ثورة ١٤ أكتوبر المجيدة

ثورة ١٤ أكتوبر المجيدة

- أمين الجبر
الاحد 12 أكتوبر 2025-
يرى معظم فلاسفة التاريخ أن الحروب والثورات تُعد “محركات للتاريخ”، وأنها تشكل نقاط انقلابية تاريخية تؤسس لعصور جديدة تختلف جوهرياً عما سبقها ثقافياً واجتماعياً. وهذه اللحظات الفارقة تعبيرٌ عن مسار تاريخي يتجه نحو مستقبل متجدد ومشرق.
وقد تجلى هذا بالفعل في ثورة 14 أكتوبر 1963م في جنوب اليمن، التي استمدت جذورها من حركة التحرر العربي والحركة الوطنية اليمنية، وكانت حدثاً ثورياً خالصاً ضد الاحتلال البريطاني، تميزت بكونها إجماعاً وطنياً واسعاً لا يرفضها إلا قلة متماهية مع الاستعمار تكتيكياً. أسست الثورة لمشروع دولة وطنية حديثة استوعبت مفاهيم المواطنة والديمقراطية، وحيدةً بذلك الهوية الوطنية ومذابةً الاختلافات الجهوية والإثنية.
لقد آمنت حركة القوميين العرب بفكرة الكفاح المسلح كخيار نضالي منذ خمسينيات القرن الماضي، وتزامن انفجار ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن مع ظروف مهيأة لدعم ثورة أكتوبر في الجنوب، بدءاً من شرارة ردفان التي أشعلها الشهيد غالب بن راجح لبوزة، مدعومة بالنشاط الإعلامي الإعلامي الصحفي والإذاعي، حتى امتدت الثورة إلى عدن ومناطق واسعة في الجنوب.
على رغم التباينات الأيديولوجية بين الفصائل الثورية، التي أثرت في مواقفها وتردّدها حول الكفاح المسلح، إلا أن الإجماع على الاستقلال الكامل وكفاح التحرير هو ما انتصر في النهاية، مع بروز قوى اليسار التي حققت نصراً باهراً في الصراع الإيديولوجي بعد الثورة.
تبقى ثورة 14 أكتوبر رمزاً خالداً في الوعي الجمعي اليمني، تلهم الهوية الوطنية الكبيرة والوحدة، وترسم بوصلة الوعي الوطني في مواجهة الصراعات الراهنة، بقيمها ومبادئها التي تخلق أمل التئام المشروع الوطني وتخفيف حدة الانقسامات.
من أهم الدروس والقيم التي تعلّمناها من الثورة: الانتصار للمبادئ الوطنية، البناء المدني الحديث، الإصرار والثبات في وجه المؤامرات، وعدم المساومة على السيادة الوطنية أو قيم الدولة المدنية. هذه المبادئ تظل حية وفاعلة في وجدان الشعب اليمني، ومن خلالها يمكن استلهام حلول لتجاوز الانقسامات وملء الفراغ السياسي والمجتمعي الذي خلفته الظروف الراهنة والعقلية المتعصبة.