الكلكتابات فكرية

في الذكرى الثالثة لرحيل المفكر الإسلامي الكبير إبراهيم بن علي الوزير

في هذه الأيام نعيش الذكرى السنوية الثالثة لرحيل المفكر الإسلامي الكبير والعلامة المجتهد السيد ابراهيم بن علي الوزير رضوان الله عليه.

لقد فقدت الأمة الاسلامية بموته علماً طالما تعوّدت السّاحة الإسلاميّة أن تستنير من حركة اجتهاده المستنير وجهاده الكبير الذي سخّره في سبيل إعلاء كلمة الله؛ ليتحمّل أخطار السّاحة وتحدّياتها وكلّ سلبيّاتها..

ولقد ترك المفكر والمجدِّد السيِّد ابراهيم بن علي الوزير كتبه التي ألّفها، لتمثّل معالم المنهج الفكريّ والمشروع الحضاريّ للإسلام، كما يراه المفكر ابراهيم الوزير.

ولم يكن هَمُّ السيّد العلامة ابراهيم بن علي الوزير فيما كتب هو التّرف الفكريّ، بل كان همَّه وضع لَبِنَات في البناء الفكريّ والحضاريّ للأمّة؛ ما جعل تلك المؤلّفات بمثابة المدماك الفكريّ للسيّد ابراهيم الوزير؛ فقد أتت متنوّعةً لتشمل ما يشغل الأمّة في الدّاخل والخارج، حاضراً ومستقبلاً.

وتوزّعت إسهاماته الفكريّة على العديد من أبواب المعرفة، وكان له فيها إضافات ومبادرات، استطاع أن يفتح من خلالها أبواباً جديدة؛ فهماً وصياغةً ومراجعةً، وحاول أن يثير الاهتمام والسّؤال عن المتوارث والمنقول، وأن يؤكّد ضرورة تقييم كلّ ذلك بميزان العقل.

لقد كان المفكر الكبير السيّد إبراهيم بن علي الوزير مدرسةً متميزةً حاولت أن تشقّ لها طريقاً مغايراً خارج المألوف، ولم يكن ذلك أمراً يسيراً، بل واجه حملات مضادّة، ومعارك امتدت إلى أكثر من ساحة لمجرّد رأي أو إثارة سؤال في حدث ما.

لذلك كان السيد العلامة ابراهيم بن علي الوزير يدعو دائماً الى اتباع الأسلوب القرآني في إدارة الخلاف، ولا أتصور بأن هناك منصف قد يخالفني من ناحية أن واقعنا بعيد كل البعد عن الأسلوب القرآني، خاصة في المواقف الصعبة والأزمات، لذلك كان فضيلته أثناء حديثه يدعو دائماً إلى الأسلوب القرآني: (وعندما نأتي للأساليب التي نواجهها في كل خلافاتنا، فإننا نجد القرآن يقول: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” (النحل:125)، بحيث أنك إذا كنت تريد أن تدعو الى عقيدتك الإسلامية، أو الى مذهبك، أو الى رأيك فعليك أن تراعي الحكمة في دعوتك، وأن تنطلق بالموعظة الحسنة، التي تلين قلوب الناس وترققها، وعليك أن تجادل عندما تدخل الجدال بالتي هي أحسن، وبالأسلوب الأحسن، الذي يمكن أن يجلب قناعات الآخرين إلى قناعاتك، والله أوصانا مع أهل الكتاب أن نجادلهم بالتي هي أحسن، فكيف بالمسلمين؟!.

والله يقول: “وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن” (الإسراء:53)، بأن تكون كلماتك الأفضل التي تفتح العقل والقلب.. “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” (فصلت:34)، هذه هي تعليمات القرآن، فأين نحن منها عندما نختلف شيعة وسنة؟ أو نختلف شيعة فيما بيننا؟ أو سنة مع بعضنا البعض؟ في القضايا السياسية، أو في الأمور الأخرى؟ هل نتحرك بأسلوب القرآن؟ هل نجادل بالتي هي أحسن؟ هل ندفع بالتي هي أحسن؟ هل نقول الكلمة التي هي أحسن؟ هل ندعو إلى رأينا بالحكمة والموعظة الحسنة؟

الإسلام ليس صلاة وصوماً وحجاً فقط.. الإسلام منهج للحياة، وأسلوب في الحركة والحوار، وفي مواجهة الواقع كله. والله سبحانه وتعالى تحدث في القرآن  عن أخلاق النبي (ص) في شخصيته، فقال: “وإنك لعلى خلق عظيم” (القلم:4)، “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك” (آل عمران:159)، “لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً” (الأحزاب:21)…). هذا بعض مما تعلمناه في مدرسة ابراهيم بن علي الوزير وسيبقى هذا النهج نبراساً نهتدي به في حوارنا مع الآخرين أو من نختلف معهم.

لقد كان المفكر الإسلامي ابراهيم بن علي الوزير نموذجاً للعالِم الاسلامي فكراً ومنهجاً ورسالة، كلماته ومواقفه عبارة عن دروس يستفاد منها في مجال الخط الإسلامي الواحد الأصيل، لم يكن حكراً لطائفة دون أخرى، بل كان الإنسان الإسلامي العالِم المنفتح قلباً وعقلاً على الجميع، ففي ذكرى رحيله يصعب أن نتكلم عنه في أسطر قليلة، لا سيما وأنه شخصية فريدة وغنية، في كل جانب من جوانبها نجد مجالاً للإبحار بالحديث واستخلاص الحكم والفوائد، وفي ظل ما نشهده من ظروف صعبة، قد لا نحتاج للحديث عنه بقدر حاجتنا لدراسة حديثه واستحضار نصائحه ومواقفه.

ثلاث سنوات مرّت على عروج الروح الشامخة لسيدنا وأبينا وأستاذنا ومربينا، إلى الملكوت الأعلى، وما زال يغمر كل ساحاتنا ببسمة الحنان وصوت الحق وإشراقة الفكر وجرأة المواجهة وإرادة التحدي، ما زال حضوره فينا وبيننا شامخاً شموخ جهاده، راسخاً رسوخ كلماته، ثابتاً ثبات رؤاه ومواقفه..

ها نحن وها انت ايها العلامة العلم وسيد المواقف، والفقيه المجدد والمفسر والكاتب والاديب والشاعر والمثقف والسياسي الذي اجتمعت اليك العلوم مضافة الى انسانية متقدة – ها أنت – كما المنارات التي ازدهرت  لا تغادرنا إلا لتأخذنا من “على مشارف القرن الخامس عشر الهجري” الى “الإمام زيد جهاد حق دائم” “الإمام الشافعي” “بين يدي المأساة ” “لكي لانمضي في الظلام” “بدلاً من التيه”.

ها نحن نجد انفسنا ونحن نتنقل بين الافذاذ المجددين وكأننا أمام شخص واحد وإمام واحد ومنهج واحد يمتد منذ فجر الرسالة الى اليوم.

ها نحن وفي أعقد المراحل واصعب الظروف وواقع الحال المفكك والمصير المهدد للاقطار وللانسان نتلمس الدرب بفكر ابراهيم بن علي الوزير ونتبصر الدرب بعينيك لعلنا نصل الى بر الأمان بإذن الله.

أخيراً وليس آخراً أقول إن الشخصية الانسانية للعلامة والمفكر ابراهيم بن علي الوزير – رحمه الله – تستحق مؤتمراً، لا بل مؤتمرات، للإحاطة بشخصيته الفكرية والفقهية والادبية.

وأنا واحد من الذين عاشوا ودرسوا تجربة وفكر العلامة الوزير  أقول إنه سيبقى موجوداً في فكر وأجيال العلماء والمفكرين  في اليمن والعالم الاسلامي ومختلف الساحات وسيكون موجوداً في انفتاح كل جيل اسلامي على حركة الحياة وفي صناعة المستقبل وفي السير من خلال وضوح الرؤية.

لذلك فإننا ندعو الى التزام وصايا المفكر والعلامة ابراهيم الوزير في الحفاظ على معنى الاسلام في عالميته وبأن نحمل المحبة الاسلامية الى الانسان وان نخفف من كل اثقال التخلف، وبأن لا نجعل من الاختلاف المذهبي وسيلة من وسائل اسقاط الاخوة الاسلامية، بل ان نواجه الاختلاف المذهبي كحالة ثقافية تتنوع فيها الافكار وتختلف فيها وجهات النظر ليكون الحوار هو الاساس في حل المشاكل.

إننا في الذكرى الثالثة للرحيل، نقف إجلالاً لهذه الشخصية الكبيرة، ونعلن أنها لن تغيب عنا وعن سماء الفكر الإسلامي المستنير.

سيّدي.. أيّها الأب المجاهدُ.. ها هي الأمة تقرأُ في كتابِ هذا التاريخِ الذي وهبْتَ له عُمُرَكَ وحياتك، تكتبُ عنك.. تُرتِّلُ دعاءَك، وتنشدك شعراً وأدباً..

ها هي الأمةُ التي حَمَلْتَ همّها وفيّة لذكراكَ ولكلِّ إرثِكَ الغني.. ها هي حاضرةٌ في صروحِ الوعي الذي أنشأتْ، وفي كل أرض تَرَكْتَ فيها أثراً، تُنشدُ ما علّمْتَها وتحفظُ بعيونِها وقلوبِها.. تُورثُ محبتها لكَ لأولادِها وأحفادِها.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى