خطر متعدّد الأوجه يحدق بأبرز حليفين خليجيين ( الإمارات والسعودية )
خطر كبير يلوح في الأفق تحمله إيران وتسير به في عُرض البحر؛ في محاولة لمواجهة التهديدات الأمريكية بشأن منع طهران من تصدير نفطها إلى الخارج.
فالسعودية والإمارات تقفان اليوم أمام تداعيات اقتصادية وعسكرية، حال نفذت إيران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز الذي يقع بمنطقة الخليج العربي فاصلاً بين مياهه من جهة، ومياه خليج عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى.
وتجددت تهديدات طهران بإغلاق “هرمز” على لسان نائب رئيس البرلمان علي مطهري، في حين صرّح الرئيس حسن روحاني بأن منع إيران من تصدير نفطها يعني أن لا أحد في المنطقة سيتمكن من تصدير نفطه”.
وبعد يوم واحد من تهديد روحاني، في الثالث من الشهر الجاري، بإغلاق المضيق، قفزت أسعار النفط الخام لأعلى مستوى لها منذ نوفمبر 2014.
وارتفع الخام الأمريكي، يوم الأربعاء الماضي، 1.17 دولار أو ما نسبته 1.6 في المائة إلى 75.11 دولاراً للبرميل، فيما ارتفع خام القياس العالمي مزيج برنت 1.03 دولار ليصل إلى 78.33 دولاراً للبرميل.
– أهمية “هرمز”
يبلغ عرض المضيق الاستراتيجي قرابة 50 كيلومتراً، وعمق المياه فيه نحو 60 متراً، ويستمد أهميته الكبيرة من مرور ناقلات النفط العملاقة به.
والمضيق الذي يشكّل ممراً حيوياً لصادرات النفط في العالم، هو أهم ممر لعبور الذهب الأسود، حيث تعبره يومياً ما بين 20-30 ناقلة بحمولة تتراوح بين 16.5 و17 مليون طن، بمعدل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة.
وينقل عبر مضيق “هرمز” نحو 40% من الإنتاج العالمي من النفط الخام المنقول بحراً، وهو ما يمثل أكثر من 20% من الإنتاج العالمي من النفط، و90% من النفط الذي تصدره دول مجلس التعاون الخليجي.
وإضافة إلى النفط الخام فإن 22% من السلع الأساسية في العالم (الحبوب وخام الحديد والاسمنت) تمر عبر مضيق هرمز، وإغلاقه سيشكل كارثة اقتصادية وغذائية عالمية بالتأكيد لن تقف عند حدود الشرق الأوسط.
– خيار المواجهة عسكرياً
الخبير في شؤون الشرق الأوسط، حكم أمهز، ربط بين التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق، والأهداف التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقها من خلال فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.
ولعل الشق الثاني من حلقتي الربط اللتين تحدّث عنهما أمهز يتعلق بهدفين اثنين؛ الأول مرتبط بمحاولة “تطويع إيران” سياسياً وجعلها تقبل بالمشروع الأمريكي في المنطقة.
أما الثاني فهو “متعلق بسعي واشنطن لإسقاط النظام الإيراني من خلال فرض العقوبات عليه، وذلك باستخدام كل الوسائل لخلق أزمة بين القاعدة (الشعب) والقيادة (الإيرانية)”، كما يقول.
ومن خلال هذا السيناريو يمكن الوصول إلى إجابة بشأن جدّية إيران في تنفيذ تهديداتها بإغلاق هرمز، وهو ما رآه الخبير في شؤون الشرق الأوسط مرتبطاً بتحول الأمر إلى خطر على النظام الإيراني.
وأضاف لـ”الخليج أونلاين”: “عندما تُخيّر طهران بين إسقاط النظام وإلغاء وجودها، وبين إغلاق مضيق هرمز وفتح معركة عسكرية، فإن الخيار الأول نسبته صفر بالمائة”.
وهذا يعني، وفق تحليل أمهز، أن “إيران جادّة” في مسألة إغلاق المضيق، لكن ذلك لن يحصل بشكل مباشر، “وربما تتخذ طهران بعض المواقف التدريجية التصاعدية”، حتى يصل الأمر إلى ما سمّاه بـ”الخط الأحمر”.
وعند سؤاله عن المقصود بذلك، أوضح أن “الخط الأحمر” مرتبط بالوصول إلى مرحلة خنق الاقتصاد الإيراني، “بحيث يصل الأمر إلى مرحلة تؤدي إلى اضطرابات داخلية في البلاد، ومن ثم تهديد النظام القائم حالياً”.
لكن أمهز اعتبر أن “طهران تستنفد كل الوسائل السياسية والدبلوماسية لحل الأزمة، بعيداً عن وقوع مواجهة عسكرية”، وهو الأمر الذي استبعده أيضاً.
وقبل الحديث عن تأثر أبو ظبي والرياض بالتهديد الإيراني، يجب الإشارة إلى أن قرابة 80% من النفط المستخرج من السعودية والكويت والإمارات والعراق تنقل عبر مضيق هرمز إلى الأسواق الآسيوية.
ولعل هذه النسبة التي وضعتها معطيات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، كافية لتلخيص الضرر الذي سيقع على الإمارات والسعودية حال نفّذت إيران تهديدها بشأن المضيق.
وفي هذا الإطار أشار أمهز إلى أن هاتين الدولتين تعتمدان بشكل كبير على النفط، وفي حال توقُّف الأمر فإن “النظامين السعودي والإماراتي سيسقطان تلقائياً من جراء إغلاق هرمز”، بحسب تعبيره.
وعلل الخبير في شؤون الشرق الأوسط ذلك بالقول: إن “الاستثمارت والحركة الاقتصادية المحورية التي تشهدها الإمارات والسعودية مهددة بالسقوط”.
وعلى صعيد المواجهة العسكرية المستبعدة وكيف سيكون شكلها، أشار أمهز إلى أن الولايات المتحدة لن تشرك جيشها في القتال، ومن ثم “ستدفع بالسعودية والإمارات لخوض ذلك”.
واستدرك متسائلاً: “لكن هل السعودية التي تشن حرباً (ضمن تحالف عربي مع الإمارات) في اليمن منذ 3 سنوات دون تحقيق أي إنجاز، قادرة على القتال؟ وهل تسمح إمكاناتها العسكرية بذلك؟”.
ويجيب عن تساؤلاته بالقول: “أستبعد ذلك”، مستشهداً بالعملية العسكرية التي تخوضها الرياض وأبو ظبي في محافظة الحديدة ومينائها الاستراتيجي باليمن، “حيث استخدموا كل شيء ولم يستطيعوا تحقيق شيء”.
وفي مسألة جاهزية البلدين الخليجيين لمواجهة عسكرية -إن حدثت- رأى أمهز أنهما تعانيان نقاط ضعف “كبيرة جداً” ستظهر في استهداف الموانئ الإماراتية التي تشكل محوراً اقتصادياً مهماً بين المشرق والمغرب.
– تأثير اقتصادي
ولأن الاقتصاد يدفع دائماً فاتورة أخطاء السياسة ومغامرات السياسيين، فإن تنفيذ إيران هذه المرة لتهديداتها بإغلاق “هرمز” سيبنى عليه تبعات اقتصادية “كارثية” على المنطقة والعالم، قد تتدحرج تداعياتها لتشعل حرباً إقليمية شرسة.
وعلى صعيد النفط العربي فإنه في حال أوصدت بوابات المضيق، فإن دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، ستكون في فوهة الأزمة.
وتصنف السعودية كثاني أكبر منتج للنفط في العالم والأول عربياً، بـ10.448 ملايين برميل يومياً، فيما تعد الإمارات ثامن أكبر منتج للنفط عالمياً، والثالث عربياً بـ2.8 مليون برميل يومياً، بحسب بيانات “أوبك” للعام 2017.
