نفحات من كتاب لكي لا نمضي في الظلام (الحلقة الثالثة)
نفحات من كتاب لكي لا نمضي في الظلام (الحلقة الثالثة)
إننا نسعى إلى المشي في ركاب ما كتبه المفكر الكبير الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير رحمه الله في كتابه ( لكي لا نمضي في الظلام ) حيث أنار في ذلك الكتاب شمس الحضارة الحديثة نحو التحرر وإرساء دعائم الحكم الرشيد في يمن العزة والكرامة حيث قال ” الاستقلال وسيلة وليست غاية، وسيلة إلى تفجير طاقة الشعب البناءة ونقطة انطلاق لحمل رسالة الإسلام في الأرض وفي ظل الحرية وشعور العزة الذاتية والتحرر الوطني في سبيل سعادة الإنسان وهنائه وسلامه ” انتهى الاقتباس.
إن التحرر من الاستعمار والحكم الفردي واجب مقدس على عاتق كل فرد من أفراد الأمة لأن ذلك لا يؤدي إلا إلى التفرقة والقتال بين أبناء الشعب الواحد والانعزال لكل كاتب رأي أو مفكر يريد أن ينير الأمة لأن في أقلامهم وكتاباتهم نور الحرية التي تنير الشعوب نحو العدل والمساواة والأمن والاستقرار والصحة والتعليم والتحرر الاقتصادي من التبعية لأعداء الأمة ولعل مفكرنا الكريم قد أنار بكتاباته كل شعوب العالم المتطلعة إلى نور الحرية التي هي غاية الشعوب. إن الأنظمة العربية عبر العقود التي أمضتها جاثمة فوق تطلعات الشعوب العربية، من ترويض هذه الشعوب وتخليصها من العنفوان الذي كان يميزها، وتحويلها إلى مجموعات من القطعان والطوائف والمُلل والمذاهب والأعراق، أقوام ضعيفة وخاضعة وصاغرة، مذعنة ومستسلمة لمصيرها وعاجزة غير قادرة لا على تغيير واقعها ولا حتى على تحريكه. سياسة التهجين التي اعتمدتها النظم العربية تواصلت عبر عقود متتالية وأدت إلى محصلة مرعبة في الواقع العربي حيث تجلت في المستويات المفزعة لمعدلات الفقر والأمية والتخلف الحضاري وانتشار الجهل وشيوع القهر والاستبداد وتفتت النسيج الاجتماعي وظهور النزعات المذهبية والعرقية.
وهذا مخالف لنهج الأمة التي أنارت بنورها عند نزول الوحي على سيد البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ونقتبس من كتاب مفكرنا الكبير قوله ” وفي عزلتنا البدائية عن الحضارة والحياة ومع انحراف الحكم عن المنهج الذي قام على أساسه تهيأت التربة الخصبة لظهور حكم الفرد وتقديسه وتأليهه وحماية لهذا الحكم المتعفن ساعدت الرجعية القبورية على القضاء على العلم وحملت على افقار الشعب فكان انتكاس شعبنا في الجزء شبه المستقل إلى عصر عبودي مخيف ونحن نعني بالعبودية هنا أخطر معانيها حيث يصير الشعب لا يملك حقاً في حماية نفسه ولا دمه ولا رزقه، الحقوق الأولية للإنسان التي جعلها الإسلام مبادئ مقدسة في ضمير كل فرد مؤمن لا وجود لها للإنسان في بلادنا، بل يكون مصائر كل ذلك ومقدرات وإمكانيات شعب في يد حاكم مطلق يستمد سلطانه من الجهل والكهنة والخرافة والسماء بعيداً عن التقيد بمنهج الله للإنسان في كتاب فصلت آياته من لدن حكيم خبير ” انتهى الاقتباس.
إن نظام الحكم في الإسلام للحكام الذين تكبّروا على حكم الله وهم في الحقيقة مصابين بجنون العظمة سواءً كان في عصور غابرة أو في هذ العصر الحديث مدّعين أن الحكم لهم وأن البشرية هم عبيد عندهم، أنهم وحوش العصر القديم والعصر الحديث، إنهم يستكبروا في الأرض، وهم من هم بالقياس إلى عظمة وخلق الله. فكل استكبار في الأرض فهو بغير حق، استكبروا واغتروا إنه الشعور الكاذب الذي يحسه الطغاة، الشعور بأنه لم تعد هناك قوة تقف أمام قوتهم، وينسون أو تناسوا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة. إنها بداية القسوة، إن من يدّعوا الألوهية ولم يعرفوا أن الذي خلقهم في الأصل أشد منهم قوة, لأنه هو الذي مكّن لهم بهذا القدر المحدود من القوة, ولكن الطغاة لا يذكرون ولكن هم في هذا المشهد يعرضون عضلاتهم ويتباهون بقوتهم, وعلينا أن نتأمل مصارعهم المناسبة, ولهذا لا نتعجب من آخرتهم المخزية, فمثلاً: قوم عاد وثمود كيف كان مصرعهم من عند الذي خلقهم لقوله تعالى (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)) وعلينا أن نتأمل أنه كان بينهم مؤمنين ولكن الله هو العادل فنجّاهم من عذاب قومهم، إنها عبرة لطغاة العصر القابعين في الغرف الفاخرة ويتسلطوا على عباد الله الصالحين (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)) إن مصرع عاد وثمود جعلها الله للبشرية عبرة ونذير، إنه لمصرع مخيف والله يكشف لنا سلطانه الذي لا ترده قوة ولا يعصم منه لا قصور ولا مستكبر جبار. إن جبابرة الأرض في هذ العصر عصر التكنولوجيا واكتشاف مخلوقات الله وآيات الله في أنفسهم وفي البحّار والسموات والأرض، الم يعلموا كيف حمى الله الأرض بغلافها الجوي المشيّد وجعل الفجوة للصعود من فوق قبة المقدس، أليس لهم عبرة في الذين سبقوهم من البشر، كانوا أشدّ منهم قوة، لكن لا يتدّبروا في ملكوت السماوات والأرض مدبر الكون محرك الليل والنهار بأمر منه من أجل مخلوقاته.
shababunity@gmail.com
بقلم الشيخ عزيز بن طارش سعدان شيخ قبلي الجوف برط ذو محمد