إبراهيم بن علي الوزير الثائر المفكر
قليلون هم من يخصبون الفعل والممارسة السياسية العربية بالفكر والفكرة والرؤية ويناضلون ويدفعون الثمن من أجل قناعاتهم، وقليلون ونادرون هم من تتطابق سيرة حياتهم مع أفكارهم ورؤاهم التي يحملونها حتى يصبحون هُم الفكرة ذاتها والمشروع عينه مثلما نجد ذلك واضحاً جلياً في نموذج الراحل الكبير الأستاذ العلامة المفكر المناضل إبراهيم بن علي الوزير الذي رحل غريباً عن وطنه اليمن إلى جوار ربه في العاصمة البريطانية لندن عن عُمر يناهز الـ(83) عاماً رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
رحل الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير ووطنه اليمن والعالمَين العربي والإسلامي تعيش أوضاعاً مؤسفة، وصراعات بينية سياسية ومذهبية وعرقية خطيرة ومدمرة، وتكالباً أجنبياً على هذه الأمة ومقدراتها وأمنها مشهوداً وواضحاً.
لاشك وأن تلك الفواجع والفواقر والمدلهمات قد تركت في قلب الرجل غصصاً كبيرة، وهو الذي جهد وحاول بقلمه ولسانه وحركته التواصلية السياسية والفكرية على مدى عقود من الزمن في محاولة ترسيخ قيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، ومقاومة الظلم والطغيان والتسلط، ورسم ملامح مشروع نهضوي إسلامي وإنساني في داخل اليمن وحيثما حطت به عصا الترحال في عواصم العرب والعالم.
من سوء حظ اليمنيين أن تحولت لديهم الممارسة السياسية – وعلى مدى عقود خلت من الزمن بما فيها عقود الثورات – إلى فعل قطيعة ونفي ومصادرة لحق الصوت السياسي والفكري المعارض ولو بالطرق السلمية، فدفع الأستاذ إبراهيم وإخوانه وكثيرٌ من قيادات العمل السياسي في اتحاد القوى الشعبية اليمنية الذي كان على رأسه ثمن الموقف الثوري الحاكم والمتحكم في صنعاء اغتراباً ونفياً عن وطنهم، فلم يسمح لحزب اتحاد القوى الشعبية وغيره من الأحزاب بممارسة العمل السياسي العلني إلا عقب قيام الوحدة اليمنية في 22مايو 1990م.
كانت تهمة الملكية والإمامية والوزيرية نسبة إلى إبراهيم الوزير – خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وحتى قيام الوحدة اليمنية – تعد من أ خطر التهم السياسية المسلطة على الناشطين السياسيين والمثقفين والدعاة في الأوساط الشبابية الزيدية التي تفضي إلى السجن والتعذيب والملاحقة والفصل من الوظيفة والتتبع الدائم من قبل الأجهزة الأمنية.
وطوال عقود مضت من الزمن ظل الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي القائم في اليمن يتبنى ترديد جملة اتهامات سياسية ومذهبية وعنصرية لقمع وترهيب فئات سياسية واجتماعية معينة ذات صلة وثيقة بالخط السياسي والفكري الذي تبناه الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير واتحاد القوى الشعبية، امتد ذلك الخطاب الاتهامي القمعي ليشمل فيما بعد حزب الحق الإسلامي الذي تأسس بعد قيام الوحدة اليمنية1990م وضم عدداً كبيراً من مراجع المذاهب الإسلامية في اليمن “الزيدية والشافعية والحنفية”، ونتيجة لذلك الخطاب الاتهامي القمعي الرسمي الذي تبنته السلطات اليمنية المتعاقبة ظلت كتب ورسائل الأستاذ إبراهيم الوزير ممنوعة من التداول في أوساط الجمهور اليمني، ونشأت أجيال من الشباب اليمني على قطيعة مع تراثهم الفكري الزيدي الأصيل، ومع الكثير من الرموز السياسية والفكرية اليمنية المعاصرة المبعدين خارج اليمن وفي طليعتهم الراحل إبراهيم بن علي الوزير.
لقد جنت عقلية التسلط والاستبداد التي حكمت اليمن طوال عقود من الزمن على نفسها وعلى اليمنيين من خلال ممارستها قمع ومصادرة الأفكار الداعية إلى الحرية والعدالة والمساواة والحكم الشوروي الديموقراطي التي كان في مقدمة الداعين والمتبنين لها اتحاد القوى الشعبية اليمنية بقيادة الراحل الأستاذ إبراهيم الوزير رحمه الله، ومن يتأمل مشروعه الفكري والسياسي الذي صاغه على مدى عقود من الزمن يجد فيه واضحاً الجهد المتميز والرائد الذي يحسب للحركة الإسلامية لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقضايا بناء الدولة ومنظومة الحقوق والحريات التي ما يزال اليمنيون والعرب بصدد معالجتها حتى اليوم.
ومن واقع الخبرة والتجربة السياسية والفكرية والقراءة العميقة لواقعنا اليمني والعربي والإسلامي والإنساني لامس الأستاذ إبراهيم الوزير معظم قضايا اليمن والأمة وشخّص جوانب القوة والضعف مقترحاً سبل العلاج، سباقاً إلى الكثير منها كما سنحاول الإشارة إلى ذلك لاحقاً.
إن خسارة اليمن واليمنيين والأمة بغياب شخص الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير لهي كبيرة، فقد كان وهو الغائب عن اليمن حاضراً بفكره ومواقفه وتأريخه النضالي الممتد، بإخلاصه لقضية الإنسان والأمة وسعيه الدؤوب لكشف مواطن الخلل فيها، ومقدماً الرؤى والأفكار للخروج من محنتها، كيما تستعيد دورها ومكانتها الإنسانية التي أرادها الله عز وجل أن تتبوأها بين الأمم.
وبلا شك فإن من أهم مظاهر الأزمة الحضارية التي تعيشها أمتنا – واليمن جزء منها – ما نراه من جحود وتنكر لحملة الفكر والمبدعين وقادة الرأي والتنوير ودعاة الحرية والقيم الذين يعيشون ويموتون غرباء في أو عن أوطانهم لا يحفل بهم الساسة ولا الإعلام ولا المنتديات والمراكز البحثية كما هو العرف في الأمم المتقدمة بغناها القيمي، وبعدم تنكرها لجهود من أسدوا لأممهم الفضل، ومنحوا القيم والأخلاق والمثل صيرورتها وبقاءها.
جدلية الثائر والمفكر
ثمة علاقة جدلية بين الثائر والمفكر، فالثائر قد يوجد بمعزل عن المفكر، كما أن المفكر قد يوجد بمعزل عن الثائر بالمعنى المباشر للمفهوم، وعندما تجتمع في الشخص ذاته خاصيتا الثورة والفكر الحامل للثورة المتبصر بالواقع الذي يسعى إلى التغيير وخلق شروط أفضل للحياة فإن هذا الشخص سيكون بمثابة علامة فارقة في تأريخ وطنه وأمته. لقد نشأ الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير في بيت علم وحكم وسياسة وثقافة واهتمام بالشأن العام الوطني والإسلامي والعالمي منذ نعومة أظفاره، وفي ريعان الشباب شهد فصول ثورة 1948م التي قادها والده الأمير علي بن عبدالله الوزير وكبار أفراد أسرة آل الوزير ضد حكم الإمام يحي حميد الدين، وانتهت بفشل الثورة وسوق قادتها إلى السجون وميادين الإعدام.
تركت تلك المشاهد والأحداث الأليمة في نفس الأستاذ إبراهيم وإخوانه وأفراد أسرته بليغ الأثر النفسي والمادي ونالهم ما نالهم من غضب السلطة ونقمتها وسجونها، وتحمل الفتى عبئ رعاية الأسرة والحفاظ على نهج ثورة الدستور، وتراث الأسرة السياسي ومكانتها في المجتمع اليمني، وفي تلك الأجواء العاصفة تشكلت شخصية إبراهيم بن علي الوزير الثائر الرافض للظلم والحكم الاستبدادي الوراثي، المتطلع إلى مجتمع يسوده العدل والمساواة والرخاء في ظل حكم إسلامي شوروي عادل يتأسس على قاعدة اختيار الشعب للحاكم وفق شروط ومؤهلات مناسبة تجعل الحاكم محط رقابة الشعب ومحاسبته، وتبعد الحكم عن الاستبداد والفردية والتسلط، وتسمح بقيام دولة المؤسسات التي نص عليها الدستور المقدس لثورة1948م الذي يعد بالفعل نقلة متطورة للنظرية السياسية في اليمن والمنطقة، بل وأهم محاولات التطوير والتحديث للنظرية الزيدية في الحكم.
إن التجربة الخاصة والمحنة التي عايشها والكثير من أفراد أسرته ومئات الأسر الثورية المنكوبة قد كونت شخصية الثائر الباحث عن خلاصه الشخصي من منظور لا ينفصل فيه الشخصي عن المجتمعي العام، وهنا تتكون بحصيلة التجربة النضالية الذاتية ملامح الشخصية المفكرة التي تتجسد في شخصية الأستاذ الوزير، وتستمد روافدها مما تعلمه من علوم القرآن والمنطق والبيان والبلاغة والفقه والحديث والتاريخ، ومن قراءات معاصرة لكتب التراث والفكر والأدب والسياسة، ومن إطلالة مبكرة على الصحافة العربية والإذاعات وغيرها من وسائل الاتصال المعرفي، وانغماس مبكر في نشاط البيت الوزيري السياسي الحافل بوجوه العلم والسياسة والأدب والشخصيات الاجتماعية، ومن اتصال لم ينقطع بالحركة الإسلامية ورموزها وانخراط في قضاياها المعاصرة وهمومها في سبيل البحث عن سبل الخروج بالأمة عن الضياع والتيه السياسي والفكري والاجتماعي.
وطوال حياته ظل موصولاً بحبل الثورة، وتحمل من أجلها المشاق والمصاعب، وعانى من النفي والتشريد والاستهداف وحملات التشويه والمصادرة من قبل السلطات اليمنية المتعاقبة، ظل يحمل ذلك الهم الوطني والإسلامي والإنساني ويؤسس لبنات ذلك المشروع الفكري والسياسي ويرسي معالمه ودعاماته الواحدة تلو الأخرى…فما هي يا ترى أبرز معالم ذلك المشروع الذي صاغه الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير ؟.
معالم المشروع
ما لاحظته من خلال قراءتي الأولية لبعض ما توافر لي من كتب ورسائل الأستاذ الراحل إبراهيم بن علي الوزير اهتمامه الملحوظ بقضية الإنسان وتحرره من أغلال الاستبداد والقهر والعوز والتجهيل وغيرها من متلازمات.
حالة التخلف الحضاري الذي تعيشه اليمن وغيرها من بلدان الأمة، وتلك الحالة المعاشة في الواقع العربي والإسلامي إنما هي في الحقيقة امتداد لقرون من الاستبداد والظلم والاستئثار بالمال من قبل الحاكم الفرد وبطانته في معظم دورات التاريخ وفي معظم الأقطار والجهات.
وفي سبيل الخروج من التيه الحضاري المعاش بَلْوَر المفكر الراحل معالم مشروعه الفكري السياسي النهضوي في مرتكزات أساسية ثلاثة هي:
1- الشورى في الامر. 2 – العدل في المال. 3 – الخير في الأرض.
وتلك الأسس الثلاثة تشكل أساس النظرية التي تبلورت لدى الأستاذ إبراهيم الوزير وإخوانه في قيادات حزب اتحاد القوى الشعبية، وأصبحت عماد النظرية السياسية للحزب التي يناضل من أجل تحقيقها منذ نشأته وحتى اليوم.
إن تلك الأهداف تختزل النظرية السياسية في فكر الأستاذ إبراهيم، وبقدر ما هي تعبير عن الحاجة الفعلية الحاضرة والمستقبلية لشعوب الأمة لكي تستطيع الانتقال إلى ما تصبو إليه من حرية وعدالة ومساواة وتقدم، بقدر ما هي حصيلة قراءة عميقة للتأريخ اليمني والعربي والإنساني المترع بالظلم والاستبداد والاستئثار ونتائجه الكارثية على الأمة فيما تعانيه اليوم من صراع داخلي على الحكم وتخلف وجهل ومعاناة وتكالب من قبل القوى الأجنبية والعالين في الأرض بتعبير الأستاذ إبراهيم رحمه الله.
لقد قارب المفكر إبراهيم الوزير قضية الشورى في الحكم من منظور أشمل مما استقر من توصيفات في كتب الفقه السياسي الإسلامي وأكثر مما تضمنته أدبيات الكثير من الأحزاب والحركات الإسلامية، لتكون أكثر استجابة للعصر ومتطلبات الشعوب المبتلاة بالاستبداد والظلم والجمود.. وفي هذا السياق يقول: (وما يزال المسلمون يتخبطون في السبل المتعددة ، بعيداً عن الطريق الموصل إلى الحرية والكرامة وحقوق الإنسان، وأمامهم السبيل الذي لا سبيل سواه، سبيل الاسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة. وأهم شرط هو وضوح الخط السياسي لإدارة شؤون الأمة، فلا بد من الوضوح والحسم في ذلك. فما تزال الأمة تظن أن حل مشاكلها محصور فيما تطلق عليه لقب ” خليفة” أو ” إمام ” دون تحديد لوسائل اختياره ولا لكيفية تسيير عمله بصفته وكيلاً وأجيراً لتنفيذ ما تريده الأمة ضمن شروطها عملاً وزماناً ومكاناً، وضمن مؤسساتها في الشورى واستقلال القضاء وما يأطره الحق أطراً ويقسره عليه قسراً….، إنّ النظام الإسلامي هو من مسؤولية الأمة ومن شؤونها، والفرد مسؤول عن نفسه في سعيه ومسؤول عن الأمة فيما يهمها بصفتها أمة، وله حق المشاركة والاختيار الحر) ().
إن الأستاذ إبراهيم يضع معالم نظرية إسلامية ديموقراطية للحكم تولي المشاركة الشعبية أهمية بالغة، وتعلي من شأن العمل المؤسسي والفصل بين السلطات، بغض النظر عن مسمى الحكم أكان جمهوريًّا أم ملكيًّا، فالمهم هو المضمون والكيفية وتحقيق العدل وصون الكرامة والحقوق وهذا المنظور المنفتح على الواقع الإسلامي والإنساني يفارق الحالة الجامدة والنصوصية للكثير من الحركات الإسلامية التي لم تقدم شيئاً يذكر لخدمة النظرية السياسية الإسلامية وتطويرها في الواقع، وهي وإن قبلت الديموقراطية الشكلية والمشاركة في الانتخابات والعمل النقابي فإنما لكي تهيمن وتتسلط للأسف، مما كان له الأثر السلبي الكبير على المشروع الإسلامي.
ومن منظور للحكم يقدس العدل ويتطلع إلى الحرية، ويحترم إرادة الشعوب وحقها في صنع واقعها والمشاركة الإيجابية فيه يقول: (وكنا قد قلنا بأن الحرية السياسية تتمثل بحق الأمة في اختيار حكامها وحقها في مراقبتهم وحقها في تشكيل الأجهزة والمؤسسات لهذه الغاية من بينها الصحافة الحرة ووسائل الإعلام الحرة وكل وسائل ونشاطات الإنسان العقلية والفكرية في المراكز والجامعات والمدارس وفي المثقفين والمفكرين والعلماء. كذلك فإن المال يجب أن يحظى باهتمامنا فيجب أن لا يكون “دولة بين الأغنياء” هو نظام فاسد لا يتفق مع كرامة الإنسان ومعنى وجوده على الأرض) ().
وفي هذا الصدد قدم المفكر الثائر إبراهيم بن علي الوزير الكثير من الإضاءات على الواقع الإسلامي المعاصر ناقداً ومفنداً الأفكار والممارسات الاستبدادية بما فيها استبداد الحركات الإسلامية نفسها وموقفها السلبي من الحرية.
وفيما يشبه النبوءة للممارسات السلبية النقيضة للحرية من بعض الحركات الإسلامية بعد ما عرف بثورات الربيع العربي يقول: (وقد يكون من سلبيات الكثير من الحركات الإسلامية غير المتطرفة عدم وضوح الفهم لمسألة الحرية التي جعلها الاسلام واسعة باتساع الكون، فلم يحترموا حرية الغير والرأي الآخر في مناهجهم مما يوجب على الحركات التي نعتت نفسها بالإسلامية أيا ً كانت أن تعرف أن الحرية التي توفرها الديموقراطية – وأعلى مراتب الديموقراطية هي الشورى بثوابتها العلمية الإنسانية التي تسع الأرض كل الأرض والإنسان كل إنسان – هي بالنسبة للفكر الإسلامي والحركة الإسلامية بمثابة الماء للسمك، فإذا جف الماء هلك السمك. فلا بد من وجودها والجهاد لتوفيرها مناخاً صحيًّا للحياة) ().
ويلفتنا المرتكز الثالث في المشروع المتمثل بالخير في الأرض بأنه يتجاوز الحالة اليمنية والعربية ليشكل بعداً إنسانيّ النزعة والدلالة في المشروع، لطالما غاب هذا البعد لدى كثير من منظري الأحزاب والحركات الإسلامية والقومية العربية والإسلامية وغيرها، وللحق فإن الأستاذ إبراهيم الوزير وعبر هذا البعد يعيد تأكيد عالمية الاسلام ودوره ورسالته المغيّبة في الواقع الإسلامي بفعل التخلف الذي يسود الواقع الفكري والسياسي الإسلامي الذي ما عاد بمستوى الأهلية والقدرة على الفعل والتأثير الإيجابي المستقل من موقعه الإسلامي المتميز والأصيل انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ [آل عمران/110] وإنما أصبح معظم ما يطرح في الساحة الإسلامية يدور في دائرة رد الفعل السلبي أو من موقع التبعية الفكرية والسياسية للآخر.
لقد أكد الأستاذ إبراهيم الوزير ومنذ البداية على ضرورة تبني قضية الاسلام كهوية حضارية وكبعد إيجابي ينبغي تمثله والتعبير عنه سلوكاً شخصيّاً ورؤيةً للحياة، ومنطلقاً للتفاعل مع الواقع غير الإسلامي، وفي كتابه: “بين يدي المأساة” رسالة إلى اليمنيين في الخارج، يخاطب المغتربين من أبناء اليمن “وأنت أيها المغترب في بلد حر تستطيع أن تدافع عن قانون السماء، لا أن تلبث منزوياً تعمل في المهجر، من أجل الأكل والشرب والتناسل، فذلك هو شأن الحيوان.
فهلا عملت في بلد، التقنين فيه مفتوح أمامك لتضع القانون الذي ترضاه، الفطرة والوحي والعقل في يمينك، تحرك واستيقظ من النوم، اترك السلبية، خض غمار الحياة، أين أنت من مواقع التأثير، في المدارس، والجامعات ومؤسسات النشر، والكلمة المقروءة، والمسموعة، والمرئية، ومواقع صنع القرار، إن غيرك هو الذي سبقك إليها”().
وبصورة أوضح يجسد هذه اليقينية بعالمية الاسلام ودوره الحضاري المنقذ للإنسانية وبصورة أوضح لمعنى الخيرية في الأرض بقوله: (إنني أعتقد بأن الاسلام يتضمن الحل لكل مشاكل الإنسان المادية والروحية، وذلك لأن الله خصه بتوازن عجيب بين المادة والروح، بين أشواق الروح ومتطلبات الجسد. إنه الوحيد الذي يقدم الحلول لمشكلات الإنسان الاساسية على الأرض بدءًا من الأمراض النفسية المدمرة التي تجتاح البشرية وانتهاء بالأمراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. لقد نادى الاسلام بالدخول في السلم كافة. وهو السلام فيما بين الإنسان والطبيعة. والسلام فيما بين الأمم والشعوب والسلام فيما بين الإنسان ونفسه، والسلام في استقبال عالم الغيب والشهادة) ().
لقد كانت القضية الوطنية في اليمن موصولة بقضية الأمة وشعوبها بل والإنسانية في فكر الأستاذ إبراهيم وفي حركته الدؤوبة وجهاده السياسي والفكري، لم ينحصر ولم يتقوقع في قضيته الوطنية فالخاص غير منفصل عن العام في مشروعه يرحمه الله، وهذه الحقيقة نلمسها في سياق القراءة لمؤلفاته ورسائله العديدة التي تعبر عن مشروعه السياسي والفكري الثري والخصب، وفي هذا السياق لا ننسى أن ندعو المؤسسات الرسمية اليمنية والجامعات إلى الاهتمام الجدي بتراث الأستاذ المفكر إبراهيم بن علي الوزير وغيره من المثقفين والعلماء والأدباء طباعة ونشراً وتحقيقاً ودراسات، فما أحوج الأجيال اليمنية الى وصل ماضيها بحاضرها بمستقبلها، والخروج من دائرة الاستبداد والمصادرة والتهميش بعد انتفاء أسبابها المباشرة وسقوط مرتكزاتها السياسية والأيديولوجية المتطرفة في الواقع اليمني والحمد لله.
رحم الله فقيدنا وفقيد الأمة المفكر الثائر إبراهيم بن علي الوزير وعوّض عنه أهله ووطنه وأمته خيراً ولا قوة إلا بالله.
https://telegram.me/Ebrahimalwazir
م.م