أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير” الحلقة (6)
أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير” الحلقة (6)
بقلم : الإستاد عزيز طارش بن سعدان
معيشته، ومختلف ما تقتضيه حياته من المهد إلى اللحد
السبت 11يناير2025_
وكمال الأمم في الذروة» هو أن تجمع في «فقهها» وتطبيقاتها« بين السنن الكونية الماضية على الكون وما فيه ومن فيه والسنن التشريعية الهادية الموضوعة أمام الاختيار الحر للإنسان، والتي على أساسها تكون الحياة الطيبة المطمئنة.
للفرد والجماعة على هذه الأرض، والسعادة الأبدية في «الدار الآخرة».. وبمقدار «التطبيقات» تحرز «النتائج» في كل من هذه وتلك، سلباً وإيجاباً ومقداراً من القوة والضعف، وكمالاً ونقصاً…!
إن في تاريخ كل أمة «منعطفاً» * يتاح فيه للأمة تغيير مجرى حياتها بتأمل السنن وفهمها ودراستها والاستفادة منها للخروج من وهنها وضعفها وضياعها، فإن لم تستفد الأمم.. إلى مكان عزيز منيع من هذا المنعطف التاريخي؛ فإن قوارع الآيات وعجائب النكالات تنزل بها متدفقة عليها من كل جانب، آخذة عليها كل سبيل حتى تنقرض وتزول أو يستقيم ما بنفسها فيصلح أمرها.
وليس بعض السوء هو السبيل إلى الانهيار وإن كان جرثومة» تعمل في الكيان الحضاري بقدر ما تمثله من «السوء».
وليس بعض الكمال في الأخذ بالسنن» هو السبيل إلى «العلو».. فالأقل سوءاً في الجملة من غيره في عالم الإنسان هو الذي يسود على الأكثر سوءاً في الحساب الإجمالي لدرجات «السوء».. وبهذا المقياس العلمي يتحدد:
إن الذي ناتج مجموع إيجابياته أكثر قوة وفاعلية في الحساب الإجمالي يكون له التفوق على الأقل إيجابيةً وفعاليةً لسبب أو لآخر وكذلك بطبيعة الحال على الأكثر سوءاً الأقل إيجابية وفعالية بسبب تراكم السلبيات في الحالتين معاً.. تلك السلبيات التي تصنع معوقات ومحبطات غاية في التعقيد!
نقصد بالمنعطف منحنى تاريخياً»، أي حدث تاريخي تتراخى فيه العوائق المستحكمة أمام الاختيارات التاريخية الحاسمة ،فيتاح للأمة حينئذ تغيير خط سيرها نحو «الأحسن» أو الأكثر سوءاً» حسب وعيها ودرجة هذا الوعي أو انعدامه بتاتاً حين تسيرها عوامل اللاوعي، وفي هذه الحالة – أي» السير العشوائي» تجدد للكارثة! لا خروج منها. (انتهى)
إن الأمم التي سبقتنا في العلوم والتنظيم في الحكم، وكيفية الحكم، وسلاسة الانتقال في الأنظمة المعمول بها في بلدانهم، أبدعت بالفعل في الأنظمة داخل شعوبها. ونحن ما زلنا نعيش مثل الدوائر العمياء الصماء، ومعنا أذهان عمياء مخضبة بالجنون. يوجد اختلاف بين فقه المذهبين الشيعي والسني، والخلاف يقيم شأن الخلاف في بني هاشم، ونحن نتخبط بين قريش، والله لم يوص بنا لا في قريش ولا في بني هاشم، وترك لنا حرية الاختيار لمن يحكمنا. والصراع ما زال مستمرًا منذ أواخر خلافة عثمان إلى يومنا هذا. ولم يعقل المدعون بذلك الحق، لاهين ومختلفين حتى على الوضوء والضم والإرسال، وخلافاتهم لا تُحصى. كل منهم يصيح ليلاً ويقفله بشدة؛ العودة بعيدًا تفقدني الخجل عندما أقرأ كتابات أحدهم. ونقول: الأمة مغفلة وساذجة، لا نتبعهم في نشوتهم على نظام الحكم الوراثي الذي لم ينزل به شيء من السماء. قال رسولنا الكريم – صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: “يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول -الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ليبلغ الشاهد الغائب”.
نحن ننطلق من منطلقات فكرية، متبعين منهج مفكرنا الذي أوضح الحقائق في سنن واضحة، لنخرج عن النور الذي أضيء قبل ألف وأربعمائة عام. وما كان له أن يزيغ، ولو كانت ذرة واحدة، فهي كلمات من نور للحياة للبشرية جمعاء. نحن نسجل كل إعجابنا وتفهمنا لذلك المفكر الكريم الذي أنار بكتابه نور الحياة لنا وللأجيال القادمة.
إن السنن الكونية التي جاءت عن طريق الرسل، مشت عليها الأمم، ولكن باختلاف، حيث أخذ كل منهم ما يناسبه وترك ما لا يناسبه. وكل هذا جاء في المنهج النبوي عندما تم اختيار ثلاثة عشر نقيبًا للمهاجرين ومن الأنصار مثلهم، وذلك بأمر من الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}. أي أن الشورى كانت ملزمة للأنبياء والرسل، وكان يعقد جلساته مع الستة والعشرين نقيبًا في عصره.
إن ذلك الاختيار والتمثيل الحقيقي للأمة المسلمة، التي قال الله فيهم الصادقين والمفلحين، أدى إلى خروجهم بأول دستور مدني في العالم. ولم تكن دساتير العالم المعاصرة ناقصة، بل وفّت بنصف الغرض الذي تم تحقيقه بموجب ما صدر من دستور في العصر النبوي، وفق سنن مُهداة. وعُقبها الأخيار بمنهج فيه صدق الاختيار وصدق الأمانة من جراء السنوات، ووفق معايير شفافة. ولم تكن الصناديق في العصر الحديث أكثر صدقًا من ذلك الاختيار لا في القول ولا في الفعل.
لقد أوضح مفكرنا في كتابه كل معايير نظام الحكم وفق سنن كونية، وكانت ثورة الأمة التي كان أحد قياداتها تعود إلى منهج النبوة وإعادة الحكم إلى الشعب، وليس أن يكون الشعب أجيرًا عند الحاكم. لكن الأعداء لم يتركوا الشعب وما اختاره، لأنهم أبوا الحرية لهذا الشعب وفضلوا العبودية لليمن حتى يكون الحاكم مستبدًا ينفذ ما يمليه من السيادة، ولا تهتم مصالحهم الدنيوية بمصالح شعوبهم، بينما تعتبر هذه الشعوب مصدر الطاقة التي هي عصب الحياة…؟؟؟ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}
لنا لقاء في الحلقة القادمة …
اقرأ أيضا للكاتب:أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة 5