وتصدر المملكة عبر مضيق هرمز نحو 88% من إنتاجها النفطي، في حين تصدر الإمارات ما نسبته 99%، وهذا يعني أن إغلاق المضيق سيكبد الدولتين خسائر اقتصادية كارثية.
كما أن تنفيذ إيران لتهديدها سيقضي على غالبية الموارد المالية النفطية للبلدين الخليجيين، والتي تعتمد عليها في تغطية أكثر من 60% من نفقات موازناتها العامة.
وحول ذلك، يقول المحلل الاقتصادي، عبد الرحمن العساف: إنه “في حال نفذت إيران تهديداتها، فإن ذلك سيعني حصول نقص ما بين 16.5 مليون و20 مليون برميل من النفط الخام يومياً على الصعيد العالمي”.
ويشير في حديثه مع “الخليج أونلاين” إلى “ارتفاع جنوني وخيالي في أسعار النفط، سيتضرر بموجبه الجميع حتى المستهلكين العاديين مثل السائقين”.
ويضيف أن “إغلاق المضيق سيقطع ارتباط الدول المنتجة للنفط الخام في الشرق الأوسط بالأسواق الرئيسية المستهلكة للبترول في قارة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا الشمالية”.
ويرى العساف أن السعودية والإمارات ستكونان أكبر المتضررين من إغلاق المضيق فمعظم صادراتهما النفطية تمر عبره، وهما من أهم المصدرين العرب للبترول ونفقاتهما العامة تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط.
– هروب إلى خيارات لا واقعية
وحول خيارات البلدين حال وقعت الأزمة، يقول المحلل الاقتصادي، إن المملكة لديها خيارات عديدة، لكنَّ أياً منها لا يفي بالغرض.
ومن ضمن هذه الخيارات، التحول للتصدير شرقاً باستخدام خط أنابيب الشرق-الغرب من رأس تنورة إلى ينبع على شاطئ البحر الأحمر، وتبلغ الطاقة الفعلية للخط نحو 4.5 مليون برميل يومياً، لكنه لا يعمل بطاقته القصوى، بحسب العساف.
ويمكن للسعودية أيضاً إعادة تأهيل خط أنبوب العراق-السعودية، المتوقف منذ عام 1991، ويربط الخط البصرة مع خط الشرق- الغرب، وينقل النفط العراقي مباشرة إلى محافظة ينبع على ساحل البحر الأحمر.
ويستدرك العساف: “لكن هذا الخيار يحتاج إلى وقت كبير ليصبح فاعلاً، في حال وافقت بغداد، وبالتأكيد لن يكون كافياً لنقل ما تنتجه السعودية من النفط يومياً”.
وفي جعبة السعودية أيضاً خياران، لكن تحقيقهما يكاد يكون مستحيلاً؛ الأول يتمثل بنقل صادرات النفط عبر خط “تابلاين” من حقول القيصومة (شرق المملكة) إلى الزهراني في جنوب لبنان، مروراً بالأردن وسوريا.
وهذا الخط متوقف منذ العام 1976 ولم تتطرق السعودية للحديث عن إعادة تفعيله مطلقاً كحل لأزمة إغلاق هرمز، كما يقول العساف.
أما الخيار الثاني غير الواقعي، فهو نقل النفط من منطقة الربع الخالي إلى المكلا في حضرموت اليمنية على بحر العرب، لكن الحرب اليمنية وسطوة تنظيم “القاعدة” في الجنوب اليمني تجعل هذا الحل أقرب للمستحيل.
أما على الصعيد الإماراتي، فيرى العساف أن أبوظبي لديها خيار وحيد وهو خط أنابيب “حبشان- الفجيرة”، الذي تم تدشينه عام 2012، ويبلغ طوله 370 كم، فيما تبلغ سعته 1.5 مليون برميل نفط يومياً.
ويمكن لهذا الخط تجاوز مضيق هرمز، فمن خلاله ستتمكن الإمارات من تصدير النفط عبر ميناء الفجيرة المطل على بحر عمان، لكن قدرته الاستيعابية لن تكون كافية تماماً لنقل كل ما تنتجه الإمارات من النفط.