تشويه صورة الأسرة لدى الأطفال ..
استيقظ الطفل على صرخات الأم، والتفت ليجد المعركة مشتعلة بين أمه وأبيه وسط تراشق الاتهامات وتبادل الألفاظ الجارحة، ولم يجد الطفل غير فراشه ليحتمي به، ودموعه تسيل على وجنتيه، وفي اليوم التالي، كان كل من الأبوين يحاول استقطاب الطفل الى جهته، ويحاول تشويه صورة الطرف الآخر، ووقع الطفل في حيرة شديدة وقد اهتزت لديه صورة الأب والأم معاً..
مشهد يتكرر كثيراً في كثير من البيوت فلا يكاد يخلو بيت من الخلافات الزوجية، ولكن طريقة معالجة هذه الخلافات هي التي قد تؤثر على الأطفال بشكل إيجابي أو سلبي، والمشهد السابق يحتوي على الكثير من الأخطاء التي ارتكبها الأبوان، فكلاهما لم يبالِ بتصعيد الخلاف أثناء نوم الطفل مما جعله يستيقظ فزعاً على صوت خلافاتهما، كما إنهما بدلاً من إبعاد الطفل عن مناخ المشكلة بدأ كلاهما في استقطاب الطفل لتبرئة نفسه وتشويه صورة الطرف الآخر على نحو يجعل الطفل يفقد الثقة في والديه.
كيف تؤثر الخلافات الزوجية على الأطفال؟
أثبتت الأبحاث أن الطفل يتأثر بالخلافات الزوجية في وقت مبكر من عمره، حيث يستطيع الطفل أن يشعر بغضب الأهل وحزنهم حتى قبل بلوغ السنة وهناك العديد من الأبحاث التي تثبت أن الطفل في المرحلة الجنينية يستطيع أن يشعر بحزن الأم أو غضبها، ونحن نعلم أن نفسية الأم الحامل تؤثر على الجنين من ناحية صحية، وهناك الكثير من الجوانب التي يتأثر فيها الطفل بالخلافات بين الأبوين والتي منها:
إحساس الطفل بعدم الأمان
في الوقت الذي تكون فيه الحاجة للشعور بالأمن من أهم الحاجات النفسية التي ينبغي توفيرها للطفل نجد أن الخلافات الزوجية تتعارض مع إشباع هذه الحاجة، فالطفل نتيجة للخلافات خصوصاً عندما يحتدم النقاش وتعلو الأصوات سيخيّل إليه إن هذا البيت سينهار وبالتالي سيفقد من يرعاه ويهتم به، ويزداد أثر ذلك عندما يعي الطفل التركيبة الاجتماعية للأسرة، وضرورة وجود الأبوين لقيام الأسرة، والذي يظهر بوضوح بعد سن السادسة.. تشويه صورة الأبوين أو أحدهما لدى عقلية الطفل.. في الوقت الذي يحمل الطفل صورة ذات مكانة خاصة لوالديه فإن شجار والديه لاسيما عندما يتضمن سباًّ أو تحقيرًا لأحدهما فإن ذلك يؤذي الطفل ويشوّه الصورة التي يحملها عنه مما قد يكون لها من الآثار السلبية الشيء الكثير.
تكوين موقف عدائي لأحد الوالدين: فمن خلال ما يسمع من جدال قد ينحاز الطفل لأسباب مختلفة لأحد الوالدين مما ينتج عنه عداء للآخر.
نمو غير سوي
هناك علاقة طردية بين زيادة الخلافات الأسرية وبين نمو الأطفال بطريقة غير سوية، فالمناخ الأسري الهادئ يجعل الأهل يتعاملون مع أبنائهم تعاملاً إيجابياً مبنياً على التقبل والاهتمام والحنان العاطفي مما يجعلهم يتطوّرون عقلياً أكثر من الأطفال المحرومين من رعاية الأهل الذين يرفضون أبناءهم وتعاملهم معهم بشكل سلبي، وهذا ما يحدث في ظل الخلافات الأسرية المستمرة.
تكرار التجربة في المستقبل
من المعروف أن الطفل الذي ينشأ في جو محاط بالعنف يصبح هو أيضاً عنيفاً، ويمكن أن يستعمل هذا العنف بالمستقبل لتربية أطفاله بدون سيطرة وليس لأنه يريد إعادة هذه التجربة ولكن بدون إدراك وسيطرة على ذاته يكرر هذه الخلافات العنيفة نتيجة مشاعر داخلية تكونت لديه من خلال تجاربه مع أهله وخاصة الطفل المعنّف، فعندما يكون هناك جو من العنف يطغى على العائلة، الطفل يكون الضحية لمثل هذه الأعمال من العنف من خلال الضرب، فالطفل المعنّف يترعرع مع مشاعر نقص ومشاعر ضغط وشعور بالعجز.
>>.. كيف يمكن تجنيب الطفل هذه الآثار السلبية ؟
لابد أن يتفق الأبوان أن مصلحة الأبناء تأتي في المقام الأول وأن استمرار الخلافات الزوجية على هذا النحو ستضر بنموهما وتكوين شخصيتهما..
أن يحاول الآباء تحجيم خلافاتهم حتى لا تتصاعد أمام الأبناء وأن يكون موقعها الوحيد غرفة نومهما ..
في حالة حدوث خلافات بين الأبوين يجب ألا يحاول أحد الأبوين أو كلاهما استقطاب الطفل في اتجاهه أو الاستشهاد به لإدانة الطرف الآخر.. ولابد من المحافظة على صورة كلا الأبوين بشكل طيب والابتعاد عن توجيه أي تهمة لهما أو لأحدهما فالخاسر الوحيد هنا هو الطفل.
عند حدوث أيّ خلاف لم يتم السيطرة عليه فلابد أن يبادر الوالدان بتهدئة الطفل وإشعاره بالأمان وبأن هذه الخلافات عادية تحدث في أي بيت وليحاول كلاهما إضفاء جو من الهدوء حتى يستعيد الطفل شعوره بالأمان والثقة في والديه..