخيص ..ما فائدة ان يجد الأنسان ثمن العلاج ولكنه لا يجد تكاليف التعليم له ولأولاده ..ما فائدة ان يأكل ويشرب ويتعلم ولا يمتلك بدل ايجار منزله الذي يتراكم بذمته شهرا بعد آخر لحين طرده منه مذموما مدحورا ..ما فائدة ان يأكل من صدقات الخيريين وليس له مورد ودخل وعمل  ثابت  يعينه على شظف العيش بسبب البطالة لأن التوظيف يتم على اساس المحسوبية والمنسوبية والرشوة والأتاوات .

هناك من  يعتقد  بأن  الجوع هو عدم توفر الطعام والشراب فقط وتراه يردد على الدوام ” ما في واحد يموت من الجوع ” وان كان كلامه خاطئ لأن ذلك يحدث في العالم مترامي الأطراف كثيرا كما اوردته سلفا في احصاءات الأمم المتحدة  ،و كما هو حادث الان في اليمن، اضيف ان من مات بسبب حاجته الى اجراء عملية جراحية لا يمتلك ثمنها فهو جائع ..من مات بانهيار منزله جراء القصف او اقتلاع خيمته في ارض النزوح   فهو جائع ..من مات بسبب فقر الدم وسوء التغذية الناجم عن تناول اطعمة فقيرة بالفيتامينات والمعادن والأملاح والكربوهيدرات والنشويات والسكريات اللازمة لبناء الجسم وتقوية المناعة فهو جائع بحسب تعريف الأمم المتحدة للفقر …من مات غرقا وسط بحر لجي ماله من قرار بحثا عن الآمان ولقمة العيش الحلال في ارض المهجر واللجوء  فهو جائع …اليوم هناك 10 ملايين يمني تحت خط الفقر.

ومن مات بسبب عدم صرف راتبه وعجزه عن توفير الغذاء والدواء فهو جائع وفقير ومن الدرجة الأولى .

 وهناك فقران (الفقر حقيقي، الفقر مصطنع)، لا فرق في ذلك، لأن والنتيجة واحدة وهي الحرمان والعوز، الفقر في اليمن صناعة العدوان السعودي المتسلط ، الذي فرض الحصار جوا وبرا وبحرا ، ومنع الموظفين من استلام  رواتبهم ،ولا ننسى الفقر الحقيقي نتيجة الفساد المالي والإداري والاختلاس والنهب والسلب والتزوير في المال العام فهو بحاجة الى ثورة ايضا .

الفقير يبحث عن ابسط وسائل التسلية وايسرها واسرعها وما توفر منها آنيا كان بها ونعمت وما صعب فصبر جميل على ماتصفون الى حين ميسرة .

ومما زاد الطين بله ما  فرضته علينا الحرب من إنعدام الأمن والأمان و جوع وفقر وتشرد ونزوح ووباء.

هل وصلت الرسالة ………..أجيبوني ؟!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى