كتابات فكرية

عارف الدوش يكتب عن خطاب الكراهية

عارف الدوش يكتب عن خطاب الكراهية

خطاب الكراهية

  • عارف الدوش

  السبت 14 ديسمبر 2024م

العنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية لغتها وخطابها وسلوكياتها متشبعة بالحقد والكراهية وهي دليل مرض اجتماعي منتشر بين أصحاب الفئات الأربع سالفة الذكر .. شرور ذلك المرض تنتشر كالنار بين الهشيم والنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله ..

فأمراض العنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية لا يبقى معها لا دين ولا تدين ولا هوية جامعة يلتقي تحت ظلها الجميع .. كون كل منها لها تفكيرها وسلوكها المرضي المحبب لها الممقوت من فئات أخرى  ..

 والمتعارف عليه بل المُجمع عليه – بضم الميم – أن للعنصرية وللطائفية وللمناطقية وللقبلية لغة ماضوية تغترف من سلبيات وعثرات الماضي ومن كل ما هو مقيت ومرفوض لتسقطه على عالم اليوم الذي جرت وتجري فيه مياه كثيرة وتقدم فكري ومعرفي وتكنولوجي رهيب بحيث أصبح العالم كله حجرة صغيرة .. بل حيز صغير من حجرة ..

ومن السهل جداً جداً أن يتم تحريض الناس ودفعهم إلى الكراهية والتمترس وراء العنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية الرباعي المدمر للبلدان والمميت للشعوب .. وكذلك من السهل جداً دفع الناس إلى الاحتقان  وإيصالهم إلى ممارسة العنف والاقتتال !! .. لكن مثل هذا النهج والأسلوب مدمر للجميع لن ينجو من تداعياته أحد ولن يحقق أي أهداف بقدر ما يجمع تراكمات لدورات عنف متتالية ..

قد ينبري قائل ليقول لماذا أدخلت القبيلة ففيها أعراف طيبة وجميلة ؟!! سأقول هي أعراف طيبة وجميلة لمواضع وجغرافيات تلك القبائل .. أو ما يسمى بقواعد العرف والقبيلة .. تختص بقبائل في مواضعها وجغرافياتها ولا تستقيم ولا تنفع كأعراف جامعة لكل اليمن واليمنيين .. وحصل ويحصل في كثير من المراحل الخلط بين متطلبات الدولة ومتطلبات القبيلة ومنذ زمن تتفوق القبيلة على الدولة فتتكون دول ودويلات القبيلة لا دول ودويلات المواطنة المتساوية للجميع فتبرز المسميات لفئات الشعب المختلفة ويبدأ التنابز والتناحر والاقتتال وكل فئة بما لديها فرحة بالقتل والاقتتال والدمار .. وكل فائز ومنتصر يعتقد أنه سيحكم وسيعيش على أنقاض ودمار وظلم ونهب الآخرين . وهذا وهم يسيطر لفترة ليكتشف بعده الفائز والمنتصر أنه مهزوم . وعلمتنا الأحداث وأضابير التاريخ أن بعض الهزائم تكون قاسية جداً ومؤلمة وبشعة جداً …

 ففي غفلة من الزمن توالت السنوات وفي كل مرحلة من مراحل تاريخنا القريب و البعيد ظل الخطاب السياسي والإعلامي يضج بالكراهية والعنصرية والتمييز والطائفية والمناطقية والقبلية والتحريض على العنف . وهذا أمر خطير جدا ويؤدي إلى التفكيك والتشرذم والأحقاد ويقود إلى الاقتتال ويراكم دورات العنف في المجتمع وكم قد تحاربنا وتقاتلنا تحت عناوين مختلفة نغلفها  بشعارات ومفردات تناسب المرحلة .. وكل ذلك يتعارض مع قيم التعايش والتسامح والسلام والاندماج الاجتماعي …

 الكراهية الناتجة عن العنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية تؤدي الى طريقة وأسلوب حياة خطير ومدمر للجميع .. طريقة وأسلوب حياة ينشر القلق والتوتر ويجعل الإنسان مستفز يفسر الكلام بشكل خاطئ ويفهم التصرفات بشكل خاطئ .. وينظر الى الآخر نظرات عدائية تتراكم لتنفجر بشكل حروب واقتتال وظلم وبشاعة ولست في وارد ذكر نماذج وأحداث مرت بنا خلال المائة عام الماضية لأنها تكشف خيباتنا وقصور وعينا وعمانا وجهلنا وتعصبنا وأمراضنا الاجتماعية التي لم نستطع علاجها حتى اليوم ..

لكن صدقوني الأمر يرتبط بالوعي لدى الإنسان فعندما يرتفع منسوب الوعي عند الإنسان ويكبر تفكيره سيحب الجميع دون استثناء و بلا شروط .. حتى الخصوم والمختلفين عنه في كل شيء ربما يحبهم ويرحمهم ويشفق عليهم .. وربما يبادر ويمد لهم يده لمساعدتهم أو يدعوا لهم بالتوفيق  .. على الأقل لن يكرههم !!! ..

عندما تتقدم في الوعي أيها الإنسان ستحب

الاستماع إلى الانتقاد وستصغي إليه أكثر من سماعك للثناء والمديح ولن يغريك ذلك أو يسترعي اهتمامك ولن تسعى إليه لأنه لن يحدد قيمتك أو يضيف إليك شيئاً  فالنفس ستكون قد وصلت “حد الامتلاء” .. والثناء والمديح إنما هو إضافة جيدة لمن يشعر بالفراغ الداخلي – أيا كان نوع ذلك الفراغ  – فيتغذى على الثناء والمديح ويسعد به حتى وان كان زائفاً …

عندما  يتقدم الإنسان في الوعي يكون هادئاً مطمئناً قادراً على فرز الغث من السمين .. قادراً على تشخيص الأمراض الاجتماعية المنتشرة مثل العنصرية والطائفية المناطقية والقبلية  ووضع الحلول العملية لها وعلى الأقل عدم مجاراتها وتوسيع انتشارها إن لم يكن في موقع اتخاذ القرار …

عندما تتقدم في الوعي أيها الإنسان ستشعر بثقة عالية جدا نابعة من داخلك لا تتغير بالمتغيرات .. فتتصرف بإيمان قوي راسخ ويقين ثابت دون الحاجة للنفاق أو التجمل أو الخداع أو حب الثناء والمديح أو ممارستهما ومحاولة كسب رضى الآخرين من أجل أن تفوز ببعض الفتات من منصب أو مال أو جاه على حساب القيم العليا وعلى حساب الوطن والإنسان ..

اقرأ أيضا للكاتب:ليس الشتاء وحده موسماً للبرد !!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى