الكلكتابات فكرية

تأريخُ صَبْرِ اليمنيين

 

قراء التاريخ مستقبلاً، سيجدون المثير والكثير عن آثار “عواصف” اليمن 2015-2016م، وما تطاير من شظاياها التي جرحت علاقاته الداخلية والخارجية، وأضعفت اقتصاده، ومست مقومات حياة المواطنين العاديين. ورغم ذلك سيدهشهم استمرار حياة اليمنيين بشكل طبيعي، ينزلون أوقات دوامهم صباحاً، يمارسون أعمالهم المعطلة، قبل ارتياد أسواق القات ظهراً، والاتكاء عصراً ومتابعة تغريدات وفسبكات ومواتسات (مراسلات الواتس أب) الناشطين من “مهاجري وأنصار” كل التيارات اليمنية، وما وراؤها من تيارات إقليمية “خضراء”، تأييداً ومعارضةً لما هب من العواصف العسكرية والسياسية.

“سنة قاسية” حد تعبير مسئول أممي، تخللت عمر اليمنيين منذ 26 مارس-آذار 2015م، لكن قساوتها لم تُبهِت لهفة الصغار وإقبالهم على مدارسهم، بينما ترعد الطائرات في سماوات بلادهم وهم مكبون على دروسهم، لا يدسون رؤوسهم تحت طاولاتهم.

قارئ تاريخ اليمن الجديد، سيذهله اصطبار غالبية اليمنيين وبلاغة تكيفهم مع “الحرب كمجال استثمار” لبعضهم، مثله مثل “استثمار إعادة الإعمار” في قادم الأيام (…). كما لم يكترث اليمنيون بمن يحكمهم أكان بشرعية قانونية أو بشرعية الأمر الواقع، دون تغاضٍ عن مسئولية وتسبب كل الساسة فيما ضر الأبرياء، معنوياً ومادياً.

قد يكتب التاريخ بإنصاف أن المقاومة الحقيقية للحرب والعبث والخبث، جسده صبر المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ اليمن على ما جلبته النخبة من نكبة شاملة، أضرت “الأشقاء” ونفعت “الأشقياء”. وستتأكد مقولة الشيخ عبدالله القصيمي في “العالم ليس عقلاً”.. (حقاً؛ ليس عقلاً): “بأن الإنسان هو من يسدد حسابات صراع الكبار الذين لا يسددونها من دمائهم، دون أن يملك أحد منعهم من ممارسة جنونهم بعيداً عن رؤوس الشعوب”.

التاريخ مُنصفٌ متى كتبه موضوعيون لا تؤثر فيهم أهواء ولا يستجيبون لإغواء، فيكتبون مدركين واقع اليمن بأدق تفاصيله، ويحددون، بوحي نزاهتهم، صبر الناس على اقتراب الأطراف من مائدة المفاوضات بعد اقتراف الجرائم الإنسانية. وكذا اصطبارهم على من فر من اليمن ومن قر فيها. من اختلق كل البلايا، ثم من ضاعفها. من نقض مواثيق التسوية ومن تحايل عليها وتنكر لها. 

من سره اشتعال الحرب ومن يكدره انتهاؤها. من أراد سَنّ الحوار ومن أشهر أسنة الحراب.

من هتك هيبة الحكم، ومن فرط في أدوات الحكم. من أضعف نظام الدولة ومن قوّى غيرها.

من شتت مصدر القرار الوطني بعد تعطيل أداء المؤسسات، ثم بدد الأمن، جنوباً وشمالاً، واستجار من الرمضاء بالنار.

من اقترب من الشعب ومن انصرف عنه. من مزق نسيج المجتمع ومن حاول تفريق اليمنيين. 

من وضع “للثورة” هدفاً، ومن حدد “الثروة” هدفاً.

من تاجر بقوت الناس ووقودهم، ومن هدد متطلبات حياتهم. 

من حوّل مدن العقل إلى ميدان قتال.

من قلب موازين العلاقات بين أقطار الجزيرة العربية، ومن أخل بحقوق الجوار.

إذاَ؛ ستمتلئ صفحات التاريخ بعِبَرٍ يمنية جديدة لن يعتبر منها “اليمنيون وجوارهم”، كما لم يعتبروا ماضياً (…)؛ إنما عند كل تجربة، سيتبين لهم، بالتجربة، شعبٌ صبور على من “قصدوا هدم سورها فبنوه وأتوا كي يقصروه فطالا”، وغلبة إرادته في السلم على إدارة بعضهم للحرب.

وسيذكر التاريخ أن ما حل من دمار للآثار بنية حسنة (…) وإضرار ومعاناة للبشر بشكل غير مقصود (…)، حسب نفي رسمي، لن يعفي من المسئولية ساسة اليمن والمنطقة ممن لم يتنبهوا مبكراً لاحتواء اليمن تلافياً لوقوع ما وقع منذ نشأت تيارات وعوامل هبوب العواصف المدمرة، بتأثير ما لم يتبدد بعد من المخاوف الموهومة!

ما التاريخ بغافل عما أصاب اليمنيين واليمنيات الأبرياء وعن صبرهم وتحديهم الحقيقي لكل بواعث ومضار العواصف السياسية والعسكرية، إثباتاً أن بحياتهم المستمرة وصبرهم كانت وتكون “الحياة لليمن”. 

26-27 مارس 2016م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى