كتابات فكرية

يوميات البحث عن الحرية .. بطلان دعوى امتلاك الحقيقة!

يوميات البحث عن الحرية .. بطلان دعوى امتلاك الحقيقة!

  • عبد العزيز البغدادي

الاثنين28يوليو2025_

ما أكثر من أود إهدائهم هذه الكلمات ممن يدعون امتلاك الحقيقة!.

( أن تكن سبل العقل كما يزعم الكثير من الناس هي السبل الوحيدة إلى الحقيقة، فأين هو الإنسان الذي في وسعه أن يقطعها في خلال عمر واحد؟)(1)

سؤال ضخم اتبعه المفكر الراحل ميخائيل نعيمة بسؤال بنفس الضخامة حين قال : ( أين هو الإنسان الذي في  مستطاعه أن يستوعب في 70 سنة كل خرائط العقل التي ندعوها علوما كالرياضيات والطبيعيات، والكيمياء والبكتيري لوجيا وطبقات الأرض والنبات والحيوان والطب والفلك وسواها وسواها من علوم هذا الزمان الكثيرة ؟) (2).

وبعد هذين السؤالين أردفهما بسؤال ثالث فيه محاولة جادة للإجابة الحاسمة في قوله:(إن يكن كل علم من علوم الناس قد كشف عن جزء من الحقيقة، فكيف لي ولكم أن نعرف كل هذه الأجزاء ونظمها بعضها إلى بعض لنصل إلى الحقيقة؟

وواصل محاولة الإجابة: (أم أن الحقيقة أمرٌ لا ثبات له- أمر يتغير ويتبدل ويتجزأ؟)(3).

وتابع الأسئلة ليخلص إلى القول: (كلا ثم كلا إنما الحقيقة واحدة كانت وكائنة وباقية إلى الأبد. والحقيقة لا تنمو ولا تشيخ ولا تزيد ولا تنقص. وهي ليست هنا أو هناك أو من هذا الشيء أو ذاك. بل هي في كل مكان وفي كل شيء. وليس فيكم منها أكثر مما في سواكم. بل هي في الكل بدرجة واحدة. إلا أنها لا تزال مكفنة فيكم بأكفان عديدة حاكها العقل على منوال الحواس الخادعة والمخدوعة. لكن الزمان طويل. ولابد من أن يأتيكم يوم يمزق فيه خيالكم تلك الأكفان فيظهركم لأنفسكم حقيقة عارية من كل ثوب )(4).

ونقف عند هذه الجملة من حصاد خيال المبدع الإنسان ميخائيل نعيمة لنتساءل معه على نفس المنوال : إذا كان من وقع في هذا المأزق الفكري قد وقع فيه بشخصه أي دون أن تكون بيده سلطة يمارسها في إجبار الناس على الاعتقاد والتسليم بها فماذا عمن يدعي امتلاك الحقيقة مستخدما أعلى مراتب السلطة في إجبار غيره بالقوة على الاعتقاد والتسليم متمسكاً بأقبح مقولات الاستبداد في التاريخ : ( الناس على دين ملوكهم).

 انه منطق الاستعباد، والملكية والاستعباد صنوان (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) قراراتهم بمثابة القضاء المبرم أو القدر المحتم).

هذا الحال ما زال يفتك بنا، لم تؤثر في تسلط الحكام المجانين اديان ولا قيم ولا مبادئ ولا دساتير مهما ادعوا..

في كافة البلدان المبتلاة بحكم المستبدين والطغاة المتخلفين عبر كل العصور يوظفون موارد وطاقات الدولة في خدمة الحاكم بأمره او بأمر الشيطان لا فرق طالما كانت قوة الجيش والأمن وكل قوة الدولة وهيلمان السلطة ومواردها طوع أمره!.

لا مشكلة حقا أن تعتقد أو تعبد ما شئت أو تنظر أو تدعو دعوة سلمية لأي معتقد!.

المشكلة في إجبار الناس على عبادة إلهك واله آبائك بالقوة . على الضد من مقتضيات آيات قرآنية واضحة الدلالة مثل: (لا اعبد ما تعبدون) (لا إكراه في الدين)(من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) أو أية نصوص دينية أخرى!. .

الحرية لا تتجزأ وهي تكشف كل أشكال خداع الحواس وتبق طريق البحث عن الحقيقة مفتوحا أمام ما يريده الأحرار الحقيقيون ؛

كلما تعمق الإنسان في علم من العلوم أو فنٍ من الفنون كلما اتسعت آفاق الاشتياق للاكتشاف وزاد المستور عن الحواس، ولهذا فان من يدع امتلاك الحقيقة هم ابعد الناس عن الوصول إليها!.

وهي دعوى تحمل معنى محاولة القضاء على متعة البحث عن الحقيقة ومشاقها ؛

وفي المشاق دائما متعة لان الحياة ليست سوى سلسلة من المشاق والبحث عن كيفية تذليلها للوصول إلى الأهداف التي يرسمها الإنسان لتحقيق أهدافه:

(ورحت من سفر مضنٍ إلى سفرٍ* أضنى… لأن طريق الراحة التعبُ) (5)

لقد أجاب ميخائيل نعمة على من قالوا: (إن هذا الرجل يثير حربا على العقل وليس يحيى بغير عقل إلا المجانين. أتراه يدعونا إلى الجنون؟)

جواب أثار سؤالا أردفه بالقول: (الا انظروا الى اجسادكم كيف انها في تدرجها البطيء الى شكلها الحاضر قد استغنت عن اعضاء كثيرة كانت ضرورية لها وحيوية في سالف الاحقاب.

هكذا الروح فيكم كلما تفتقت عنه اكمام الحواس نبذ ،وسيمبذ، قوى تحسبونها اليوم عريقة فيه لازمة له والعقل في جملة تلك القوى.

ان الذين خيالهم ما يزال في اللفائف لا باس عليهم لو هم أرضعوه من ثدي العقل. سيكبر الطفل ويشتد وينتهي بان يحمل امه يوما ما على ظهره إلى المقبرة) (6))

ما أكثر المجانين الذين يدعون امتلاك الحقيقة وبخاصة الحكام منهم، ولهذا نرى الحقيقة تدفن كل يوم داخل رمال العقول المتحجرة، تفعل ذلك باسم العقل فتقتل العقول وباسم الدين تعتدي على الحرية، وتسجن جواهر الإبداع، ومع ذلك تصف فعلها بأنه جوهر الدين وحقيقته!.

العقل عند المتبجحين بالسلطة والهيلمان يعني السمع والطاعة للحاكم وان جلد ظهرك واخذ مالك ، هذا مبدأ يتشدق به دعاء التسنن والتشيع معاً!.

كم من الطغاة كانوا يوما ما دعاة للثورة على الظلم وحينما وصلوا إلى السلطة سرعان ما تحولوا إلى طغاة يعشقون السمع والطاعة وينكلون بمن يدعو للخروج على ظلمهم!.

تتموج العقول تبعا للمصلحة التي لا يحكمها دستور أو قانون يلزم من بيده أعلى سلطة بعدم جواز إساءة استخدامها ويضع إلية لمحاسبة الكبير قبل الصغير!.

بدون دولة القانون والمواطنة المتساوية لا وجود للدولة العادلة،

العدالة لا تحيا في ظل من يحاسبون صغار الموظفين السراق في الظلام ويعظمون كبار الحكام الذين ينهبوا المال العام في وضح النهار ويملاؤا  الأرض ظلماً!.

اشحذوا بصائركم كي تروا

أن حجم الخديعة أكبر مما تظنون.

(10) -(1) -ميخائيل نعيمة – زاد المعاد ص

– نفسه ونفس الصفحة(2) –

(3) -نفسه ونفس الصفحة أيضا

(11) — نفسه صفحة (4)

(5) -عبد الله البردوني- من قصيدة -أبو تمام وعروبة اليوم

ميخائيل نعيمة المرجع السابقص (11)-(6)

اقرأ أيضا :مجرد تأمل.. العبيد لا يصنعون حرية.. والجهلاء لا يبنون مجدًا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى