أخبار عربي ودوليالكل

تركيا تخرج عن صمتها و تبحث لها عن دور في ممرات اليمن المائية

بعدما كانت تفضل عدم الخوض في أي عمل عسكري أو سياسي مباشر في اليمن، تبدو تركيا اليوم حاضرة في ساحة التحركات السياسية والدبلوماسية، وإعلان المواقف الرسمية، بشأن التطورات العسكرية والسياسية التي طرأت على المشهد في الجنوب، في جزيرة سقطرى تحديداً، التي تعرضت لاحتلال إماراتي شبه علني.

خرجت أنقرة عن صمتها للمرة الأولى، ببيان يدين التواجد الاماراتي في سقطرى، ويؤكد على سيادة اليمن ووحدته وأمنه واستقراره. الموقف الصريح هذا، كشف عن حسابات جديدة لدى أنقرة بشأن الأزمة اليمنية، تعيد النظر في السيناريوهات التي تقودها دول «التحالف»، والتي صارت مكشوفة وواضحة أكثر من أي وقت مضى، ما أشعر تركيا بقلق، وجعلها تعود إلى لعب دور جديد في البلاد.

تقول مصادر سياسية يمنية مطلعة، متواجدة في اسطنبول، لـ «العربي»، إن تركيا «أعادت حساباتها في اليمن، وفضلت التحرك الآن، وتحديداً من بعد الأزمة الخليجية مع قطر، وبعد انكشاف خطة الاماراتيين في حرب اليمن، وسيطرتها على الجزر اليمنية وعلى بعض المنافذ البحرية المهمة، والتي تتحكم بحركة الملاحة الدولية»، مشيرة إلى أن «لتركيا مصالح في هذه الممرات الدولية، ولها علاقات، بل كان لها صراع سابق في هذه المنطقة الجغرافية المهمة، وتحديداً في الصومال».

وكشفت المصادر، عن «مساعي من قبل الرئيس هادي وحكومة الشرعية، إلى كسب الموقف التركي، وهناك لقاءات موسعة بين مسؤولين يمنيين وآخرين أتراك، كان آخرها، اللقاء الذي جمع وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي، بوزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، وهناك استجابة من قبل أنقرة بشكل كبير، مقارنة بالفترة الماضية من الحرب».

ولكن البيئة السياسية اليمنية، هي في الأساس، بيئة نشطة لكثير من الأطراف الاقليمية والدولية، بحكم جغرافيتها التي تتقاطع فيها المصالح الدولية، وتجعل الأطراف الدولية ترى أنه من المهم اللعب في هذه المساحة، ومن المهم أن يكون هناك تحرك وحضور، وعيون الجميع على البحر والممرات الدولية بلا شك.

وأكدت المصادر، أن تركيا حالياً «قررت التحرك بشكل كبير في اليمن، وتقوم بتقديم الدعم للحكومة الشرعية، وبدأت تضاعف من حملاتها الإنسانية والإغاثية لليمنيين، ولديها خطة موسعة في تبني مشاريع إغاثية في تعز وفي عدن وفي بعض المناطق اليمنية المتضررة».

وكشفت المصادر، عن أن «العلاقة التي تتعزز الآن، هي بين تركيا وبين الجناح الإسلامي في اليمن، وفي الحكومة الشرعية، وتحديداً حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهناك دعم مالي تقدمه أنقرة بطريقة سرية لهذه الجماعة، ولبعض أجنحة الحزب».

والعلاقة التركية مع الإسلاميين في اليمن، تطورت بعد قيام ثورة العام 2011 في اليمن، وبرز في واجهتها الجناح الإسلامي، حزب «الاصلاح»، وكان لتركيا حسابات، وقد دعمت هذا التوجه وسعت نحو بناء علاقتها مع «الاصلاح»، وعلى ضوء التطورات التي تلت هذا التطور، والتي وصلت إلى الحرب، وأيضاً التطورات التي ظهرت إلى السطح في إطار الحرب، جعلت تركيا تصمت أحياناً، وتحاول أحياناً كثيرة، الظهور بموقف ايجابي، من خلال إستنكار العمل العسكري ودعم التوجه نحو الحلول السياسية. وفي فترة ماضية قريبة، كان لتركيا موقف دبلوماسي، أعلنت من خلاله عن «جهود سياسية ودبلوماسية لمساعدة اليمنيين من أجل ايقاف الحرب والعودة إلى الحل السياسي».

 

يقول مصدر سياسي مطلع لـ «العربي»، إن «تركيا وبعد أن بدأت تتحرك في اليمن بعد ثورة 2011، كانت دول الخليج الرئيسية تعتبر نفسها الهدف التالي لو نجح التغير في اليمن واستلم الإخوان المسلمين الحكم. وبالتالي، سيكون الارتباط السياسي والاقتصادي بأنقرة كبيراً جداً، ما سيضر بالسعودية والخليج واليمن. لكن السعودية تعتبر تركيا عدو تاريخي، لأن تركيا العثمانية هي من دمرت الدولة السعودية الأولى والثانية. أما مصر، فترى بتركيا دولة لها أطماع في الشرق الأوسط. اليمن الحلقة الأضعف، ولو تمكنت تركيا من مساعدة حزب الاصلاح، في تلك الفترة أو حتى في الفترة المقبلة إلى سدة الحكم، سيكون لها تأثير على كل خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، حيث لها تواجد بالصومال والسودان»

ويضيف هذا المصدر السياسي: «ترى تركيا أنه لا بد من أن يكون لها وجود مباشر في سواحل اليمن، لكي يكون لها رأي دولي على الناتو، وتكون هي الشرطي المباشر لحماية براميل النفط إلى الغرب، وستفرض شروطها على أوروبا التي لم تعطيها رأي صادق بالانضمام للاتحاد الأوروبي».

ويرى المصدر أن «المواجهة مؤجلة بين بيادق السعودية والإمارات من جهة، وبيادق تركيا في اليمن، من جهة ثانية، إلى أن يتم تسوية ميدان سوريا».

وبحسب المصدر، وهو باحث سياسي ومطلع، فإن «اليمن مهم للأتراك، لأنهم لو تواجدوا في سواحله، لن تستطيع روسيا المرور إلى الشرق الأوسط، إلا بإذن أردوغان. الروس لا يمروا من مضيق الدردنيل والبوسفور التركي، إلا بإذن تركيا، للوصول إلى قاعدة طرطوس الروسية في سوريا»، تماماً كما في باب المندب إذا ما عززت تركيا وجودها في البحر الأحمر.

يشير المصدر، إلى أن اليمن مهم أيضاً «لإحكام السيطرة الإقتصادية، لمن يريد أن يكون رقماً في السنوات المقبلة»، لافتاً إلى أنه «بعد ميناء جوادر الباكستاني الذي تديره الصين، لا قيمة لدبي، لذا، فإن الحرب كلها من أجل سواحل اليمن والجزر، ليسيطر عليها الخليجيين والأمريكان والبريطانيين من خلفِهِم».

تفيد معلومات «العربي»، بأن أنقرة «كانت على علم مسبق بالتحالف العسكري الذي انطلق في اليمن تحت مسمى عاصفة الحزم، بقيادة السعودية، وكان هناك مساعي من قبل الملك سلمان، لتحسين العلاقة مع تركيا»، على أن «تكون تركيا مشاركاً رئيسياً في العملية العسكرية». ولكن أنقره فضلت الابتعاد، والإكتفاء بإعلان موقف دبلوماسي، ورفضت أن تكون لاعباً رئيسياً، أو أن تكون ضمن التدخل العسكري المباشر في اليمن.

وكان لتركيا تقديرات سياسية وعسكرية بشأن هذه العملية، وربما كانت تتوقع فشل هذا «التحالف». وقد ظلت تقدم الدعم لـ «الحكومة الشرعية» ولكن بشكل مرحلي، وارتأت ألا تبتعد تماماً عن اليمن، الذي يعتبر في موقع مهم بالنسبة لها، استناداً إلى مصالح تركيا الجيوستراتيجية في البحر الأحمر وفي وباب المندب، إلى جانب العلاقات التاريخية بين الأتراك واليمنيين.

بعد الأزمة الخليجية، أعادت تركيا حساباتها، حيث أن الأزمة الخليجية أوجدت خلافات وانقسامات بين الشركاء المحليين في اليمن، والشركاء الاقليميين، وبحكم أن حزب «الاصلاح» والدوحة، كانا حلفين لتركيا، وهما من تضررا بشكل كبير، وجدت أنقرة نفسها أمام تعقيد جديد في دورها في اليمن والمنطقة.

يشار إلى أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كان له تحرك في هذا الاتجاه، وقد قام بجولة إلى عدد من دول الخليج بعد تلك الأزمة، وأظهر تعاطفاً مع قطر، وجاء تحركه نحو التهدئة ودعم التوصل إلى حل للخلاف.

وعلى خلفية موقف تركيا من أزمة الخليج، حاولت السعودية عرقلة الجهود التركية في اليمن، من خلال اعتراضها لفترة وجيزة، على سفينتها الإنسانية إلى عدن، وكان ذلك بمثابة ردة فعل من قبل الرياض، يظهر انزعاجها من الدور التركي في دعم قطر.

حالياً، وبحسب مراقبين سياسيين، «تشغل تركيا دوراً ملفتاً في الأزمة اليمنية، مع تأكيدها على ضرورة حل الأزمة سياسياً، ويبدو أن تركيا تريد أن تلعب دوراً في أي حل سياسي قادم».

المصدر: العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى