الدكتور محمد عبدالملك المتوكل..كضمير للصحافة ومدافع عن الحريات والديمقراطية
بعد التخرج والعودة إلى صنعاء، نشر الدكتور محمد عبدالملك المتوكل مقالة في صحيفة الثورة، دعا فيها إلى إطلاق حرية الأحزاب والتعددية السياسية والحزبية، وكانت الدعوة مثار جدل ونقاش واسع في بلد تعتبر فيه الحزبية خيانة وطنية.
في سبعينيات القرن الماضي، شكّل المتوكل ومحمد الرباعي والفسيل، محورًا في الحياة السياسية المغلقة، وكان الثلاثة البررة رئة نقية للرأي الآخر، كاتجاه ديمقراطي يقبل بالآخر، ويدعو إلى التفتح والحوار.
في حركة الـ13 من يونيو/ حزيران 1974، بزعامة الشهيد إبراهيم الحمدي، تبوأ الشهيد محمد عبدالملك المتوكل منصب وزير التموين، ونسج علاقات جيدة مع شباب أحزاب الناصري والديمقراطي، وأبرزَ كفاءةً ونزاهة وإخلاصًا في العمل.
يمتلك الدكتور مقدرة وشجاعة في طرح ما يؤمن به، بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف، ورغم الاختلاف حينها مع بعض آرائه، إلا أن النظرة إلى تلك الآراء كانت محل توقير وتقدير.
الدكتور المتوكل من أوائل دارسي الصحافة، ورسالته للدكتوراه «الصحافة اليمنية: نشأتها وتطورها» من أهم وأوثق الدراسات الأكاديمية عن الصحافة اليمنية.
بدأ الدكتور مشواره بالدراسة لدى الصانع الأول لحركة الأحرار اليمنيين الأستاذ أحمد محمد نعمان، وانفتح منذ الصبا على رفض الاستبداد والقيم البالية والمتخلفة.
يذكر مجايلوه أن أحد المقربين للإمام أحمد زار حجة، وتناقش مع الطالب محمد عبدالملك المتوكل حول قضايا الوضع، فشن الطالب المتوكل جام غضبه على حالة التحجر والجمود وفساد الوضع وتخلفه؛ فنقل الزائر ما دار إلى الإمام أحمد الذي كان رده إغلاق المدرسة التي تنشر المعرفة الجديدة والنور.
واصل الطالب المجد والمجتهد مشواره المنفتح والمتحرر، وكان دومًا يُعتبر من أهم تلاميذ الصانع الأول النعمان. بعد رسالته للدكتوراه عن الصحافة، قدّم الدكتور العديد من الدراسات والأبحاث، واحتفى كثيرًا بالدفاع عن الحريات العامة والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير (الحريات الصحفية)، وكان في طليعة الداعين إلى تشكيل نقابة للصحفيين، وشارك في المداولات والمناقشات، وكان رأيه – منذ البداية – اختلاف مهام الإعلام والصحافة في الشمال عنه في الجنوب؛ لوجود نظامين سياسيَّين مختلفين، وانتصرت رؤيته الصائبة.
تشكلت جمعية للصحفيين في الشمال في 22 أبريل/ نيسان 1976، ومنظمة للصحفيين الديمقراطيين في الجنوب في 5 مايو/ أيار 1976، وكان الدكتور مرجعًا في كل مؤتمرات الجمعية، فالنقابة.
الشهيد طوال حياته رجل حوار، وحمامة سلام، وكان ورفاقه في اتحاد القوى الشعبية، في طليعة الداعين إلى السلام، ورفض الفتن والحروب. كان المفكر السياسي صادقًا، عميق الرؤية، واقعي التفكير، محبًّا للحياة والناس، مازجًا بين القيم الإسلامية المستنيرة، وروح العصر الحديث، يتوحد فيه القول والفعل؛ فما يقوله ويراه يجسده فعله ومواقفه، وفعله دومًا يصدق ما يقول.
منذ النشأة، انصرف للتعلم، لازم أستاذه الرائد النعمان، وعندما أغلقت مدرسة حورة ذهب إلى صنعاء؛ ليواصل الطلب، ثم تواصل المشوار في مصر فأمريكا، لكأنه منذور للتعلم والتعليم.
الدكتور الأكاديمي تعلم من درسه المعرفي والأخلاقي في الجامعة وخارجها؛ فهو الأكاديمي، والسياسي المخضرم. كان ديمقراطيًّا في تعليمه لطلابه كتعليمه لأبنائه، وهو أنموذج في التواضع والأدب والخلق الرفيع؛ فعلى مدى ما يقرب من نصف قرن ظل محمد عبدالملك نجمًا في الحياة السياسية والثقافية، وهو دائم الحضور في المؤتمرات والندوات والمناقشات العامة والمقايل، وإن كان لا يتناول القات. تلاميذه كثر، ومريدوه ومحبوه أكثر.
قليلة هي الأبحاث والدراسات عن القبيلة اليمنية، والواقع أن ضعف المجتمع المدني وميوعة الحدود والفواصل في المجتمع اليمني، وتداخل الأهلي والمدني، يفرض الدراسة وإعادة القراءة للمجتمع الأهلي، ورأي الدكتور محمد عبدالملك المتوكل جدير بالقراءة والبحث
ناقشت تعقيبه في ندوة “المجتمع المدني في الوطن العربي ودوره في تحقيق الديمقراطية”، فالدكتور يرى في التعقيب المشار إليه أن القبيلة اليمنية هي أقدم مؤسسات المجتمع المدني. يضيف وقد لا يطيب للبعض أن تعتبر القبيلة في اليمن واحدة من مؤسسات المجتمع المدني، رغم أن النظام القبلي يشكل إطارًا اجتماعيًّا مهمًّا، مثّل – ولا يزال يمثّل – أدوارًا مهمة في المجال السياسي وفي المجال الاجتماعي. ورأي الفقيد يحتاج إلى القراءة، وفيه ما يُتفق فيه، وما يُختلف معه فيه.
وللدكتور كتيب بعنوان «الإسلام والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان» صدر في 24 فبراير/ شباط 2004، يمازج الدكتور فيه بين ثقافته ورؤيته الإسلامية المستنيرة، وبين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومعروف أن الإعلان العالمي هو الإرث الإنساني الرائع لكل أمم وشعوب الأرض، وكانت اليمن ضمن الدول المشاركة في صياغته، وهو يستلهم ثقافة البشرية كلها.
وقد تناولت تعقيب أستاذنا الجليل عن طبيعة القبيلة اليمنية، وأشرت إلى اختلاف مع أستاذنا حول الطبيعة الاجتماعية للقبيلة.
قراءة الأحرار اليمنيين (الحركة السياسية الأم في المتوكلية اليمنية) خضعت لتأثيرين متناقضين؛ الأول: مأساة 48، وإسقاط الحركة الدستورية. والثاني: الموقف المزدوج من ثورة 26 سبتمبر؛ ففي حين لعن الأحرار القبائلَ لإسقاط حركة الدستور، واستباحة صنعاء؛ فقد أفادوا من موقف القبائل في ثورة 26 سبتمبر؛ إذ ساندت القبائل “المجمهرة” بقايا حزب الأحرار ضد حكومة الثورة، وارتهن موقف ثوار سبتمبر وأكتوبر والأحزاب الحديثة للمواجهات السياسية طوال عقود النصف الثاني من القرن العشرين، وموقف هذه التركيبة المجتمعية من الثورة، وبناء الدولة.
قليلة هي الأبحاث والدراسات عن القبيلة اليمنية، والواقع أن ضَعف المجتمع المدني وميوعة الحدود والفواصل في المجتمع اليمني، وتداخل الأهلي والمدني، يفرض الدراسة وإعادة القراءة للمجتمع الأهلي، ورأي الدكتور محمد عبدالملك المتوكل جدير بالقراءة والبحث.
فتح اغتيال الزعيم القومي فيصل عبداللطيف، الباب أمام اغتيالات تصاعدت وتتالت إلى كارثة 13 يناير 1986، في الجنوب. وفي الشمال، فإن اغتيال الزبيري، الشاعر الكبير والزعيم الروحي، فتح الباب فيه لاغتيالات متواصلة: الحمدي، ومحمد أحمد نعمان، وجار الله عمر، وحسن الحريبي، والدكتور محمد عبدالملك، والدكتور عبدالكريم جدبان، والدكتور أحمد شرف الدين، وعبدالكريم الخيواني، وبالأمس حسن زيد، والمأساة أن الإفلات من العقاب، وعدم التحقيق في هذه الجرائم يترك الباب الجهنمي للاغتيال مفتوحًا.
أقرأ أيضا:عـقبة نهم وعــفش الإصلاح
أقرأ أيضا:الدكتور محمد عبدالملك ورفضه الرد على اتصال رئيس الجمهورية
أ/عبدالباري طاهر
نقيب سابق للصحفيين اليمنيين
عن منصة خيوط اﻷثنين, 2 نوفمبر 2020